
يلعب الخط العربي تأثيرا كبيرا في الفن التشكيلي الحديث وفي مقدمة الفنانين الذين عادوا إليه في أعمالهم المعاصرة الفنان شاكر حسن الذي وظف الخط العربي لتجسيد البعد الواحد انطلاقا من عدم وجود منبع ذي جذر فني لتجسيد البعد الواحد أفضل من الخط العربي ولهذا عمل على توظيف الإمكانيات العميقة فيه, وهذه إحدى التجارب التي أدت إلى أن يتخذ الفن الإسلامي قيمة جمالية وحضارية بنسق معاصر, وأعلن شاكر “في كتاب (البعد الواحد) الذي أعده جميل حمود: أن نظرية البعد الواحد بهذا المعنى تفترض أن المعنى الحقيقي للكون يتحقق بالعودة من الشكل إلى إزاله الخطى”.
إن قيمة الخط تكمن في الشخصية التي تتجاوز وظيفتها لأنه لا يتعلق بمضمونه الألسني, وهكذا استخدم شاكر حسن الحرف بمعنى واحد لثلاثة مفاهيم: الخط كونه تجويديا, وكأصل للاتجاه الحروفي, وتجسيد حركة النقطة وتعبيره عن الشكل, ليعكس القيمة التشكيلية الصرفة بوحدة جميع هذه المعاني في الفضاء التصويري, باتخاذ الحرف الكتابي نقطة انطلاق للوصول إلى معنى الخط, ليقدم صيغة معاصرة للخط العربي الإسلامي.
وهنا نجد أن شاكر حسن أخذ من أسلوب التجريد في فلسفة الجمال الخاص بالفنان المسلم المتأثر بالعقيدة الوجدانية الراسخة في روحه, وكان الفن الإسلامي قد اتصف بمبدأين المبدأ الأول هو (التصحيف) بمعنى تحوير معالم الواقع وتعديل نسبه وأبعاده وفق فكرة الفنان. والمبدأ الثاني هو (التغفيل) أي الابتعاد عن واقع الشكل وتشبيه الشيء بذاته إلى التمثيل الكلي والمطلق, وقد فسر الكثير التصحيف في الفن الإسلامي, باعتباره محاولة لتمييز العمل الفني الذي لا يهتم بالشكل الأساسي, بقدر ما يهتم بأبعاد أخرى فنية وفلسفية. فقد اتجه فكر الفنان المسلم بنظريته الحدسية للبحث عن الجوهر الخالد, الجوهر الكوني الذي لا يقبل التجزئة ولا التباين, لذلك أخذ بإلغاء الجوانب الحسية الزائلة من شخص الإنسان تحديدا, والطبيعة بشكل عام حيث كانت الملامح الحسية تعيق الحدس عن إدراك غايته وهي الجوهر الحق وانصرف الفن الاسلامي عن التعلق بالمظاهر الواقعية والمكانية وجعلها حسا. وهذا ما قصده المصورون المعاصرون في التصحيف, حيث أكد ماتيس: (أن الدقة لا تؤدي إلى الحقيقة). بمعنى أن الحقيقة ليست الصورة المطابقة للشكل ولكنها في الشكل المطابق للمعنى الكلي.