مثل أنموذجاً لقيادات الدولة في الزهد والتجرد من مغانم السلطة
الشهيد الصماد… قائد مشروع بناء الدولة الذي أحبته جموع الشعب
الرئيس الشهيد جعل من منصب رئيس الجمهورية منطلقاً لمخالطة المواطنين والتواجد في الجبهات
امتلك مشروعاً عظيماً في بناء الدولة وحماية البلاد في آن واحد فبادرت أمريكا لتصفيته
ترك أثراً جميلاً في نفوس كل من عرفوه وعلى رأسهم رموز الوطن وقياداته
خمسة أعوام على استشهاده ولا زالت جموع الشعب اليمني بالملايين تخرج في ذكرى استشهاده حاملين صورة معلنين محبته والسير خلف مشروعه ولا تكاد تخلوا هواتفهم من خطاباته، الرئيس الشهيد صالح الصماد من سكن قلوب اليمنيين بصدقه وإخلاصه وزهده ومن جعل منصب الرئيس دافعاً لخدمة المواطن وتلمس احتياجاته ومن أجله سار في طريق بناء الدولة المدنية الحديثة وفق مشروع ورؤية وطنية تحمل شعار» يد تبني ويد تحمي» لا زالت حاضرة إلى يومنا هذا، كيف لا يحب الشعب اليمني هذا الشهيد وهو الذي من تواضعه اعتبر أن مسح التراب من على نعال المرابطين أشرف له من كل مناصب الدنيا، ومن شجاعته لم يُخفه أو يحد من تحركاته رصد الطائرات الاستطلاعية والأقمار الاصطناعية وكانت الشهادة غايته التي وفقه الله بنيلها…
الثورة / أحمد السعيدي
ذكرى استشهاده
ما إن دعا قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي أبناء الشعب اليمني للخروج في مسيرات جماهيرية وفاءً لدماء الشهيد الصماد حتى امتلأت ساحات الفعاليات في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات بحشود غير مسبوقة يجمعها الحب لهذا الرئيس الشهيد فيا ترى ما الذي قدمه الشهيد الصماد لكل هؤلاء حتى حظي بكل هذا الاحترام، وبكل هذه المكانة العالية الرفيعة رغم ما يعيشونه من وضع اقتصادي سيء ولم يستطع الصماد حينها تقديم ملذات الدنيا لهم بعد أن انهكهم الحصار، والإجابة هي أن الصماد قدم لهم النموذج الأمثل للمسؤول القدوة، المسؤول الذي يعمل نهاره و يسهر ليله في خدمة أبناء شعبه، غير مكترث بحطام الدنيا الزائلة ومغرياتها الزائفة، وغير مغتر ببريق السلطة، قدم لهم الصورة الزاهية البهية لرئيس لم يهدأ له بال، ولم يهنأ له عيش وهو يشاهد وطنه ، وليست المرة الأولى التي تخرج قوافل الشعب بهذه الحشود وفاءً لدمائه الطاهرة فمع كل ذكرى لاستشهاده يشارك الشعب في هذه الفعالية محبة لهذا الرئيس الذي كان قريباً من قلوب الناس ووجدانهم واستطاع أن يأسر القلوب لصدق توجهه وإخلاصه وبذله حيث كان مواطناً من عامة الناس مع المواطنين ومقاتلاً في الجبهات، وخطيباً بليغاً في الجامع، وأُستاذاً في المدرسة، ورجلاً إدارياً في مكتبه، كان مثقفًا بثقافة القرآن تخرج من مدرسة النبي وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، فلم يكن صاحب هوى سياسي أَو باحثًا عن سلطة أَو كرسي أَو مواكب استعراض ومرافقين وحراسات وقصور وحجاب، بل كان جندياً للشعب قريباً منه ومعه يعيش ما يعيشه العامة في المأكل والملبس والمسكن وكان واضح المواقف، صادق القول، متسامحاً، حازماً، متطلعاً إلى عزة اليمن واليمنيين في الدفاع عن اليمن والصمود أمام العدوان وفي البناء والإعمار والتنمية،
ولذلك كان أيقونة الشعب وأصبحت دماؤه الطاهرة وقودًا أيقظ ملايين اليمنيين، فشعبنا اليمني لا ينسى من أخلص له حقه، ومثله مثل الرئيس الشهيد/ إبراهيم محمد الحمدي رحمه الله، الذي أحب الشعب وأحبه الشعب فمكانته مخلدة في نفوس اليمنيين، وهكذا هو شعبنا مع الرئيس الصماد رحمه الله.
مفهوم الرئاسة
رئيس الشهداء صالح الصماد استطاع تغيير مفهوم منصب رئيس الجمهورية الذي اعتبره من سبقوه مغنماً ووسيلة لجمع الثروات وبناء الإمبراطوريات في الداخل والخارج بل تسلَّم مقاليد السلطة في اليمن في ظروف استثنائية وضاغطة، حتمت عليه القبول بهذه المهمة الاستثنائية وتحمّل تبعاتها الجسيمة وكل ما يرشح عنها من تحديات كان يعرف سلفاً أنها تنتظره بمجرد أن يخطو خطوته الأولى إلى القصر الجمهوري في صنعاء، رئيساً لبلد يعيش حالة حرب شاملة في مواجهة عدوان ضروس وغير مسبوق في تاريخ البلاد ولكنه سار في طريق إحقاق الحق وخدمة الوطن والمواطن، وأدى المهام المناطة به خلال ترؤسه للمجلس السياسي الأعلى وإدارة الدولة بحنكة وحكمة واقتدار في مرحلة صعبة، وحاسمة وكان مثالاُ للبذل والعطاء والتضحية والفداء وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية مجسداً رؤيته الحكيمة ونظرته الثاقبة والشاملة لمشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة حيث كان شخصية وطنية، مثلت أيقونة للصمود والحكمة والنزاهة والشجاعة والإقدام والبأس، عملت على ترسيخ دعائم الثبات ورسمت ملامح البناء والنهوض والتطوير وتحديث المنظومة الدفاعية وقوة الردع اليمنية لمواجهة العدوان. وحوّل الشهيد الصماد التحديات إلى نجاحات في زمن قياسي، مثلت فارقاً في أدائه وتحركاته وبصماته الوطنية والتنموية، وهو على قمة هرّم السلطة التي لم يرها يوماً.
مشروع الشهيد الصماد
رسم الشهيد الصماد بمبادئه وطموحاته خارطة طريق وطنية لتحقيق طموحات الشعب اليمني في بناء الدولة وتنمية مستدامة بعيداً عن مشاريع الوصاية والتبعية، ما جعل تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، يضع الصماد على قائمة المطلوبين والمستهدفين، ومثل المشروع الوطني للشهيد الصماد تحت عنوان « يد تحمي .. ويد تبني»، حالة فزع للأعداء، جعلهم يتجهون لوأد هذا المشروع باغتيال مهندسه وراسم خطوطه العريضة، في محاولة لكسر شوكة البناء واستقلال القرار السياسي، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن حيث مثل اغتيال دول العدوان للرئيس الصماد، دافعاً لأبناء الشعب اليمني في المضي على درب الشهيد الصماد ومواصلة الصمود والثبات والإرادة والعزيمة والإصرار على مواصلة البناء والتطوير رغم العدوان والتخريب والتدمير التي يمارسها تحالف العدوان بحق الشعب اليمني وفي حين دأب النظام السعودي الحاقد والغارق في دماء أبناء اليمن على مّر التاريخ في اغتيال القادة العظماء الذين يرى فيهم حجر عثرة لتنفيذ مشاريعه القذرة في المنطقة.
انزعاج أمريكي
وبسبب هذا المشروع العظيم الكفيل بحماية البلاد من العدوان الخارجي وفي نفس الوقت بناء الدولة اليمنية المنشودة شعرت أمريكا بالخطر وشاركت بشكل مباشر في استهدافه لأن الشهيد الصماد كان يدرك تماماً الدور الأمريكي في العدوان على اليمن حيث قبل استشهاده وخلال كلمة له في محافظة الحديدة كانت كلماته واضحة المعالم فكشف أن الإدارة الأمريكية هي من تقف بكل ثقلها في معركة الساحل والسعوديون والمرتزقة عبارة عن خدام لهم وأشار يومها إلى إسقاط طائرة أمريكية لم يكشف عن نوعها في الساحل وللعلم فقد تأكد خبر إسقاط الدفاعات الجوية اليمنية، الأربعاء 18 أبريل، طائرة إم كيو ريبر الأمريكية متعددة المهام والأكثر تطورا في العالم في سماء محافظة الحديدة وبعد كلمة الصماد هذه مباشرة فُجع اليمن بالإعلان عن اغتيال الرئيس الصماد، وفي خطاب للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي لم يتجاوز العشر دقائق حمل قوى العدوان وعلى رأسها الإدارة الأمريكية المسؤولية “القانونية” لارتكابها هذه الجرمية وكل الآثار والتبعات المترتبة عليها، فقد تركت بصمة أمريكية في جريمة الاغتيال بالإضافة إلى توقيت تنفيذها واختيار الحديدة ساحة لهذه المنازلة.
مثالاً لقيادات الدولة
كثيرة هي الصفات القيادية التي تركها الشهيد الصماد لقيادات الدولة على جميع المستويات الاجتماعي والثقافي والشجاعة والحكمة والتواضع لكن تظل الصفة الأهم بحسب مراقبين هي نزاهته في الجانب المادي الذي يضعف فيه كثير من القيادات حيث مثل الرئيس الشهيد الصماد، أنموذجاً رئاسياً فريداً في تاريخ اليمن والمنطقة بما تحلى به من زهد وتجرد كامل عن حب التملك ومتاع الدنيا وحطامها الزائل، فلم يكن هناك ما يشغل تفكيره سوى قضية اليمن ومسؤولية بناء الدولة والانتصار لمظلومية الشعب حتى بذل روحه من أجلها وقد ترك الصماد منصبه على رأس الدولة مثلما وصل إليه ودون حتى أن يؤمن مسكنا لأفراد أسرته أو أي أملاك أخرى سوى منزل والده المدمر بفعل غارات طيران العدوان في منطقة بني معاذ بمحافظة صعدة وليس كما هو حال بعض أدعياء المسيرة والمنتفعين منها ومن هذا المنطلق، لم يعرف عن الصماد أنه امتلك أرضاً أو عقاراً جديداً منذ بدء العدوان السعودي الأميركي على بلادنا. وقد نقل عنه رفاقه قوله: «كل من يشتري أرضاً أو يبني عقاراً هذه الأيام – أي أيام الحرب – اكتبوا على جبينه كلمة فاسد». وقد كان قوله هذا، ولا يزال، أبلغ رد على المفرطين والمفسدين، ولم تغره حياة القصور، بل كان يتقدم الخطوط الأمامية بما فيها زيارة المرابطين والإشراف على العمليات العسكرية في جبهات ما وراء الحدود، فلم يتوان عن التضحية بنفسه فداء للوطن ودفاعا عن عزته حتى قضى شهيدا في مدينة الحديدة التي ذهب إليها لمتابعة جهود التحشيد والتعبئة بعد تصعيد العدوان في الساحل الغربي وسعيه لاحتلاله.
أثر جميل وقدوة حية
ترك الشهيد الصماد أثراً جميلاً وسيرة عطرة في نفوس كل من عرفوه وتحدثوا عنه بأجمل الكلمات واصدقها ابتداء بقائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي الذي وصفه في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الخامسة لاستشهاده بأنه رفيق درب في كل المراحل الماضية وأنه منذ تعيينه رئيساً للمجلس السياسي الأعلى لم يتحمل هذه المسؤولية من باب الطمع بالمنصب، حيث كان يطلب تغيير اختياره رئيساً للمجلس السياسي الأعلى وهذه حالة يمتاز بها الرجال الصالحون الأوفياء وقال» لم نلحظ في الشهيد الرئيس الصماد أي من مشاعر الزهو بالسلطة والمنصب، وبقي بنفس إخلاصه وروحيته منذ أيام «شعب بني معاذ في صعدة « وصولاً إلى سدة الرئاسة».
أما الرئيس المشير الركن مهدي المشاط فقال عنه يوماً: «هو الغائب الحاضر، والملهم الثائر، والمجد المتجدد، والذكر الجميل، والثورة المتعاظمة، وسيبقى رحمه الله يسافر عبر الأجيال اسماً مشرفاً، وروحاً ملهمةً، وقائداً فذاً ينبض بالكرامة والشموخ وبقيم الخير والسلام وحياة المبادئ، مثلما سيبقى مشروعاً خالداً يجسد عظمة القرآن الكريم، ويشهد بحكمة وإيمان اليمن الميمون، وينشر على النفوس جمال الحق، ونسيم الحرية، وعطر الشهادة، وعشق الأرض، وحب الوطن».
بينما وصفه عضو المجلس السياسي الأعلى الأستاذ محمد علي الحوثي بأنه القائد الذي كان ينظر إلى تحركاته وأعماله ومبادراته في كل مواقع الخطر منطلقا من قيم المسؤولية الأخلاقية والوطنية والوظيفية حتى استشهد رحمه الله وهو في قمة عطائه، وفي واحدة من أعمال تحدي صلف العدوان السعودي الأمريكي في استهداف الساحل الغربي لليمن وكان دائما يمد يده بالسلام.. وهو الأمر الذي قد لا ترغب فيه بعض القوى الخارجية والداخلية.
وقال عنه الدكتور عبد العزيز بن حبتور – رئيس مجلس الوزراء:
«دعونا نسجل بعضاً من دروس المشهد في سجل الشهيد النبيل: ترك لنا الشهيد مجموعة فكرية تراثية هامة وكثيرة من الفكر المتحرر من أي عصبيات عرقية أو سلالية أو مناطقية، وهي في شكل محاضرات وخطابات وأحاديث ومقابلات نوعية، علينا جمعها وطباعتها لتكون إرثاً تراثياً جماعياً لأجيال الأمة؟ وكان كريم النفس ولطيف المعشر، وشديد التواضع في تعامله مع مرؤوسيه، وكان بالمقابل متابعا جادا ومسؤولا لشؤون الدولة واحتياجات المواطنين، هذا ما لمسته أثناء عملنا المشترك في إدارة وقيادة الدولة كل من موقعه الإداري.