أمريكا واليهود والسيطرة على المناهج
في يوم الجمعة 29/ 8/ 2003م في ملزمة (آيات من سورة الكهف) تحدث الشهيد القائد أنه بدأت مرحلة بمتغيرات جديدة منذ عشر سنوات مضت، “وبدأت مؤشرات سوء الحال، وسوء المصير، عندما اتجه الأمريكيون للاستيلاء على صياغة المناهج، وإنزال المناهج التربوية، وحتى السيطرة على المساجد في معظم الدول العربية”.
ويبدو أنه قصد أنه كان هناك توجه أمريكي في الخفاء، لكنه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبعد أن غزا الأمريكيون أفغانستان والعراق انفتحت شهيتهم نحو السيطرة على التربية والمساجد بشكل فاضح، وقوي، وبمجاهرة شديدة.
واستعرض طويلاً وبتكرارٍ كثيرٍ الطرقَ الكيدية والذرائع المفتعلة التي اختلقتها أمريكا واليهود من أجل الوصول إلى الهيمنة على المناهج في بلدان العرب والمسلمين.
يعيد الشهيد القائد الموضوع لعشرات السنين ولنشوء الوهابية التكفيرية وتشجيع انتشارها، فيؤكّد أن الأمريكيين بمخابراتهم وهيمنتهم على العالم، وتحالفهم مع القوى التكفيرية والداعمين لهم سياسيا وتمويلا هم مَنْ أوعزوا وأعطوا الضوء الأخضر، ودعموا، ومكّنوا زعماء التكفير من مؤسسات الدول ولا سيما في اليمن، فتوغلوا فيها، وأخذوا أهم المجالات الدينية والتربوية والثقافية، وأفسحوا المجال أمامهم، بل وشغّلوهم في اليمن وغيرها من مناطق العالم، وأنهم دعموهم ليفرِّقوا المجتمعات، ويُفْسِدوا السكينة الاجتماعية في شعوب المسلمين.
يتساءل في ملزمة (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن): “لكن من الذي دعم هؤلاء في البداية؟ ومن الذي مكَّنهم من أن يتغلغلوا في مؤسسات الدولة؟ فيأخذوا أهم المجالات داخل هذا الشعب، وهو مجال التربية والتعليم، أخذوا التربية والتعليم، وأخذوا الأوقاف، وأخذوا وزارات أخرى؟”.
فيجيب: “أمريكا هي المهيمنة، وأمريكا تسمع وترى، مخابراتها واسعة، هل ستسمح في شعبٍ كاليمن أن يتحرك أولئك على ذلك النطاق الواسع، مئات المعاهد، الجامعات الكبيرة، مئات المساجد أخذوها، ومنطقهم معروف، وكلامهم معروف، ثم لا يكون هناك إيحاء لهذا أو هذا بدعمهم، وإيحاء بإخلاء الساحة أمامهم، والتعاون معهم، وإفساح المجال لهم، هذا شيء ملموس”.
يضيف: “أمريكا من البداية هي من تعطي ضوءا أخضر لدعم هؤلاء وإفساح المجال أمامهم، والتعاون معهم، وهي من شغَّلَتْهم حتى في مناطق أخرى في مجالٍ تكون نتيجتُه مصلحةً لها ولمصالحها في المنطقة”.
ويوجِّه في ملزمة (دروس من سورة آل عمران – الدرس الثالث) السؤال لهؤلاء الذين يزعمون محاربة ما يسمى بالإرهاب عن مفارقة كيدية عجيبة قائلا: “لماذا كنتم تفتحون لهم أبواب مؤسسات الدولة؟ لماذا كنتم تفتحون لهم مراكز التربية والتعلم؟ لماذا كنتم تفتحون لهم المساجد؟ يوم كانوا يتحركون في تفريق كلمة الأمة، في التضليل على الأمة، في جعل اليمني هذا يلعن هذا، يطلع هذا الشخص وله ولاءات واعتقادات تخالف ما عليه هذا، يفرِّقون أبناء الطائفة الواحدة”.
ولما زعم الأمريكيون أنهم يحاربون ما يُسمى بالإرهاب، كان ذلك مفارقة مضحكة وكيدا شيطانيا كما يوضِّح الشهيد القائد، فإذا كانوا يريدون محاربة الإرهابيين على حد زعمهم فلماذا ذهبوا إلى تغيير المناهج في المدارس التي لم يثبت يوماً أنه تخرَّج منها متشددون، بل ولا حتى مصلون، ولماذا أيضاً ذهبوا إلى سحب الأسلحة، وتثقيف عامة المجتمع بثقافة الولاء لهم، وإلى تصرفات عامة تستهدف المجتمع بأكمله، وليس فئة المتشددين أو الوهابيين.
وحول حقيقة ما يريده الأمريكيون واليهود فإن أهم شيء يركِّزون عليه هو ما يتعلق بديننا، حيث يريدون أن يفصلونا عن ديننا، وعن هدي الله، “فيكونوا قد حقَّقوا كل شيء”، وستكون الأمة بعد ذلك “أمة ضعيفة، هزيلة، مفرَّقة، مشتَّتة، لا تعرف شيئاً، ولا تحرِّك ساكناً، ويكونون قد هيمنوا على كل شيء”.
إن حقيقة تحركهم يوحي بأنهم يريدون إفراغ القرآن عن محتواه، ويجب أن نفهم أنهم “أعداء يريدون أن يحتلوا بلداننا، ويحاربوا ديننا فعلاً؛ … ولأن يجعلوا هذا القرآن قراطيس، وقد جعلوه لحد الآن قراطيس، نحن وإياهم، لم نعد نجعل له قيمة في الحياة، ولا في حركتنا على أساسه”.
وعلى ضوء ذلك فقد استنكر الشهيد القائد ما عمِلَتْه السلطةُ اليمنيةُ، بالسماح للأمريكيين في التدخل في المناهج، ورأى أن ذلك شكّل فضيحة للأمريكيين، وخديعة لا تنطلي علينا؛ “لأن المدارس الحكومية في مختلف بلدان الدنيا هذه لا تنتج متشدِّدين، بل لا تنتج حتى ملتزمين بالإسلام! فلماذا بادروا إليها ليحتووها، ويغيِّروا المناهج التعليمية، ويصيغوها على ما يريدون؟”
يواصل: “نقول: الآن افتضح الأمريكيون، افتضحوا، الذين قالوا: إنهم لا يريدون إلا أن يحاربوا الإرهابيين!” (آيات من سورة الكهف).
وحول طبيعة ردة الفعل العربية فعلى المستوى الرسمي، فإن الحاكم الرسمي العربي “همه أن يسلم منصبه، أن تسلم رؤوس أمواله، أن تسلم مصالحه، ولو ضحَّى بالناس، وبدين الله، و بكتابه”، ويقول: “قضية ملموسة تجد الكثير من حكام العرب قابلا لأن ينزِّل أيَّ شيء تأتي به أمريكا، تريد أن تفرضه، سينفذه من أجل أن يسلم منصبه ويسلم مقامه” (سورة البقرة – الدرس التاسع من دروس رمضان).
ويحذِّرهم بأنَّ تنازل الحكام عن دينهم لا يجدي في المحصلة عند الأمريكيين، فمطالبهم لا تنتهي إلا بطلب المستحيل؛ فإذا لم يتحقق المستحيل لهم اتخذوا من عميلهم هذا موقفا مناهضا، يقول: “هل تتصور بأنه عندما تسكت سيسكتون؟ بل سيقدِّمون طلبات أخرى، قدَّم لهم السعوديون تنازلاً بإبعاد ألف خطيب كما قيل، ولكن لم يسكتوا عنهم، بل قدَّموا طلبات جديدة، هكذا طبيعتهم الطلبات تلو الطلبات، وإن لم يجد الأمريكي إلا المستحيل فإنه يطلبه، وفي الأخير يقف منك موقفاً أنك لم تقدم له المستحيل” (سورة النساء – الدرس العشرون من دروس رمضان).
وبسبب إدراكه لخضوع الحكام الرسميين للطلبات الأمريكية فقد اتجه الشهيد القائد إلى الشعوب، وحذَّرها من مغبة السكوت على هذه الجريمة، معتبرا عدم معارضتها حالة خطيرة جدا، وأنها عند الله كبيرة، ولم يستبعِد أن يؤدي السكوت عليها إلى ضربات كبيرة للأمة، وفي الوقت ذاته يكتسب المنكِرون لها ومن يتصدى لها فضلا عظيما عند الله.
يقول محذراً: “هذه حالة خطيرة جداً على الناس، حالة خطيرة جداً على الناس”. ويذيع مفارقة عجيبة هي كيف نمكِّن قوما من كتابنا وهم الذين نزع الله من بين أيديهم كتبه: “كما قلنا أكثر من مرة: من أسوء ما في هذه بالنسبة للناس أننا جئنا من جديد نمكن بني إسرائيل من كتابنا، من تثقيف أنفسنا، من تثقيف أولادنا؛ ليحرِّفوا، ليخفوا الكثير منه، وهم من قد نزع الله من بين أيديهم كتبه، ووراثة كتبه، وأنبيائه، فهل نمكنهم نحن؟!”.
ويستنكر تلك الحالة قائلا: “كيف لا يعترضون؟ ولا يضجون على أن هناك توجها يهوديا للسيطرة على مناهج المسلمين! أنا أتصور هذه أنها عند الله كبيرة جداً، أنها مظنة أن يحصل لهذه الأمة ضربات شديدة، وأنها في نفس الوقت فضل عظيم لمن ينطلقون ليعارضوا هذه الفكرة التي يتبناها اليهود، ويعارضوها بجدية.
وفي سبيل مواجهتهم فقد أعلن الشهيد القائد مشروعه القرآني الذي في أساسه يستنهض مقومات الأمة الداخلية، ويعد العدة للأعداء المتربصين، المشروع الذي يخوض اليوم مرحلة من الصراع الساخن بينه كمشروع للقرآن الكريم، ومشاريع الشياطين في الأرض، ومع ذلك فإنه أوجب على الشعوب أن تعي طبيعة هذه المعركة القائمة، وأن تفهم طبيعة هذا العدو الماحق، وأنه حتى لو تم له التنازل عن بعض الأشياء فإنه لن يتوقف عن سلسلة مطالباته الكثيرة، إلى أن يصل في النهاية إلى احتلال بلداننا، يقول: “إذاً يجب أن نفهم نحن على الأقل، نفهم نحن أولاً أننا فعلاً أمام أعداء يريدون أن يحتلوا، ويحاربوا ديننا فعلاً” (آيات من سورة الكهف).
وهو هنا يؤكد على أهمية الوعي، والتثقف بثقافة القرآن الكريم التي تحذِّرُنا من خطورة هؤلاء اليهود والنصارى.
وانطلاقا مع البعد الشعبي في مشروعه النهضوي دعا الشهيد القائد الحكومات الرسمية إلى أن تترك زمام المبادرة للشعوب في مواجهة هؤلاء المتآمرين، وأن أمريكا حينئذ ستهابهم.
يقول: “نحن نقول من جديد كما قلنا سابقاً: دعونا نحن والأمريكيين، دعوا الشعب اليمني هو سيتصرَّف مع أمريكا، ولن ينالَكم سوءٌ، ولن يمسكم سوء، أما أن تفرضوا على الشعب اليمني، ويفرض الآخرون على الشعب في السعودية، ويفرض الآخرون على الشعب في مصر.. ، وهكذا في كل شعب يفرضون موقفهم وضعفهم ووَهَنَهم على الشعوب فإن هذه من أعظم الجرائم عند الله سبحانه وتعالى، ومن أعظم الخيانة للشعوب وللدين والأمة” (دروس من وحي عاشوراء).
ويتساءل مصرِّحا بأهمية دور الشعوب في الدفاع عن نفسها: “أليس عندهم شعوب كبيرة، ملايين، لو ربوهم تربية جيدة لاعتزُّوا هم، ولهابت أمريكا أن تحاول أن تمارس أي ضغط على أيِّ شعب من الشعوب” (سورة البقرة – الدرس التاسع من دروس رمضان).
جدير بالذكر أنه في 2/ 12/ 2002م نشرت جريدة الأسبوع القاهرية في صفحتها الثالثة تحت عنوان “خطة واشنطن لتغيير المناهج التعليمية في مصر والعالم العربي: الخطة تطالب بإفراغ التربية الدينية من مضمونها واقتصارها على تدريس العبادات”.
وأوردت تحت هذا العنوان أن هذه الخطة وضعتها مجموعة من الخبراء السياسيين الأمريكيين الذين أطلق عليهم (مجموعة الـ 19)، ووضعتها في تقرير رفعته إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي تضمَّن ما أسموه “مفهوم الجوانب النفسية للإرهاب الإسلامي”، وانتهت فيه إلى توصيات شاملة تم رفعها إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي وافق عليها.
وتقول الدراسة: نحن لن نستطيع أن نغير من فحوى القرآن، ولكن علينا التدخل لإفراغه من مضمونه. ثم ذكرت مجموعة من الإجراءات التي رأوا أنها ستحقق هدفهم ذلك.
وفي الجمعة 29/ 8/ 2003م حذَّر الشهيد القائد في محاضرة (آيات من سورة الكهف) “أن الأمريكيين متجهون لتغيير ثقافة الأمة هذه؛ ليبنوا جيلاً يتولَّاهم، يحبُّهم، يجلُّهم، يمكِّنُهم من الهيمنة عليه، بدلا من أن يكونوا أولياء لله، ومحبين لله، وأن يمكنوا كتاب الله من أن يحكم عليهم، يكون البديل هم اليهود، فهم يريدون هذه، يريدون الاحتلال لأفكارنا، لنفوسنا، لبلادِنا، لقيمنا، لكل ما يربطنا بديننا”.
أما في عام 2004م وبعد أن تعرَّضت أمريكا لحرَجٍ أخلاقيٍّ شديد، ولتكاليف مالية باهظة بسبب حروبها التي أشعلت بها بلدان العالم، وضع جوزيف ناي رئيس المخابرات الوطنية الأمريكية ورئيس إحدى جامعاتها نظرية الحرب الناعمة، والتي تعني “القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام”، وأصدر كتاباً بعنوان “القوة الناعمة”، وقال ناي أيضاً: “إنَّ القوة الناعمة تعني التلاعبَ وكسبَ النقاطِ على حساب جدول أعمال الآخرين، من دون أن تظهر بصماتُ هذا التلاعب”.
هذا المشروع يخطِّطُ ليخرِّبَ المسلمين من داخلِهم، وليسقطَهم من صفوفهم، بأيديهم وبأدواتهم، بتعديل القيم التي يريدون تأسيسَهم عليها لتسود قيمُهم، ثم يندفعون بشكلٍ طبيعيٍّ وعاديٍّ لتصديقِها وتنفيذِها، فيتعدّل سلوكُهم تبعاً لها.
وللموضوع بقية في الحلقات المقبلة إن شاء الله