(مهسا أميني) فتاة إيرانية ارتكبت ذات يوم مخالفة ما أو هكذا حدث، أخذتها الشرطة إلى القسم وقبل أن يبدأ التحقيق معها سقطت الفتاة مغميا عليها، حدث هذا بحضور أسرتها وأقاربها فتم نقلها للمستشفى وهناك لفظت أنفاسها الأخيرة..
بطريقة درامية ملفتة تفجرت غيرة (ماما أمريكا) وأعلنت الاستنفار ورفعت لواء الثأر (لمهسا أميني)، معلنة الويل والثبور وعظائم الأمور مطالبة بمحاكمة النظام في إيران بل وإسقاطه وتقسيم الجغرافية الإيرانية إلى دويلات.. وكل هذا من أجل الثأر والاقتصاص لوفاة (مهسا)..؟!
بعد أمريكا هرولت أوروبا بكل دولها وبريطانيا ومقاطعاتها واليابان بجزرها وكوريا وخلفهم شلة من (العربان) السائرين في فلك أمريكا وبرعايتها وحمايتها يعيشون.. وهكذا تحولت (مهسا) إلى أسطورة في وسائل الإعلام الغربية _الأمريكية، فاتخذوا من وفاتها ذريعة لإشعال الفوضى في كل أرجاء إيران..
ما حدث مع (مهسا) لم يحدث مع (شيرين أبو عاقلة) التي قتلها جيش الاحتلال الصهيوني بدم بارد ومع سبق الإصرار والتعمد، ولم يحدث مع مئات من أطفال وشيوخ ونساء فلسطين الذين يقتلون بصورة يومية على يد الجيش الصهيوني ومستوطنيه؟
الشعب العربي الفلسطيني الذي ارتكبت بحقه أبشع المجازر من قبل قوى الاستعمار البريطاني أولا ثم الصهيوني ثانيا وبرعاية أمريكية _غربية..
غيرة واشنطن وحنانها على (مهسا) الإيرانية التي ادعو لها بالرحمة والمغفرة ولا انتقص منها أو اسخر من وفاتها، لكني اسخر من غيرة أمريكا والغرب وبعض العربان الذين تفجر طوفان مشاعرهم وإنسانيتهم على (مهسا) وشنوا حملات إعلامية وسياسية ضد (طهران) بل وأشعلوا ثورة ضد النظام الإيراني انتقاما (لمهسا)، وحين فشل مخططهم الشيطاني أقدموا على اتخاذ إجراءات عقابية بحق أجهزة الشرطة الإيرانية ومسؤليها وقادتها بصورة فردية وجماعية وفرضوا عليهم عقوبات مغلظة..!
إجراءات لم تتخذ يوما بحق الصهاينة الذين ارتكبوا من الجرائم بحق الإنسانية، جرائم إذا ما وضعناها أمام غيرة أمريكا والغرب ومن لف لفهم على (مهسا) فإنها كافية أن تدفع أمريكا وحلفاءها لإزالة الكيان الصهيوني من الوجود..؟!
أمريكا التي خلال العام الماضي 2022م قتلت شرطتها أكثر من 1300مواطن أمريكي ولكنهم للأسف من (المواطنين السود) من ذوي الأصول الأفريقية..!
(بريطانيا) التي نزل لشوارعها ذات يوم متظاهرون ضد (WallStreet) انزل رئيس الوزراء 35 الف جندي لمواجهتهم وحين سألته مراسلة قناة الـ BBCعن حق المتظاهرين في التعبير عن آرائهم، وعن القيم الديمقراطية.. رد عليها باقتضاب قائلا ( حين يتعلق الأمر بالأمن القومي البريطاني لا تسأليني عن الديمقراطية)..؟!
إذاً كم قتل عدوان التحالف من الشعب اليمني طيلة السنوات الماضية وفيهم نساء وأطفال وشيوخ وهم النسبة الغالبة من الضحايا؟ كم قتلت أمريكا وحلفاؤها من أبناء سورية والعراق وليبيا والصومال والسودان وقبلهم في يوغسلافيا وأفغانستان ؟!
ودعونا من كل هؤلاء، كم طفل وامرأة عربية في فلسطين؟ وكم شيخاً تم قتله بدم بارد من قبل الصهاينة؟ وكم منزلاً تم تهديمه بعد طرد سكانه من النساء والأطفال والعجزة؟ ومع ذلك لم نسمع حتى مجرد إدانة خجولة من (ماما أمريكا) ومن دول النفاق والانحطاط الغربي والعربي..! مع أن أمريكا تزعم أنها راعية السلام وأبرمت عدة اتفاقيات لم يطبق منها بند من اتفاقية، أمريكا التي وقفت ضد تنفيذ (745) قرارا صدرت من الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول الصراع العربي الصهيوني لم ينفذ أي منها من قبل الصهاينة بفعل الرعاية الأمريكية..!
قبل أيام فقط دخلت العصابات الصهيونية إلى مخيم جنين وقتلت وشردت وهدمت بيوتاً لم نسمع إدانة أحد ولم يفجر احد غيرته وإنسانيته لينتقد هذه الجريمة وآلاف الجرائم السابقة لها التي ارتكبها الصهاينة.. لكن الإدانات تقاطرت من كل حدب وصوب حين عبر شاب عربي فلسطيني عن قهره وقام بقتل بضعة علوج صهاينة فقامت الدنيا ولم تقعد والى فلسطين هرول وزراء أمريكا والهاتف لم يتوقف في مكتب ومنزل رئيس وزراء العلوج الصهاينة وسفراء بعض المحميات الخليجية هرولوا قبل الجميع لتقديم واجب العزاء وربما هتفوا مع الإرهابي الصهيوني بن غفير (الموت للعرب)..؟!
ما أود قوله هو: لماذا هذه الازدواجية والنفاق والانحطاط في التعامل مع الأحداث والظواهر؟ وكيف لي ولكل مراقب أن يحترم أصحاب هذه المواقف المزدوجة والمنافقة؟!
إيران دولة ولا يحق لها بقانون أمريكا أن تحمي أمنها وتتصدى لمن يستهدف زعزعة أمنها ويقوض سيادتها؟ وإن فعلت فهي دولة مارقة ونظامها ديكتاتوري وبالتالي لابد من عقابها؟! لكن يحق للشرطة الأمريكية أن تقتل 1300مواطن بدوافع عنصرية وهم مواطنون أمريكيون أبرياء لم يرتكبوا جريمة، ولم يخونوا بلادهم، ولم يعملوا لصالح دول وأجهزة معادية.. ولكنهم قتلوا بدم بارد ولا مشكلة تذكر..؟!
وفي فلسطين شعب تحت الاحتلال وليس من حقه أن يقاوم المحتل بل يدع المحتل والمستوطن يقتله ويهتك عرضه ويستبيح أرضه ويهدم منازله ويدنس مقدساته وعليه أن يقبل بكل هذه الممارسات بحقه حتى يقال عنه أنه مسالم ومتحضر وينتمي للإنسانية الحقيرة التي تتزعمها أمريكا، لكن إن رفض العربي الفلسطيني هذا السلوك وقاوم المحتلين فهو إرهابي وعدو للإنسانية ؟
ذات يوم موغل قال الشاعر العربي.. أديب إسحاق- مختزلا عالم النفاق والانحطاط وقيمه- ( قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر … وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر)
وهذا ما نحن فيه اليوم ونعيش تداعياته، شعوب بأكملها تسحق وتمزق وتشرد وتقتل ولا أحد يحرك ساكنا، فيما شخص ما قد يتعرض لحادثة ما يتحرك العالم لأجله ظاهريا وحسب لكن للتحرك دوافع وأهداف أقذر واحقر من أصحابها..؟!
كان يمكن أن نحترم أمريكا والغرب ونثق بمواقفهم وما يصدر عنهم لو تعاملوا مع مقتل (شيرين أبو عاقلة) وهي المسيحية التي تحمل الجنسية الأمريكية والإعلامية الأشهر في العالم وتعمل في وسيلة إعلامية أكثر شهرة، كما تعاملوا مع وفاة (مهسا أميني)، لكنهم لم يفعلوا هذا لأنهم ينتمون لعالم الانحطاط والعبودية، إنهم عبيد لنزواتهم ولرغباتهم الاستعمارية ومصالحهم وعبيد للشركات العابرة للقارات ولمجمع الصناعات العسكرية، والعبيد لا يمكنهم أن يعطوا دروسا في الحرية ..لذا هم لا يحترمون الآخر إلا قويا قادرا على منازلتهم وتركيعهم فإذا لديهم مصالح عنده لن يترددوا في لعق احذيته وان لم، سيكتفون بـ(شيطنته) عبر خطابهم كما هو حالهم مع (كوريا الشمالية، والصين، وروسيا، والمقاومة اللبنانية، والمقاومة الفلسطينية، وصولا لأنصار الله في صنعاء)، وكل من يقف في وجه مخططاتهم بثبات وإرادة وعزيمة، تجدهم يشتموه ظاهريا فيما في السر يخطبون وده ويحاولون التقرب منه بكل الحيل والوسائل والغبي من يثق بهم.. نعم الغبي من يثق بأمريكا والغرب الذين لا يترددون بالتخلي عن أكثر حلفائهم تبعية وارتهاناً عند الضرورة، حدث هذا مع (شاه إيران، والسادات “ورئيس الفلبين ماركوس، والرئيس الإندونيسي، وفيصل بن عبد العزيز، وعمر البشير، وضياء الحق، ) والكثير من الزعماء الذين كانو يلعقون( أحذية) أمريكا والغرب ما لبثت أمريكا والغرب أن تخلت عنهم وتركتهم يواجهون مصائرهم، باستثناء الكيان الصهيوني الحليف الأول والأخير لأمريكا والغرب وليس لهم في كل هذا العالم حليفا غيره، لأنه الحارس الأمين لمخططاتهم الاستعمارية القذرة في المنطقة، لذا لم يخطء من قال إن أمريكا هي العدو وهي المحتل لفلسطين وهي من تقف وراء كل الجرائم التي ترتكب بحق شعوب ودول المنطقة، امريكا التي لم تكن يوما زعيمة لغير العبيد.. أما الأحرار فلا يشرفهم الانتماء لها..!
أمريكا التي تمارس كل أشكال العنصرية والنفاق والانحطاط بحق مواطنيها، من أين لها أن تكون نصيرة للإنسانية وحقوقها؟ أمريكا التي أبادت السكان الأصليين، من أين لها أن تكون حريصة على مواطنيها من ذوي الأصول الأفريقية الذين مارست بحق أجدادهم أسوأ صنوف القهر والعنصرية ولا تزال حتى اليوم تمارس ذات العنصرية بحق أحفادهم.. إنها عنوان النفاق وعاصمة الانحطاط ودولة الشر المستطير..!