ضرب الله سبحانه وتعالى أمثلة راقية في كتابه الكريم وعرض لها نماذج عظيمة في كمال الايمان بالله وزكاء النفس وطهارة القلب وقوة الارتباط بالله وعظمة الثقة به وصدق التوكل عليه وحسن التعبد له وسرعة التلبية لأمره والامتثال لإرادته، من أولهن السيدة آسية امرأة فرعون وحتى آخرهن سيدة نساء الدنيا والآخرة السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وعليها وعلى بعلها وبنيها، فلماذا نالت هذا الشرف وحظيت بهذا الاصطفاء من الله تعالى؟
لقد ختم الله بها الكاملات من النساء وجعلها سبحانه وتعالى المثال الحي والنموذج الأكمل والأمثل والأجمل لبناء المرأة المؤمنة، لحكمة عظيمة لله تبارك وتعالى تمثلت بوضع المنهجية المتكاملة لاعداد وتنشئة المؤمنات.
ولا مبالغة إن قلنا أن السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها كانت ولا تزال وستظل ذلك النموذج الكامل في التاريخ البشري لكل نساء الارض وقول هذه الحقيقة إنما يأتي من باب الانصاف لا من باب المبالغة والاسراف، فشخصيتها الشريفة جمعت كل خصائص ومناقب النساء اللاتي ضرب الله بهن الأمثال للمرأة المؤمنة في كتابه الكريم، فاجتمعت في شخصيتها قوة ايمان آسية وتَعبدْ مريم وعفتها وطاعتها لله وحسن توكلها وثقة أم موسى وتضحيتها وأخذت كل مناقب والدتها وفوق ذلك كله هي بضعة ابيها وهو اشرف خلق الله واعلاهم قدرا وأرفعهم منزلة واعظمهم شأنا، فهي مثله لأن البعض من الشيء ككله، إضافة إلى ذلك فإنها -عليها السلام – وقفت كل مواقف ابيها رسول الله صلوات الله عليه وعليها وعلى آله وتحركت بحركته منذ نعومة اظافرها وحتى لحاقه بالرفيق الأعلى وكانت له نعم السند ونعم المؤازر ونعم المهتم به وبخدمته، لدرجة أن لقبت بأم ابيها من عظمة اهتمامها به ورعايتها لشؤونه، وهي كوثره الفياض وولده وأم ولده وينبوع ذريته ومنها امتد حسبه إلى يوم القيامة وتناقل نسبه عبر الاجيال المتعاقبة إلى يوم البعث والندامة، وهي زوج الوصي الكامل الايمان والصادق اللسان والضارب خراطيم الكفر حتى آمنوا بالرحمن وأم الأئمة الأطهار أعلام الهدى ومصابيح الدجى وقرناء القرآن الذين لن يفترقون عنه حتى يردوا على حوض ابيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
لقد جعلها الله المثل الحي والقدوة المضيئة لنساء العالمين بعلمها وبيانها، بتقواها وايمانها، بثباتها وجهادها، بطاعتها وعبادتها، بتبتلها لربها وبرها لأبيها، وحسن تبعلها لزوجها، وتربيتها لأولادها، بأخلاقها القرآنية وسجاياها الايمانية، وبتعاملها واحسانها، وصبرها وزهدها، وبجهادها وتضحياتها .
فإذا ما نهلت نساء الارض من معينها العذب، وتأسين بسيرتها العطرة، واقتدين بسلوكها الطاهر وعفافها القدسي وعبادتها القويمة، وتربيتها السليمة، وبرها وورعها، وجودها وكرمها، وفي تدبير أمور بيتها وشؤنها، فقد أدركن الخير كله ونلن الفضل جله، ولبسن محاسن الدنيا ومناقب الآخرة، وتحولن إلى صناع مهرة للانسانية ولرجال الاستخلاف في الارض، لأنهن حينها سيبنين أجيالا لا تضل، وأمما لا تزل، يكسوها الايمان، ويفر من دروبها الشيطان، وستتحقق حكمة الله من خلق الانسان، وسيُعبد في الارض كما يعبد في السماء، فتحل البركات وتفيض النعم ويرفع البلاء ويزول الشقاء، ويسعد الانسان في الدنيا ويفوز بنعيم الآخرة.
ولهذه النتيجة وتلك الاسباب استحقت السيدة فاطمة الزهراء أن تكون سيدة نساء الدنيا والأخرى.