الواسطة

 

شهادات عن الوساطة التي بعثها علي عبدالله صالح في الحرب على الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ، بهدف قصفه بقصف مكان الاجتماع.

عُباد بن علي الهيال

بادئ ذي بدء أروي هذه الحقائق من مصادرها لاعتبارات تتعلق بالواسطة التي بعثها علي عبدالله صالح إلى الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.
روى لي الأخ عبدالله يحيى بدرالدين من شيوخ جبل عيال يزيد وراءه/ بكيل ( محافظة عمران ) قصة مرافقته لعمه الشيخ محمد عبدالله بدرالدين الذي كان – مع آخرين – واسطة بين الرئيس علي عبدالله صالح و من ورائه والسيد حسين بن بدرالدين الحوثي و أصحابه قبيل مقتله .
أبقيت الرواية كما سردها الراوي و هو رجل مثقف ذو وعي سياسي ولكم تأسف أنه لم يكن يومئذ قد أحاط بـ”القضية” من أبعادها كلها .
قال الراوي :
(( .. في مدينة صعدة اجتمعت “لجنة الوساطة ” وهي لجنة تألفت من بعض الأحزاب السياسية وشيوخ القبايل وعلماء الدين وغيرهم ، وأذكر منهم : عبدالوهاب الآنسي، ومحمد قحطان ( من حزب الإصلاح )، وثوابه ( من الحزب الاشتراكي ) ومحمد عبدالله بدرالدين ( شيخ – جبل عيال يزيد / عمران )، والشيخ ناجي عبدالله دارس ( شيخ ، برط )، وعلي شايف جارالله ، والخاوي ( محافظ سابقاً ) ، والشيخ محمد غالب ثوابه، وحمود عباد ( وزير ) والجفري ( وزير العدل ) والقاضي الهتار ( حقوق الإنسان )، والقاضي أحمد بن محمد الشامي والعلامة محمد بن محمد المنصور وعبدالكريم جدبان وعبدالله حمود العزي ..
وقد رأت اللجنة أن توفد وفدا للقاء السيد حسين بن بدرالدين الحوثي ، وهم : الشيخ محمد عبدالله بدرالدين، والسيد يحيى بدرالدين الحوثي، والشيخ صالح الوجمان ، والشيخ أحمد ناصر البعران، والشيخ ثوابه، والشيخ ناجي عبدالله دارس ، وعلي شايف جارالله ، والخاوي .
كان أعضاء “لجنة الوساطة” ومرافقوهم قد نزلوا في فنادق مدينة صعدة ، وكان مدير أمن صعدة محمد صالح طريق يتردد على هذه الفنادق و كانت فيه رعونة في مخاطبة الآخرين وفي صباح يوم توجهنا للمطار سمعنا في بهو الفندق هرجا وأصواتا ترتفع وتختلط وخرطا للأسلحة ،، كان أحد مرافقي طريق قد رأى شعار “الحوثيين” على سلاح أحد مرافقي السيد يحيى بن بدرالدين الحوثي، فأراد انتزاعه بالقوة، فصده صاحب الشعار وكادت تحدث فتنة قبل أن نتحرك .
توجهنا إلى المطار و قد تقرر أن يرافق كل عضو مرافق واحد، ركبنا طائرة مروحية أما المرافقون الآخرون فقد ركبوا طائرة مروحية أخرى ، وآخرون استقلوا سيارات إلى حيدان حيث وجهتنا، في المطار لقينا محمد القاسمي ( كان نائب رئيس هيئة الأركان ) و جاء معنا، كان يلعلك اللبان طوال الرحلة ، و قد احتفى الطيارون بعلي جارالله قالوا إنه أول طيار يمني ؟!
هبطت الطائرة في قاع فسيح قيل لنا إنه مركز مديرية حيدان ، كان الوقت ظهراً .. سرنا إلى بيت قريب من مربض الطائرة حيث قيل لنا إن الغداء قد أعد فيه، فتغدينا و جلسنا نخزن ( نمضغ القات ) بانتظار بقية المرافقين الذين سيلحقوننا بالسيارات، و في هذا البيت كان يسبقنا ضباط منهم حميد القشيبي و لم يطل المكوث فقد تغدى ومضى . .
قبل المغرب وصل بقية المرافقين فانتقلنا ( الوفد و مرافقوهم ) إلى مدرسة وفقاً لطلب الوفد الذين لم يرغبوا في النزول في بيت أحد ، و في المدرسة صلينا المغرب و تعشينا واجتمع الوفد لتدابر الأمر و النظر فيما يفعلون فتداولوا أمر الذهاب إلى مران، لكن كانت الحرب مشتعلة و أرادوا إعلام السيد حسين بقدومهم واسطة فكتب الرسالة الشيخ صالح الوجمان و أرسلها مع رجل و انتظرنا طيلة الليل ولم يأتنا الرسول بالجواب فرأى الوفد أن نبيت في المدرسة .
في اليوم الثاني كنا في المدرسة ننتظر الرسول و لم يظهر ثم حان وقت الغداء فتغدينا في المدرسة و خزنا و صلينا المغرب و العشاء و تعشينا و نحن ننتظر الرسول الذي لم يأت إلا حوالي الساعة العاشرة ليلاً و كانت الحرب لا تزال مشتعلة، وعند وصول الرسول نهضنا، فبادر الوجمان يسأله إن كان أحد قد اعترضه عند قدومه فأجاب الرسول : « نعم .. العسكر .. أصعدوني معهم على سيارة ليوصلوني إليكم لكنهم ذهبوا بي إلى مبنى المواصلات”، فسأله الوجمان : هل قرأوا الرسالة ؟ فقال الرسول : نعم، قال الوجمان : «خلاص .. وصلت الرسالة إلى صنعاء قبل أن تصلنا» ( يعنى أنهم صوروها و أرسلوها ) .
أظهر الرسول الرسالة فقرأها الوجمان و فيها وافق السيد حسين بن بدرالدين على الواسطة و حدد فيها ثلاثة اشخاص لا غير للوصول إليه ( دون تحديد أسمائهم )، تساءل أحد أعضاء الوفد إن كان الخط المكتوب به الرسالة خط السيد حسين أم لا ؟ فأكد الوجمان لعمي محمد بدرالدين أن الخط خط السيد حسين وهو يعرفه فاتفقت الواسطة على التحرك عند الصباح .
في الصباح تناولنا الصبوح وركبنا السيارات فسارت بنا جميعا ( الوفد ومرافقوهم ) باتجاه القبلة تقريباً ، صعدنا الجبل حتى رأسه فرأينا فيه مواقع عسكرية ورأينا دبابتين أو ثلاثاً ثم انحدرنا في الجبل إلى أسفله ( وهو جبل أبيض قليل الزرع و كلما نزلنا تغيرت التضاريس في لونها ) ثم صعدنا جبلاً آخر وفي خلال هذه المسافة كنا نرى ثكنات عسكرية و كنا نسمع إطلاق نار خفيف .
عند صعودنا الجبل الثاني – في بدايته – وصلنا إلى قرية صغيرة تسمى ( الرَّجَو )، وبقرب القرية كان آخر موقع عسكري للجيش و في هذا الموقع بادر ثلاثة أعضاء من وفد الواسطة يسألون الجنود عن “عملياتهم” وهؤلاء الأعضاء هم : جارالله والخاوي ودارس، فدخلوا أولا ثم نحن إلى ثكنات فوجدنا في إحداها أجهزة اتصالات.
ولأن ذلك الموقع كان آخر موقع للعسكر فقد كان رأي عمي محمد والوجمان أن يرفعوا ( وفد الواسطة ) راية بيضاء، فكان رأي ثلاثة منهم ( جارالله و الخاوي ودارس ) أن الرسالة نصت على ثلاثة و حسب، فرد عمي محمد أن لو كان المطلوب ثلاثة لاكتفينا بالسيد يحيى بن بدرالدين و مرافقيه و هم خمسة .. بقينا ساعة هنا ، وفهمت أن هؤلاء الثلاثة يحاولون إقناع عمي محمد بالبقاء وإن بقي فلا معنى للواسطة لأن بقية الوفد محسوبون على السيد حسين، فخاطبهم عمي محمد : “ما جيناش نتفقد المواقع العسكرية و نرجع، إحنا جينا لغرض الوساطة ” و قال : لن نجبر أحداً على المجيء معنا من أراد الرجوع فليرجع” !.
اجتمعت الواسطة بضابط برتبة عقيد قيل إنه قايد اللواء، طلب بعض الواسطة : عمي محمد و الوجمان والبعران من الضابط إيقاف الحرب للبدء بالواسطة فقبل الضابط .
خرجنا من الثكنة وعند تحركنا كان بيد أحد الجنود آلة تصوير ( كاميرا ) فصورنا فانتقدت التصوير وقلت : كأنهم يريدون أن يودعونا !!
سرنا على أقدامنا خطوات قليلة فلم نسمع إلا طلقات عدة من رشاش٧/١٢ كان منصوبا على سيارة فيها ضابط فاستنكرنا فعله، فقال الضابط : « من رامانا با نراميه « !!
واصلنا السير على أقدامنا صاعدين و لم نجد طريقاً لسيارات في مكان وعر على جانبه هاوية، مشينا لمدة ساعة أو ساعة و نصف حتى رأينا قدامنا مكاناً يقال له : ( الجَميمة ) .. كانت المواقع العسكرية خلفنا فلم نشعر إلا بوابل من رصاص كثيف عشوائي من تلك المواقع حتى لقد كنا نرى الرصاص يقع من حولنا .. من أمامنا أيضا كنا نسمع بعض الطلقات لكن ليست كثيرة ، كما سمعنا أصوات طلقات كبيرة، كنا ما زلنا نرفع الراية البيضاء فوقفنا خشية أن يصيبنا شيء، فقال السيد يحيى بن بدرالدين الحوثي إن الدولة بهذا الضرب لم يحترموا وقف إطلاق النار، فمعنى هذا أنهم لا يريدوننا أن نصل إلى الطرف الآخر ( السيد حسين ) .. كان يبدو أثر التعب على السيد يحيى .. من أثر مرض ربما !! ، فرفض عمي محمد أن نرجع وواصلنا السير فخف إطلاق الرصاص ( ربما لأن العسكر رأوا إصرارنا على السير ) .
سرنا صعوداً فرأينا بيتاً من ثلاث طبقات ووراءه إلى جهة الشمال خزان ماء وحين قربنا من البيت سمعنا أصواتاً تنادينا وعند قربنا وجدنا جنوداً كانوا يضعون على رؤوسهم صمايط .. كانوا محاصرين، لم نطل الحديث معهم، أشرنا لهم بالبقاء حيث هم و واصلنا السير .
واصلنا صعودنا فرأينا طريقاً للسيارات فمضينا فيه لكن نهاية هذا الطريق مقطوعة بفعل فاعل ( ربما من الأهالي ) ومن العسير أن تشق طريق أخرى غيرها لأن أصحاب السيد فوق المكان .
سرنا و من أيماننا جاءنا صوت يقول لنا : مكانكم ! ، فظهر علينا و سار نحونا خطوات و أبرز اثنان أو ثلاثة معه رؤوسهم، قال: “كان الاتفاق على ثلاثة “، ثم عرف هذا الشخص السيد يحيى فحياه، قال السيد يحيى له ألا يهتم بالعدد.
سرنا خطوات فلقينا مقتولاً ممدداً على قفاه ويداه متصلبتان كأنه يقبض بهما على سلاحه !! ، فطلب منا أحد المتحصنين فوقنا أن ننزع جثة هذا القتيل معنا، كان القتيل بغير سلاحه لكن جعبته كانت لا تزال عليه حول بطنه وكان أثر الدم نازلاً من نحره ربما بسبب شظية أصابته وهو في الأعلى فتدحرج إلى حيث لقيناه.
كان قصيراً لكنه كان ثقيلاً وكنا أربعة فأثقلنا حمله فاتفقنا أن يحمله واحد منا على ظهره .. كنا نحافاً سوى أحد أصحاب الشيخ البعران الذي خلع معطفه ( كوته ) وحمله فوق ظهره ومعه مساند، سرنا حوالي 500 متر في طريق سيارة ثم التقتنا سيارة شاص قديمة فركبنا : عمي محمد و معه ثلاثة ، وثوابه و معه واحد ، والسيد يحيى معه اثنان أو ثلاثة منهم شايب اسمه الحاج يحيى، والوجمان معه اثنان، والبعران معه اثنان، أحدهما اسمه عبدالله الذي حمل الجثة ( أما دارس وجارالله والخاوي فقد تخلفوا )، ولاحظت أن أصحاب الوجمان والسيد يحيى والبعران احترمونا فجعلوا عمي محمد في قمرة القيادة و نحن في صندوق السيارة وهم معنا و البعض سار سيراً لقرب المسافة.. فلم يطل بنا الركوب على السيارة حوالي كم واحد .
لفت انتباهي أن أعلام الجمهورية و أعلام المؤتمر كانت ما زالت مرفوعة وهي جديدة فقلت : “هم ذولا مجمهرين” ؟!فضحكوا !!
على سفح الجبل دخلنا قرية بها حوانيت للتجارة. ، أظن كان اسمها : ( المَجَازين )، وحين يكون الجو صافياً فإنك – منها – ترى حرض ( في سهل تهامة ).
كان الوقت بعد الظهر، أدخلنا مدرسة طيقانها غربية و في منخفض عن المدرسة أرونا بيتاً كبيراً حجره أبيض قالوا إنه بيت السيد حسين .. بقينا نحن المرافقين في المدرسة في فصل غربي بينما قصد بيت السيد الوفد ( أو من بقي منهم : عمي محمد و السيد يحيى بدرالدين و ثوابه و البعران و الوجمان ) .
ترك السيد يحيى عندنا مرافقه الشايب الحاج يحيى .. كان لقناً، فاهماً ، كان الوقت قريب العصر و كنا جوعى، فجاءنا الغداء .. ذبيحة.. فتغدينا مرقاً و خبزاً مكوراً حتى شبعنا و طلبنا قاتاً، كانت أشجار القات أسفل المدرسة، فقال الحاج يحيى : القات موجود لكن من يقطفه ! ، وكان إطلاق الرصاص من جهة الدولة ما زال مستمراً ، فقلنا له : تدبر الأمر معنا فلوس، تناول الفلوس لا على أنها قيمة القات بل أجرة من سيقطفه، ثم جاؤونا بقات ممتاز !
كان الحاج يحيى نقطة الوصل بيننا و بين الوفد ، يجلس معنا قليلاً ومعهم قليلاً.
أمسينا تلك الليلة هناك نحن في المدرسة و الوفد في البيت، وبعد العشاء زاد إطلاق النار من قبل الجيش حتى كانت القرية تضيء وأظن الرد كان قائماً مع فرق في السلاح بين الدبابة و المدفع من جهة وسلاح أصحاب السيد من جهة .
بعد هدوء إطلاق النار خرجنا من المدرسة لصلاة الفجر في مسجد ثم رجعنا إلى المدرسة و كنا قلقين على الوفد بعد البارحة فطمأننا الحاج يحيى .. عند الشروق خرجنا لرؤية البيت حيث الوفد (المشايخ) بعد تلك الليلة .
لم يلتق الوفد بالسيد حسين إلا في اليوم الثاني قبيل الظهر ، سلّم عليهم السيد ورحّب بهم و أمر لهم بالغداء على أن يجلس معهم بعد الغداء . . بعد العصر جاء السيد حسين وجلس مع الوفد وخزن معهم ( لم نكن نرى السيد، بل هذا ما أخبرنا به عمي محمد )، ( كان السيد حسين يلبس لبساً قبل الظهر وبعد العصر لبس لبساً ثانياً ) .
دامت الجلسة إلى وقت المغرب أو بعده بقليل، كان عمي محمد قد طرح على السيد حسين ثلاثة أمور وللسيد الحرية في أن يختار أحدها :
الأول : إما أن تبحث لك عن طريق إلى السعودية و هذا أمر نعلم أنك لا تفكر فيه.
الثاني : أن تبحث عن مخرج من هذا المكان إلى الرئيس علي عبدالله صالح في صنعاء دون الحاجة إلى واسطة ودون أن تقع في قبضة الجيش .
الثالث : إن الواسطة وهم من جميع الفئات : حزبيون ومشايخ وعلماء وسادة ومعارضة يأتون إليك فتسلم نفسك لهم ( في وجيههم ) بموقف مشرف أمام الرأي العام دون نقص في حقك .
قبل السيد هذا الرأي الأخير بدليل أنهم تحدثوا في تفاصيله وأن يحدد لهم السيد مكاناً في جبل الحكمي ( الذي تقع القرية فيه ) لتهبط الطائرة التي ستقل كل أعضاء “لجنة الوساطة” و قد التزم السيد أن يؤمن لهم مكان الهبوط .
عند مغادرة الوفد طلب السيد منهم ألا يسيروا في الليل حفاظاً على سلامتهم .
في تلك الليلة- أي الليلة الثانية جاءنا بعد العشاء شاب نحيف على كتفه سلاح ( نوعه إف إن ليبي ) محتزماً بالرصاص استقام بباب الفصل الذي كنا فيه وسلم علينا من بعيد وحيّانا ورحّب بنا وطلب منا أن نحملهم على السلامة بسبب الظروف ومضى ، أخبرنا الحاج يحيى أن هذا الشاب هو السيد عبدالملك أخو السيد حسين .
في تلك الليلة كان إطلاق الرصاص أسوأ من سابقتها.. ليلة حامية الوطيس -كما يقال -لا سيما بعد منتصف الليل حتى أننا لم نتمكن من الصلاة في المسجد، فصلينا في المدرسة .
اشتد إطلاق الرصاص و قبل الفجر طلب منا أصحاب السيد القنابل لحاجتهم إليها (شراءً )، كنا غاضبين من الدولة التي لم تحترمنا ، قلت لهم إننا لن نسلمهم سلاحنا بل سنقاتل معهم.. قلقنا على الوفد، فجاء الحاج يحيى وأخبرنا أنهم قادمون وفعلاً جاؤوا ! فرحت لرؤية عمي وهو كذلك لأن كلاً منا ظن أن إطلاق الرصاص كان نحو الآخر .
في الصباح غادرنا القرية كلنا سوى اثنين من أصحاب السيد يحيى أحدهما اسمه فلان الشامي ؟ كان يضع نظارة على عينيه، كان طالبا جامعيا من أهل البلاد و كان الجيش قد قصف بيتهم و استشهد أحد أقاربه تقريباً.
في طريق عودتنا خرج أولئك الجنود الذين كنا قد لقيناهم محاصرين حين حاذيناهم فساروا معنا ، كانوا أربعة أو خمسة سألناهم عن أحوالهم فقالوا لنا : لو أراد أصحاب السيد قتلنا لفعلوا !!
حين رجعنا إلى أولئك الثلاثة الذين تخلفوا من الوفد ( دارس و جارالله و الخاوي ) وجدناهم يستعجلوننا لإخبارهم برد السيد ( أظنهم أرادوا إبلاغ من في صنعاء سريعاً) فماطلهم عمي محمد و أجابهم أنه و من معه متعبون و أن الخبر سيكون في حيدان ..
عادوا يلحّون في السؤال حتى و نحن في السيارات في حيدان متجهين إلى مربض الطائرة، لكن أحدا من الوفد لم يلتفت إليهم ، لعل هؤلاء الذين التقوا السيد حسين كانوا قد اتفقوا على ألا يخبروا أحداً برد السيد حتى يلتقوا بالناس جميعاً في مدينة صعدة .
صعدنا طائرة غير تلك التي حملتنا أولاً، قرأت أسماء من عليها وكان فيها رئيس هيئة الأركان القاسمي و كان فيها جنديان جريحان أحدهما كان جرحه في رجله فسألني أن أدله على السيد يحيى أخي السيد حسين فقلت : لا أعرفه !، فسأل رجلاً آخر فدلّه، كان السيد يحيى يجلس بجانب عمي محمد، قام الجندي الجريح يعرج على قدم واحدة حتى دنا من السيد يحيى فسلم عليه وقبله في رأسه ورجع إلى مكانه دون أن يقول كلمة .!
وصلنا مطار صعدة قرب العصر، كانت به حراسة مشددة، ومنه أقلّتنا ست سيارات ( نوع صالون ) إلى الفندق .
لقينا بقية “لجنة الوساطة” الذين كانوا ينتظروننا في صعدة وقد استقبلونا استقبالاً حافلاً، هذه المرة رأينا وجوهاً لم تكن معنا عندما كنا قد توجهنا من صنعاء إلى صعدة.. ( ظهر لنا فيما بعد أن شائعة سرت في بلادنا أننا قد قتلنا بسبب الحرب الدائرة و أن أصحاب السيد لم يلتزموا بوقف الحرب !!!).
طلبتنا منا “اللجنة ” خبراً قبل الصلاة و الغداء فاعتذرنا حتى نصلي ونتغدى ثم بعد أن تغدينا و صلينا خزنا و في الرابعة عصراً اجتمعت اللجنة وكان يرأسها عبدالوهاب الآنسي .
كان الحاضرون منصتين غير القاضي حمود الهتار فإنه منذ وصولنا كان يتنقل هنا وهناك وبيده قلم وورقة و ينفرد بهذا وذاك حتى لقد امتعض منه أكثر الحاضرين .
تحدث عمي محمد بدرالدين وصالح الوجمان بما كان بينهم والسيد حسين . . .
لم يخبر عمي محمد “لجنة الوساطة ” إلا بالرأي الأخير الذي تم الاتفاق عليه بينه وبين السيد ( أي تسليم السيد نفسه للواسطة ).
وهنا كان القاضي الهتار يكثر من الأسئلة و فهمت كأنه كان يحاول أن يشكك في نية السيد، فقد سأل عمي مرة قائلاً : ” أيش لاحظت .. هل هو منه صدق ( يعني السيد ) ؟”
فأجابه عمي مستاءً : « هل أنا داري ما في قلبه ؟! هذا ما اتفقنا عليه ».
لحظت أن أغلب أفراد ” اللجنة” كانت مشاركتهم اسمية .. لم يتحركوا، بل مجرد سماعين، لم تجرؤ “اللجنة ” على إكمال مهمتها في التوسط بين علي عبدالله صالح و السيد وأصحابه، ( أظن أن قلة منهم قد بقيت كالعلامة محمد المنصور ولم تحقق شيئا) .
في اليوم الثاني قابلت اللجنة علي عبدالله صالح في صنعاء، كانوا مخزنين كأنهم كانوا ينتظرون عمي محمد ليكون خبر الواسطة منه، كان عمي قد جاء متأخرا وحين دخل طلب منه الرئيس أن يدنو ليجلس إلى جنبه، فدنا منه عمي قائلاً: « أيوه .. أقل شي نخزن جنبك ، أما هولا، فهذا وزير ، وهذا عضو مجلس نواب، وهذا عضو شورى هذا وزير و هذا عضو مجلس نواب ! ” .
في صعدة عند وصولنا قال محمد صالح طريق ( مدير أمن صعدة حينها ) و نحن في بهو الفندق، حين استخبره أحدهم عن الوضع فقال و قد أمسك برأس جنبية أحد الذين كانوا بجانبه : “قد إحنا كملنا .. قد إحنا هانا” و أمسك برأس الجنبية ( أي أنهم قد أكملوا تطويق مكان السيد و أصحابه ) .. كان وصفه صحيحاً .. ! )) .

قد يعجبك ايضا