اليمن.. من تعطّل التاريخ إلى الانتصار

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

 

 

يظن الكثير، أن الاستقلال صفة لازمة لدول مجلس التعاون الخليجي، وهم على إدراك بحقيقة الأمر الذي عليه حال دول مجلس التعاون الخليجي، فحين خرجت بريطانيا من المنطقة العربية بعد موجة التحرر والاستقلال والمد القومي التحرري غادرت بريطانيا الخليج شكلا، لكنها ظلّت مضمونا، إذ عملت على تنصيب مشايخ كانوا على غير القيم العربية، فالمعيار الذي اتخذته بريطانيا للمشايخ كان يقوم على الاستعداد الفطري للعمالة، وتم الاختيار من فئتين اجتماعيتين هما: قطاع الطرق، وقراصنة البحار، وهذا أمر يمكن التحقق منه من خلال الرجوع إلى تاريخ الأسر الحاكمة في الخليج العربي، وقد فاحت روائحه في مذكرات ضباط المخابرات البريطانيين التي صدرت كي تسرد نشاطهم وجهودهم في تطويع الطبيعة البدوية الصحراوية، وكيفية إدارة تلك الطبيعة حتى الوصول إلى القدرة على التحكم في مصادر الطاقة.
ولذلك لم تشهد منطقة الخليج استقلالا حقيقيا ولا حرية ولا سيادة وطنية، فالحماية الأمنية والعسكرية كانت وماتزال للشركات والقواعد العسكرية المرابطة في المنطقة، وهناك اتفاقات تعاون أمني وعسكري تكفل تدفق النفط من المنطقة إلى العالم وفق مصالح الدول الكبرى، فالقواعد العسكرية المرابطة في جغرافيا الخليج هي المعنية بالحماية، وصفقات الأسلحة التي نسمع عنها في وسائل الإعلام تذهب إلى تلك القواعد ولا تستطيع الدول التحكم بها أو التدريب على استخدامها، فهي من الشركات الغربية إليهم.
وبالعودة إلى عام 90م من القرن الماضي بعد التبدل والانهيار للقطب الشرقي وتفرد أمريكا بقيادة العالم، اقتضى الأمر حركة توازن جديدة في المنطقة، وكل ردود الفعل التي حدثت في ذلك الزمن فشلت، فشل الاتحاد المغاربي، وفشل مجلس التعاون العربي الذي جمع العراق ومصر والأردن واليمن، ولم يبق سوى مجلس التعاون الخليجي، الذي ظل يدير المنطقة بالمال والنفط، ويعمل على توازن المصالح الأمريكية وفي السياق يهيمن على مصادر الطاقة.
لم يبرح قادة الخليج والسعودية نقطة البداية والتأسيس، فكل حركات الإصلاحات التي كانت تجتاح العالم تحت لافتات حقوق الإنسان والحريات لم تصل دول مجلس التعاون الخليجي كما وصلت بقية الدول، وهذا أمر أصبح معروفا، لكن لم يثر السؤال أحد في كل العقود التي مرت، قبل أن يعتدوا ظلما وعدوانا على اليمن، ويتجاوزون الحد ويسعون في اليمن فسادا وخرابا، من خلال حركة التدمير التي صاحبت الإعلان الشهير من واشنطن بإعلانهم عاصفة الحزم عام 2015م.
ولذلك جعل الله على أهل البغي والفساد والظلم سبيلا، فهم اليوم يخرجون من تحت الطاولات إلى العلن والمجاهرة، وكشف الله ما كان خافيا، وتغيرت الصورة الذهنية التي كوّنها الناس عن السعودية والخليج في العقود الماضية، واتضح أن دول الخليج ليسوا أكثر من مستعمرات تدار بواسطة الجهاز الاستخباري البريطاني والأمريكي والصهيوني، ولا يكادون يتجاوزن ما هو مرسوم ومخطط لهم، فالعدوان على اليمن ليس في مصلحة السعودية ولا الإمارات، بل يصب كله في مصلحة إسرائيل وأمريكا، والنظام العالمي الجديد، الذي بدأ يتشكل ويعمل اليوم على إعادة رسم ملامحه من خلال الصراع بين الدول الصناعية الكبرى والصين وروسيا، وهو ظاهر اليوم في الصراع بين الاتحاد الأوربي وروسيا في جزيرة القرم ، فخارطة المصالح للنظام الدولي الجديد تعيد حركة تموضعها وفق المعطيات الجديدة في العالم.
وقد نقول، إن تحرك مصر الأخير بشأن باب المندب جاء عفو الخاطر، كظاهرة تبدو للمتابع – بالقياس إلى ماضي مصر واشتعالها القومي ومركزيتها الثقافية والسياسية أو بالقياس على المصلحة والأمن القومي – غير غريبة ، لكن حقيقة الأمر أن مصر تتحرك وفق أجندات ومساحات تم تحديدها سلفا، والمطلوب منها القيام بهذه المهمة في هذا التوقيت، فاللعبة الدولية في المنطقة أصبحت أكثر حيوية وتفاعلا من ذي قبل، لكن تداخل المستعمر البريطاني والصهيوني في اللعبة ليس خافيا، وقد يبدو أكثر وضوحا من خلال الاتفاق العسكري الذي وقعه المرتزقة مع الإمارات ويسمح للإمارات بالتدخل العسكري في حال تعرضت مصالح الإمارات للتهديد، فالإمارات ظاهرها الإمارات لكن باطنها الصهيونية التي حولتها إلى سوق اقتصادية كبرى، وجعلت من الصحراء ظاهرة عمرانية فريدة في العالم.
الصهيونية العالمية تسيطر اليوم على الموجهات الثقافية الاجتماعية العربية من خلال التطبيقات الاجتماعية في الشبكة العنكبوتية، وقد استطاعت أن تلبس عباية الإسلام وتعمل على تفكيك عراه من داخله عن طريق تيار الإخوان والجماعات الاستخبارية الأخرى، ولولا محور المقاومة الإسلامية لرأينا اليوم واقعا عربيا متصهينا كليا، ولرأينا الإسلام قد أصبح غريبا في أهله وبين معتنقيه.
لقد تعطل التاريخ، أو عملوا على تعطيله يقول الرائي البردوني: “وهذا التعطل في جانب يؤدي إلى امتلاء الجانب المعاكس، فقد أدى تعطل الإرادة الخيرة بمقتل الحسين إلى انتصار الانتهازية السفيانية الأموية، كما سبب تعطل هذه الفترة من الإرادة العربية إلى غلبة الصهيونية والإمبريالية، حتى أصبحت كل المنطقة كولاية أمريكية أو كمستوطنة صهيونية “.
لقد كانت ثورة 21 سبتمبر حالة إنقاذ لنا في اليمن من براثن الصهيونية، ونحن اليوم نخوض معركتنا الوجودية معها، وسوف ننتصر.

قد يعجبك ايضا