الجماعي والسامعي لجائزة الصحافة العربية
جمال أنعم
جمال أنعم –
كيف تصنع من الفرصة البسيطة فرصا عظيمة أحيانا قد تجبرنا المتاحات بقبول خيارات اقل بكثير من إمكاناتنا وقدراتنا وهنا نقف أمام رهانات عديدة عدم القبول ضمن سياق ضاغط يتسم بمحدودية الفرص وفي ظل مرحلة بحث لاغبة تستهلك الكثير من الطاقة والثقة بالنفس وما هو أقسى أن يطول بالمرء انتظار مالا يأتي فيفترسه التبطل وأدواؤه المحطمة للروح والمقعدة للعزم حتى إذا لاحت له فرصة ما أعجزه حاله عن التقاطها وقطعه تردده عن الإمساك بها
ولإبن القيم في فوائده بيت كاشف لهذا الحال
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
وفي حال القبول بالفرصة المتاحة يتوقف الأمر على أسلوب التعامل معها إما تحويلها إلى عتبة يأس نعلن عندها استسلامنا ورضوخنا الأخير ونمنحها مواتنا الخالص ونختار أداء اليائس والمضيع المخذول المسكون بالخسران والموقن من عدم جدوى الفعل في سبيل ما هو أفضل وأحسن أو نجعل منها بداية الانطلاق والفرصة الأولى واهبة كل الفرص.
فنتعامل معها لا بقدر ما تعطينا من عائد مادي بل بقدر ما نعطي من جهد مميز ونتاج يعكس قدراتنا وطاقاتنا الإبداعية المتجاوزة ويجسد شخصياتنا الأكثر غنى وخصوبة من هذه المتاحات الشحيحة أن نعمل بقدر قيمتنا بقدر ما نراه مرضيا لنا ومعبرا عنا لا عن المحدود من المال أو مساحة الحضور الضيقة هذا ما يمنحنا ويفتح أمامنا آفاقا لاتحد من الفرص والمتاحات.
اعرف زملاء عديدين كان لي شرف العمل رفقتهم وكان العائد المادي اقل منهم ومن قدراتهم بكثير وكنت لهم شريكا ومخترع عزاءات كذلك كنت كثيرا ما اذكرهم بعبارة” بوشكين” المحرضة على الزهادة في كثير مما ينال ويقال
“لا تنتظر مكافآت عن أعمال نبيلة تقوم بها المكافآت داخلك”
هناك مكافآت معنوية اكبر بكثير مما قد نعطاه الشعور بالقيمة والامتلاء وأن المردود لا يحدد ذاتك وكينونتك وإبداعك لا يحدد حضورك وغيابك
ثمة أناس لا يعني توافر الإمكانات بالنسبة لهم شيئا لأنهم لا يتوافرون على أنفسهم أساسا ولا يملكون الوجود الأولي الخالص الذي يمنح الحياة المعنى والقيمة
اتذكر مراسلين بارزين كانوا يتصلون بي كلما شدتهم مادة صحفية لزميل في الصحوة وهو مافتح أمام عديد منهم المجال للعمل في صحف ووكالات خارجية بالطبع
الدأب والصبر والمثابرة وعدم فقدان الشغف والإصرار على التألق ومغالبة كل الظروف الكابية كل ذلك كان عماد حضور الكثيرين ممن يشكلون اليوم هذا المحيط البهي الزاخر بالأسماء الصحفية اللامعة والعطاءات الملفتة للاهتمام المحلي والخارجي.
اكتب هذا في مقامك محمد الجماعي لأنك تجسيد حي وجميل للروح الآملة المحبة المفعمة بالحياة هي ذي جائزة الصحافة العربية بين يديك تحيي تواضعك الآسر ورحلتك الهامسة في بلاط صاحبة الجلالة رفيقي أنت لم أجدك يوما متبرما ساخطا كما يفعل كثيرون ممن منحوا أنفسهم من العظمة مالا يسنده المقال ولا واقع الحال فما تعاظمت في حياتهم غير الأدواء والخطوب وما أبدعوا غير السخط والضجر
لم تبد تعاليا إزاء أبسط المهام والتكاليف مازال الصحفي فيك يسبق كل البواعث
هناك من سممت حياتهم التنظيرات وأفسدت علاقاتهم بالعمل والحركة
تقليب الأفكار العظيمة والكبيرة أستغرقهم تماما وما عادوا يستطيعون التعامل مع التفاصيل ولا يقدرون على الهبوط لرؤية كل ما هو بسيط وواقعي في حركة الحياة ومجراها الخاص والعام
محمد الجماعي صحفي من نوع مختلف جرب نفسه في كل المساحات هو في الخارج دوما يمسح الدروب يسافر خلف القضايا يلاحق الأوجاع يغوص في الأعماق
مواده خلال المخاض الثوري سجل حافل يحكي سيرة صحفي كثير الروح كثير الشغف
قناديل الفجر تجربة استثنائية قاربت فيها حسبته العادلة المادة ذاتها اكبر من كل مقابل كان ذلك دافعه وكان الشهداء أكرم من أن يضيعوه كان الشاهد المشهود على الدوام
كتب عن يوميات الثورة ووثق تطوراتها وسجل ملاحمها وزهوها أحزانها وانكساراتها واشتغل على كل تجلياتها واعتمالاتها بحب وثقة ورحابة عقل وصدر ووفيا تلقاه باستمرار لا يبارح موقعه ولا واقعه
أتذكر بدايات انضمامه إلى “الإعلام الاقتصادي”رفقة الزميل المبدع مصطفى نصر والذي يحكي سيرة مشابهة وسابقة ربما
أتذكرك محمد وأنت تحاول الهرب من موقع مدير التحرير بيقين صحفي يريد العمل والتجربة قبل المنصب ومترتباته وهاهي الإعلام الاقتصادي تواصل الصدور وهاهي أيام الكد اللذيذ أيام تعب القيمة تتفتق عن عطايا وهبات وجوائز كثار هي في متناول روحك أيها العزيز.
هذه إشارات محتفية بالزميل الجماعي ولان الغبطة أكبر من المساحة ولان السامعي رشاد سيد الكاريكاتير الساخر اكبر من أن يختزل في سطور استدعاء الاحتفال به.