المقتاتون على جسد المقاومة

 أحمد الصباهي

 

في الوقت الذي يعاني فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي معاناة شديدة، من ضربات المقاومة شبه اليومية، عبر استهداف جنوده ودباباته، حتى وصل الحال برئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، بالصراخ مطالباً بوقف الحرب والتوجه إلى صفقة، وهو أعلى سلطة عسكرية في كيان الاحتلال، تطالعنا أصوات لا تنفك تشكك بإنجازات المقاومة، وتحملها مسؤولية المجاعة والحصار.

وكنت ظننت أننا انتهينا من هذه الاتهامات الباطلة، منذ بداية معركة طوفان الأقصى، إلا أن البعض ممن هو مرتهن للسلطة الفلسطينية، وآخرون ربما أحسنوا النية، تؤلمهم كما تؤلمنا مشاهد القتل والتجويع، يعودون إلى السيمفونية المشروخة من جديد، عن جدوى عملية طوفان الأقصى .

سأستثني من مقالي حسني النية، وأتوجه إلى المستزلمين من أبناء التنسيق الأمني، وأيتام أوسلو، الذين صدَّعوا رؤوسنا بمفاهيم أصبحت ساقطة تلوكها الأرجل، من سلطة بائدة وهمية، ومنظمة تحرير فاشلة، في إطار الشرعية المزعومة “الممثل الشرعي الوحيد”، وقد صدقوا في ذلك، فهي الممثل لحالة الهوان والذل السياسي، ذلك أن رئيس السلطة محمود عباس، لا ينفك يقدم أوراق اعتماد، لكن بلا جدوى، وآخر ما تفتق عنه عقله الانهزامي، هو الإعلان عن نيته إجراء انتخابات المجلس الوطني، ومن ضمن شروط العضوية الالتزام بمنظمة التحرير الفلسطينية، والتزاماتها الدولية، وقرارات الشرعية الدولية.

وإن كان من المشكك جداً، أن تشارك القوى التي تمثل أغلبية الشعب الفلسطيني (حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وبقية القوى الفلسطينية، والمستقلون)، إلا أن طرح الانتخابات بهذا التوقيت الحرج الذي تمر به غزة والضفة، هي محاولة مكشوفة للإمساك بما تبقى من سلطة أوسلو المنتهية شعبياً، وعدم اكتراثها ولا مبالاتها إلا بما يخدم مصالح الزمرة الحاكمة، واستمرار ديمومتها، وربما تحت الطاولة هو مطلب أمريكي صهيوني عربي، بعيداً عن أي وفاق وطني، وبما يخدم مصالح المستزلمين من أبناء سلطة أوسلو .

إن اختصار القضية الفلسطينية بمطلب الطعام والشراب، على حساب الأرض والقدس، والتهجير، والتهويد والاستيطان، وإيهام الشعب الفلسطيني بأن الصمت والركون إلى المهادنة والعيش بأوهام المفاوضات وحل الدولتين الوهمي، هو الكفيل بسلامتكم والحفاظ على حياتكم، هو أيضاً الوهم القاتل بحدِّ ذاته، ذلك أن المطلوب هو الفلسطيني أيّاً كان “مهادناً” و”مقاوماً”. المطلوب هو تهجير الفلسطيني في الضفة تمهيداً لضمها، وهدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم، وإخضاع المنطقة للهيمنة الإسرائيلية عبر اتفاقيات التطبيع.

لكن أنَّى للمقتاتين على جسد المقاومة، أن يجدوا أي حجة لمشروعهم الانهزامي إلا عبر اللعب على أوتار المجاعة، والتشكيك بجدوى المقاومة، وتحميلها مسببات ما جرى في غزة، وكأن السلطة لم تكن تحاصر غزة إلى جانب الاحتلال .

ولو أن سلطة عباس حققت إنجازاً واحداً، بإيقاف التهجير في الضفة، ومنع تهويد القدس، وصولاً إلى أي مفاعيل أولية لتحقيق الحلم المزعوم بالدولة الفلسطينية، لرفعنا لهم القبعة، إلا أن السلطة في حالة انحدار من سيئ إلى أسوأ، بحيث لم يعد لها أي قيمة إسرائيلية ولا حتى أمريكية، لكنها ما زالت مصرة على تقديم أوراق الذل والهوان، وإفلات جيوشها الإلكترونية المسعورة، لمهاجمة قادة المقاومة، عبر صور” الفنادق”، وكأن محمود عباس ومستزلميه يعيشون في خيام المواصي في خان يونس، وتغافلوا ما قدمه قادة المقاومة من شهداء (الشهيد يحيى السنوار وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف، وغيرهم كثر)..

ضحكت من كل قلبي، عندما شاهدت منذ فترة وجيزة، صورة على وسائل التواصل الاجتماعي قيل إنها لمقاتل فلسطيني، في قبضة الاحتلال في غزة، وكتب أحد المستزلمين المسعورين من سلطة عباس، باعوك من يسكنون في الفنادق !

يا ترى من يقاتل في غزة، هل يقاتل من أجل القيادة ؟ هل من يتضور جوعاً، ولا يعلم مصير عائلته، يفكر بمن هو جالس في الفندق ؟ أم يقاتل في سبيل الله، وتحرير الوطن؟ هو لا يرى أحداً، بل ينظر بعين الله .

ما يجري في غزة كارثة، لكن ما جرت عملية طوفان الأقصى إلا كردة فعل على إنقاذ ما تبقَّى من فلسطين، لقد فشلت سلطة أوسلو، وما زالت تريدنا أن نلتزم بفشلها، لا لشيء إلا للحفاظ على مناصب وكراسٍ وهمية..

إن إصرار السلطة عبر المستزلمين والجيوش اللإلكترونية المسعورة، بمهاجمة المقاومة، لن تزيد من رصيدها، ولن تخدم سوى سياسات الاحتلال في الحصار والتجويع، وإعطاء الحجة للهوان العربي، ورفع المسؤولية عنهم لتقديم الحد الأدنى من الضغط لرفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، بمعنى آخر سياستكم تخدم الاحتلال ومطبعيه.

هؤلاء لا يجدون صدى لمكانهم إلا عبر الاقتيات على جسد المقاومة .

* كاتب فلسطيني

 

 

 

قد يعجبك ايضا