عن المدونة الوظيفية والسلوك الوظيفي

يكتبها اليوم / طه العامري

 

تابعت الجدل الدائر عن مصفوفة (مدونة السلوك الوظيفي) فاتجهت لقراءة المدونة وفعلا قرأتها ثلاث مرات بتركيز وتمعن ووجدت نفسي مقتنعا بكل ما ورد فيها شريطة أن يتم تطبيق نصوصها بشفافية ومصداقية وجدية، فالحاجة الوطنية تستدعي تطبيق ما جاء في المدونة على خلفية ثقافة الفساد والإفساد التي تنخر في مفاصل الدولة ومؤسساتها، نعم فالفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، حيث صار الفساد ثقافة اجتماعية متزامنا مع ثقافة النفاق والمحاباة والمجاملات والاستئثار بالوظيفة العامة وتهميش المؤهلين من أبناء الشعب والمتخصصين من حاملي الشهائد العليا وتفضيل المقربين غير المؤهلين والجهلة عليهم في الاستحواذ على الوظيفة العامة ناهيكم عن شيوع ثقافة الفساد والإفساد التي طالت كل مناحي الحياة ولم يعد هناك إنجاز اقتصادي أو تنموي أو ثقافي أو سياسي إلا وطالته أيادي الفاسدين وعبثهم لدرجة أخفقت فيها كل الوسائل الرقابية التقليدية في القضاء على ظاهرة الفساد والحد من نفوذ الفاسدين، لا من خلال (الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) ولا من خلال (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) ولا من خلال أنشطة الأجهزة الأمنية والاستخبارية، إذ أخفقت كل هذه الجهات السيادية في القضاء على الفساد والحد من نفوذ الفاسدين وبالتالي فإن (المدونة) التي فجرت كل هذا الجدل أرى فيها ربما ما لا يرى فيها الآخرون، الذين شنوا حملاتهم ضدها وغذى هذه الحملات الطرف الآخر الذي بدوره يبحث عن شماعة يعلق عليها أخطاءه، ويبحث عن قضايا جانبية يبعد بها الرأي العام عن جرائمه وفساده العبثي وارتزاقه على حساب الدم اليمني والسيادة اليمنية وكرامة الإنسان اليمني وحريته..
إن دولة مثل جمهورية الصين ظلت من عام 1948_ حتى 1975 م عاجزة بكل قدراتها وتشريعاتها في القضاء على مكامن الاختلال في مفاصل الدولة حتى اهتدى زعيمها (ماوتسي تونج) إلى (إعلان الثورة الثقافية) وهي الثورة التي وضعت الصين على طريق النجاح والتقدم لتصبح الصين التي نعرفها ويعرفها العالم اليوم، والمدونة الوظيفية تعد اليوم بمثابة (ثورة ثقافية) ضد الفساد والفاسدين وضد كل أشكال العبث والاستهتار والنفاق وازدواجية المعايير.. وقد جاءت بقالب إيماني وتربوي غايتها تنظيف مؤسسات الدولة من أدران الفساد وثقافته والتي ستكون حجة على من أطلقها ودشنها أو سعى إلى جعلها بروبجندا دعائية أو اتخاذها يافطة يخفي خلفها رغبته في تطهير مؤسسات الدولة من الكوادر التي تخالفه في الرأي والمعتقد السياسي والفكري.
نعم جميعنا نتمنى وبحماس القضاء على بؤر الفساد وعلى ثقافة الإفساد، خاصة بعد أن أصبح الفساد في بلادنا ثقافة عامة وأصبح الفاسد يلقب بـ (الشاطر) و(المحنك) و(احمر عين) و(راجل) و(فحفوح) إلى آخر التوصيفات التي تدل على الذكاء والشطارة، فيما الشريف والنزيه والمحترم والنظيف والعصامي الذي يتمسك بمبدأ العيش بالحلال وبشرف وكرامة يلقب بـ (الغبي) و(الأهبل) و(المغفل)..؟!
لذلك أجدني متحمساً لهذه المدونة السلوكية التي أصبغت بدوافع إيمانية لأن فعلا المؤمن لا يغش ولا يفسد ولا يسرق ولا يستغل وظيفته في إيذاء الآخرين في المجتمع، والمؤمن هو الإنسان المستقيم الذي يؤدي عمله بشرف ونزاهة وإيثار، يفعل ذلك راجيا رضا الله قبل رضا المخلوق.. والفساد في بلادنا يصعب القضاء عليه وعلى أدواته وثقافته إلا عبر ثورة اجتماعية وهذه الثورة تمثلها هذه المدونة بما حملت من القيم والمفاهيم والتشريعات التي يجب أن يلتزم بها كل موظف عام.
ناهيكم عن أن المدونة جاءت تعبيراً عن ثقافة إيمانية وتعكس نزوعاً وطنياً ورغبة وطنية عارمة للتحرر من ثقافة الفساد والإفساد، وبالتالي فإن الحملة ضد المدونة قد تأتي من الفاسدين الذين لا يرغبون بالتطهر من أدران الفساد والذين يجدون في استمرار الفساد غاية للتكسب والارتزاق، ولهذا ليس غريباً أن تأتي الحملة ضد المدونة من طرف المرتزقة الذين يعيشون في وحل الفساد والارتزاق..؟!
إن هذه المدونة بمثابة قانون، وهو القانون الذي يعطي كل مواطن الحق في محاسبة كل مسؤول أخل بوظيفته ومارس أي شكل من أشكال الفساد والنفاق والمجاملة..

قد يعجبك ايضا