
لم أكد اخطو قليلا في شاطئ شوباتي حتى فقدت قدميا , حجبت عني مياه البحر رؤيتهما يسيران بحذر , مع ذلك يتعمق المئات من البشر وكأن سفنهم تنتظر في ساحل ليست الزرقة من سماته متجاهلين كل ما يعكر صلتهم ببحر العرب العميق ليس بفعل الجغرافيا ولكن بفعل التاريخ الذي ساده لحقب زمنية طويلة , لقد حال هذا البحر دون تحقيق آلاف الأحلام لبسطاء أرادوا الوصول إلى ما ورائه لما يفوقهم عددا قضوا نحبهم وهم يحاولون التغلب على رياحه العاتية بسفن بدائية , قبل عامين اكتشفت حطام سفينة ملقاة في ظلماته منذ ما يزيد عن ألف وخمسمائة سنة لم تكمل الرحلة , قبلها وبعدها شهدت مياهه النهاية لأسفار عديدة كانت تحمل التوابل والحرير لإيصالها إلى اليمن ومنها الى مصر وبلاد الشام , لكن أيضا هو ذاته اليم الذي أوصل عشرات الآلاف من الطامحين الى مبتغاهم ,مكن البرتغاليين وأعقبهم بالانجليز من نيل مرادهم في السيطرة على ممر تاريخي عنيد وعلى قارة مكتملة الأركان ربما كل هذا يفسر قيام بعض من رأيت وهم يغترفون بأكفهم من الماء المالح ليشربوا بعض قطراته علهم يتذوقون شياء من اساطيره الحية.
قالت رسالة موجهة من حاكم مومباي في 1856م الى الحكومة البريطانية انه لا يكتمل الإمساك بزمام هذا البحر ما لم تكن الضفة الأخرى تحت السيطرة أيضا وهو ما دفع بالكابتن هنس في العام 1839م الى تنفيذ أوامر غزو عدن وشراء ولاءات ما حولها من سلطنات .
بعد ان استقر القائد البريطاني في الشق الآخر من البحر اخذ الناس يتدفقون الى الضفة الأخرى , شاب هندي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره لا يمتلك غير حلم ومجموعة من خيوط النسيج الهندي طرحته رحلته الأولى في عدن التى اكتفى ببلوغها دون العالم مارس التجارة فيها مد اليمنيين بما يعشقون من الألبسة التى تعني لهم الكثير ومدوا له ما يحفظون من الصكوك المعدنية واطال البقاء بينهم مصطحبا اسرته الصغيرة لسنوات مع اخرين تولوا تسيير امور التجارة بين الضفتين لكن امباني كان الأقل شهرة بينهم والأوسع افقا امامهم .
حين عاد الى موطنه الأصلي الهند كان قد رزق مولوده موكيش امباني هذا الطفل هو الان اغنى رجل اعمال في الهند كلها ورابع اثرياء العالم تتجاوز ثروته 22 مليار دولار, يطل بمنزله الفخم المكون من ستة وعشرين طابقا على البحر الذي حقق له الخطوة الأولى في سلم المجد الذي يجتهد لإبرازه والتباهي بثروته الطائلة , على سطح منزله مطار يستوعب ثلاث طائرات هيلوكوبتر , أهدى زوجته في عيد زواجهما العاشر طائرة نفاثة بـ62 مليون دولار خصص لزواره 165موقفا لسياراتهم حافظ منذ أعوام على لقب صاحب اغلى بيت في العالم وتتولى شركاته تصدير 15 % من إجمالي صادرات الهند الى الخارج , لقد كان كل ما يمكنني الوصول أليه تأمل مسكنه من مسافة معقولة وطرح سؤال تقليدي ماذا لو كان استمر في الضفة الأخرى من البحر ” عدن ” هل كانت ستبقي التقلبات السياسية والاقتصادية على آماله¿
تنتقد مقالات غربية عديدة ميولات امباني وتعاتب فيه المبالغة والتباهي بممتلكاته خاصة المنزل المطل أيضا على إحياء يسكنها من لا يمتلكون قوت يومهم .
يمكن رؤية التناقض في بر هذه المدينة تنتهي المباني الانيقة والاحياء المزدهرة الى احياء يصعب تصور وجودها بالجوار , لقد اتضح لي فور وصولنا الى شارع محمد علي رود عدم براءة من تطوعوا بنصحي بالتوجه الى هذا المكان المكتظ بالعابرين وبالزمن لكنه بالفعل واحد من الأماكن التي يفترض ان تختبر مزاج الإنسان وروحه .
يسحب رجل خمسيني عشرين كرتونا عبر أداة بسيطة عبارة عن خشبتين مثبتتين على عجلتين مصنوعتين من الحديد يحيطهما الربل القاسي تدور العجلات كلما تحرك الرجل نحو الأمام ممسكا بحبل يعينه على المهمة أنها الطريقة الوحيدة لنقل البضائع في شارع يصعب فيه حركة السيارات يسير كرتون آخر جوارك اسفل منه يقع رجل بالكاد يتحسس موضعا لقدمه التي يلامس نصفها الاسفلت , يسابقه حاملو العلب المعدنية الكبيرة المحتوية على أما وجبات طعام او الحليب هؤلاء يعملون ضمن شركة اعتادت على آلية التوزيع إلى الأسواق والمنازل للرسائل الفورية تم تصنيف هذه الشركة الأفضل بين شركات الارسال على المستوى العالمي من حيث قلة الاخطاء في العمل فيتم ترقيم كل إناء ووجهته , تعد الأسر وجبة الغداء وترسلها لأفرادها العاملين في أماكن متفرقة من السوق ولا سبيل غير هذا الطريق الذي تستخدم فيه أحياناٍ الدراجات الهوائية للوصول إلى المسافات إلا بعد .
مع كل هذا الغليان حيث توزع اشعة الشمس على رؤوس مغطاة بشعر كثيف وازدياد الحركة تجد الجميع على اكمل استعداد لترك ما بين ايديهم وارشادك الى مبتغاك وبروح راضية وابتسامة قل ان تجدها في اماكن اخرى تنعم بما يفقد هنا , فرغم ان من اوصلنا قد ادى مهمته واخذ أجره إلا انه ما زال قلقا يريد ان يطمئن أننا أصبحنا حيث نريد وكان محقا في ذلك فمحمد علي رود حيث يتقافز إليك الوجه العربي وتتداخل اللغات الثلاث الهندية والعربية والانجليزية ليس مكانا نافعا للبقاء انه ممر يربطك بماضي المدينة وببؤس الحاجة , سوق لشراء السلع الرخيصة ومشاهدة مباني التاريخ العائد الى منتصف القرن الثامن عشر يوم كانت هذه المدينة وتحديدا هذا الشارع مصنعا يصدر كل احتياجات تلك الحقبة , هاهي المباني تحكي القصة بجدرانها الفاقدة للألوان وسلالمها التي تحاول الوصول إلى الأعلى تسلقا ونوافذها التي لم تغلق منذ عشرين عاما وسمائها التي يكلفك النظر نحوها فقدان من كنت تتحدث إليه والبحث من جديد عن العنوان الذي عثرت عليه .
حين تنفد من هذا الممر التاريخي تشعر كما لو انك وضعت عنك حملا ثقيلا , وجدنا أنفسنا نقتحم شارعا آخر ذا تسمية قريبة من السابق مولانا شوكت لكنه اقل اكتضاضا وأكثر رحابة أو هكذا صور لنا عقب الإحساس بالنجاة .
تدريجيا تعلمك مومباي كأستاذ متمرس كيف تتصرف معها وكيف تفهم لغتها الفريدة والخاصة كيف تسمح لكلابها أن تمر إلى جوارك دون أن تجعل بينك وبينها حاجزا كيف لا توقظ قطا ينام على كرسي أنت في أمس الحاجة للجلوس عليه , تصدمك في المرة الأولى كما فعلت مع البرتغاليين الذين فقدوها مقابل إيجار سنوي لا يتعدى عشرة جنيهات تدفعها لهم شركة الهند الشرقية البريطانية شرط ان تكون من الذهب ثم تعيد لك الكرة ويكون حالك قد تحسن وصرت اقل تبرما واقل احتياجا للإرشادات التي تطوع بها صديق مقيم في مدينة اخرى وهو يودعني لا تضع أشياء في جيوبك الخلفية لا تفتح حقيبتك وتخرج منها المال أمام الأعين, راقبهم كما يراقبونك , افتح عقلك واغلق قلبك .
على جانبي الطريق تفاجئك مساكن عبارة عن اكواخ من الخشب تطل بأبوابها الى الشارع يغتسل أبناؤها الصغار أمامك يتقافزون بسعادة متناسين ان لوحا بندوب وفجوات واسعة تفصلهم عن السيارات الفارهة المسرعة التي اعتادوا أن لا يأبهوا بها إلا حين يحسون بالجوع فيطرقون بحياء نوافذها ويلمسون برؤوس أصابعهم الخمس افواههم محدقين بعيون خالصة البراءة نحو كرم ركابها وجودهم – تطوع السائق الهندي للايضاح وتفسير الدهشة في عيوننا ” مسكين مش حرامي ” قالها بالعربية قاصدا سكان هذه الصناديق الخشبية الموزعة بعشوائية على الارصفة .
يعرف السائق الودود ان القادمين الى مومباي يحملون معهم نصائح تحذيرية يقوم بمواجهتها وإعادة الثقة الى مدينته المتناقضة والحاضنة لما يفوق 14 مليون نسمة قادمين من اقاليم الهند السبعة المترامية الاطراف وللخلاص من سؤال حول الصور المعلقة في بعض الاماكن لمطلوبين أمنياٍ يتهرب السائق إلى القول بأنه لا يتحدث غير الاوردوا حتى لا يقول لنا ان هناك مطلوبا في المدينة ومازال طليقا , يجيد معظم الهنود اللطف ومعه الهرب من الاسئلة التى يعتقدون ان لا ضرورة من الخوض فيها ويقطع كلامهم السؤال العائد اليك هل تتحدث الهندية مع ارتداء ملامح الاستغراب الشديد .
شغوفون بالجدل .
في كل مكان تجد الهندي الشغوف بالجدل المتنقل بين مؤلفات عديدة لكتاب ينتمون الى شبه القارة الهندية فكل من تسأله عن عنوان او غيره يبذل جهداٍ لاقناعك وان كنت مقتنعا لكنه يريد ان يرسخ لديك الفكرة ويجعلك تتفاعل مع ايقاع حديثه ومع كلماته التى يفترض ان يراها تترك اثرها على ملامحك, يصعب تبين هذا المفهوم من الوهلة الاولى ومع سير الوقت ستكتشف انك واقع في دائرة الجدل الذي خلق روح الهند ووفاقها ستلحظ حجم ذلك الجدل في المكالمات الهاتفية التى لا تنتهي معظمهم اما يجري اتصالا او يبحث عن الرقم ليجري مكالمة لن تكون قصيرة , بينما كنت اريد معرفة ثمن سلعة تجارية اقترب مني احد الاصوات- هل انت عربي انا سعيدا جدا بلقائك كانت عباراته الفصحى تتوالى واجبرني على استخدامها ايضا , سار المشهد كما لو ان فيلما تاريخياٍ قد بدأ خاصة وان المباني المحيطة بنا قديمة حين سألته عن سر الجدل القائم لديهم قال ” نحن نتجادل ونقنع بعضنا بالكلام ليس لدينا غيره اما انتم فلديكم وسائل أخرى ” ألححت عليه بأن يوضح وسائلنا الاخرى قال انتم تتقاتلون ” متوقعا دفاعا مني لكني اكتفيت بالتحليق في الجهة الأخرى من الشارع – تعلم الشيخ عبدالله كما احب ان يعرف نفسه اللغة العربية لمدة احدى عشرة سنة في موطنه ودرس ايضا الحديث والفقه ويعمل في أحد المحلات الخاصة ببيع قطع غيار السيارات , فاجأني وهو يقدم لي هدية اشتراها خلال سيرنا معا حين رفضت رد علي مبتسما تهادوا تحاوبوا .
ليس لدى عبدالله أي اشكالية مع الاديان الاخرى الموزعة في اكثر بلد متعدد الاديان في العالم حيث تصل الى 1500 دين ومعتقد تؤخذ الافكار هناك ببساطة ويمكن لمن شاء متى اراد ان يعلن دينا جديدا شرط ان يدع للآخرين ما يؤمنون به , يعود السر الى القوانين والاعراف والفلسفات التى سنها مفكرو وملوك وامراء الهند لكل الاديان حتى المسلمين منهم , يبسط احد فلسفة الهند سوامي فيفيكانادا الامر بايراد مثل يسير ان كانت اصابعي الخمس حقيقة فهي برهان على حقيقة اصابعك الخمس ايضا , وهو يعني بذلك حسب تفسيره ان برهان دين ما يعتمد على برهان بقية الاديان , على مقربة من محل اقامتنا كانت صورة لأحد الرموز الدينية تتدلى من على غصن شجرة تم تثبيتها بمسمار صغير لايقوى على تحمل ريح متوسطة كي تسقط الصورة التى تمثل رمزا دينيا لكثيرين لا تحتاج لأكثر من خطأ بسيط يصدر عن شخص غير منتبه يمس تلك الصورة فتسقط على الأرض إلا أن هذا الخطأ لايمكن حدوثه – الجميع يقظين حفاظا على المشاعر الدينية للآخر ووجود رمز ديني يعني وجود انسان يعتقد به .
حاولت الخوض مع شخص اراه كل يوم في الحديث حول المعتقدات وعثرت على المدخل – لا اعتقد انه يوجد بلد آخر أكثر تعدداٍ من بلادكم اليس كذلك ¿
صمت قليلا ثم اجاب لدينا انواع لا تحصى من الارز الهندي متعدد الاشكال .
اعتقدت انه لم يفهم مقصدي فكررت المحاولة هل كل الاديان والثقافات مصدرها الهند ام ان بعضها قادم من الخارج ¿
مجددا أعادني الرجل إلى التحدث عن الأرز وانه لا توجد مادة أكثر رواجا منه جميعنا نأكل الأرز , كررها مرتين الأرز المزروع في بلادنا نحبه أكثر وكلما زاد عمره ومدة تخزينه ازدادت لذته , وحتى تصدقني لك أن تجرب – تيقنت أن كل حديث يسوق إلى التقليل من معتقدات الآخر لن يتم الخوض فيه فسرلي الصديق محمد عبدالحكيم وهو دارس يمني في بنجلور ما لم اقدر على فهمه ” هذا هو ما يجعل الهند بلد تعايش لا احد يقلل من معتقدات الآخر أو يقلل من شأن ما يؤمن به كل دين يحترم الأديان الأخرى الهندوسي يحترم المسلم وهو يقدر البوذي والمسيحي لا يتهكم على الياني وهكذا تدور المعادلة “.
يأخذك حديث الهندي من مواقع الجدل إلى قمم الاتفاق كلنا نأكل الأرز ربما كان يقصد انه مهما اختلفنا إلا أننا جميعا نحتاج إلى ذات المادة الغذائية التي تصنع التوافق فهي ما يفضله آكلو اللحوم من مسلمين ونباتيين من سيخ وهندوس ” الرئيس الهندي السابق عبدالكلام وهو مسلم أعلن امتناعه عن تناول اللحم تقديرا لفئات واسعة من شعبه ” – أن قدومي من جغرافيا لا يهدأ بالها الا حين يتفرد كل نسمة فيها في إدعا الحقيقة جعلني مهووسا بنقل واختبار جاهزية المختلفين هنا للصراع الذي يبدوا أنهم تعلموا تجاوزه وتركه لنا .
تتعايش الهند بطوائفها المتعددة وأديانها المتباينة ويفشل كل من يحاول شق صف أبنائها كل مرة فحين حاول الانجليز استخدام الدين لكبح المقاومة بزغ نجم المهاتما غاندي موحدا لكل الأديان حيث سار في رحلته لكسر حظر استخراج الملح نحو شاطئ داندي مصطحبا معه الآلف من معتنقي الأديان والعقائد المختلفة كان يطوي كل يوم ثلاثين كيلو متراٍ لبلوغ الهدف وعقودا لطي الصراع , ويوم قبض بيده السمراء على حفنة ملح متحديا تحذيرات قوات الاحتلال البريطاني التي تقضي بمنع كل هندي من استخراج الملح صرخت معه البلاد بكل فرقها ضد المستعمر الذي لم يكن مهتما بغير ان يظل الملح حكرا عليه يزيد من أسعاره ويحدد البلاد التي تستخرجه والتي لا يحق لها ذلك وكانت الهند ممن لا يحق لها استخراج ثروتها من الملح .
زادت تلك الرحلة من قوة اللاعنف ومن قوة الحق التي انتهجها المهاتما في مواجهة الاستعمار الذي ترك العديد من المباني والمشاريع التي أقامها ولم يتطرف الشعب المنتفظ ويقوم بتدميرها باعتبارها من صنع الاعداء كما فعلت شعوب أخرى تعشق كالأطفال طمس انجازاتها في ساعة غضب .
بوابة الهند :
تحجب زحمة الزوار هنا التاريخ المؤلم الذي أنشئت هذه التحفة المعمارية لتخليده بوابة الهند أقامها الإنجليز تقديرا لذكرى وفاة ما يقرب من 90000 جندي هم قوام الجيش البريطاني الهندي خلال الحرب العالمية الأولى وأيضا بمناسبة زيارة الملك جورج الخامس والملكة ماري وتعد الآن شاهدا على حقبة من تاريخ البلاد ومقصدا للسياحة يكثر عندها الهنود ويتأملون تفاصيلها ومنها يعبرون نحو البحر لتحملهم قوارب متوسطة في جولة سريعة يشاهدوا ابرز معالم المكان , الفندق الأشهر في البلاد المسمى تاج محل والذي تصدر قبل ما يفوق العشر سنوات عناوين الأخبار حين سيطرت مجموعة إرهابية عليه واحتجزت عدداٍ من الأجانب كرهائن وقد فقد عدد من الجنود أرواحهم أثناء محاولة تحرير الرهائن وتحيط أكاليل الزهور صورهم بالقرب من مسرح الحدث.
بالإضافة إلى اليقظة الأمنية المحيطة بالمكان الذي تغطية أسراب من البشر والحمام وهي تحلق بعلو منخفض في ذلك اليوم المشؤوم لم تغادر الحمام مواقعها بل ظلت تراقب موت السلام .
دفع ذلك الحادث الهند إلى تعمد الشك في بعض الوجوه وعرف جنودها أن عليهم مواجهة القتلة فمع صعود الصباح تفتش الكلاب البوليسية السيارات المتوقفة وتسير مع أصحابها بحثا عن رائحة غريبة قد تقتل إنساناٍ ويكثف الجنود من حضورهم للحؤول دون تطور أي خلاف خاصة تلك المصبوغة بالدين أو الطائفة – كما أن هذا لا يشعر الناس بالمخاوف كل الإجابات كانت تتلخص أن هؤلاء الحراس هم من اجلنا وهناك من كان يوضح أكثر من أجلك ومن اجلي .
يدعو هذا الحذر إلى اعتبار أن الأفكار والنظريات وحدها لا تكفي لتنظيم العلاقات بين المختلفين بل لابد من وجود القانون المحمي بهيبة الدولة وسلطاتها يكتفي الجندي بحمل عصا رفيع بيده في العادة يشبه ما يحمله المعلمون في مدارسنا لكن هذا العصا يكفي للمحافظة على سير الحياة والفصل في أي خلاف ينشب , حين تفقد الدولة حضورها وهيبتها تصبح أسلحتها الثقيلة عاجزة عن الذود عنها وعن مواطنيها .
يتسابق البشر ليس من ساعات الصباح الأولى بل من العاشرة قبلها تسمع حركتهم وأنشطتهم داخل منازلهم فحسب وتختلط صفارة ضاغطات الطعام بالنداءات الموجهة صوب شروق الشمس ممن يقدسونها وقرع أجراس تحضر معها تاريخ قديم للتدين في هذه البلاد – يستيقظ الهندي مبكرا ولا غرابة أن يفتتح يومه بمشاهدة أحد أفلامه المفضلة قبل أن يركض نحو الحصول على رزق يوم جديد في العاصمة الاقتصادية أو سواها من المدن التي خطت برنامجها الليلي الذي لا يشمل السهر المعروف في العواصم الأخرى فمومباي مدينة تنام مبكرا وتتيح لك التسكع ليلا بين شوارعها الخالية إلا منك ومن أضواء عالية وبعض النائمين على أرصفتها بصورة معتادة كما لو كانت احدى مظاهرها التي تعتاد عليها تدريجيا .
ما لم تره نهارا .
أجلس على أحد كراسي انتظار الاتوبيس في النهار يصعب أن يكون شاغرا كالآن يكون الجميع متأهباٍ واللحظة الحالية تمنحك رؤية ما لم تراه نهارا يقابلني منزل مرتفع تم بناؤه قبل مائة وخمسين عاما بدأت تحيطه الظلمة المتنقلة من نافذة إلى أخرى وكأنه غرفة واحدة , بقي في دورة الأخير ضوء خافت لدقائق ثم انطفئ هو أيضا , أصبحت البناية ذات الأدوار الستة صخرة كبيرة بلا ملامح وبلا ذكرى .
يزداد الشارع وقارا ويوفر لمن ينامون على أرصفته الهدوء المتماسك تمر سيارات بصورة متقطعة لكنها تنسل دون إحداث ضجة كي لا توقظ الكلب الذي ينام إلى جوار فراش صديقه في ذات الرصيف وصل الكلب إلى المكان قبل صاحبة وظل ينتظر دون ان يغمض عينيه وما أن وصل الرجل النحيل وخلع قليلا من ملابسه ليصنع منها وسادة مسح رأس كلبه فنام الاثنان معا .
طريقة حياة المدينة تشعرك بأنها تقاسمك همومك تتيح لك السير فيها ركضا أو بطيئا دون أن تصدر إليك مخاوفها أو ضجيجها النهاري تعمدت في غالب لياليها أن اطوي المسافات راجلا , ادقق النظر في وجوه النائمين المكشوفة شيوخا وأطفالا وشبابا يافعين هم ذاتهم الحاضرون في أعين الأدب الهندي هم من سيطروا على أعمال سلمان رشدي الأدبية في الصباح يخرجون إلى واقعهم كأبطال حقيقيين يكافحون للعيش الكريم .
