في ظل استمرار العدوان على اليمن من قبل دول الاستكبار وعلى رأسها ثلاثي الشر المتمثل في أمريكا والسعودية والإمارات ، يحتفل أبناء الشعب اليمني الأحرار الشرفاء بالذكرى الـ 59 لثورة الـ14 من أكتوبر، تلك الثورة التي انطلقت للتحرر من المحتل والمستعمر البريطاني للشطر الجنوبي من اليمن، والتي أشعل شرارتها ثلة من الثوار الأحرار والمناضلين الشرفاء، الذين ضربوا أروع الأمثلة في الدفاع عن الوطن، وسطرَّوا كل معاني البذل والتضحية والفداء، والملاحم البطولية في مقارعة المحتل والمستعمر البريطاني الذي أمعن في إجرامه وتسلطه وغيه.
مضى 59 عاماً على ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة بينما تشهد المحافظات الجنوبية محاولات لعودة الاستعمار عبر وكلائه في المنطقة وعلى رأسهم السعودية الإمارات اللتان تعملان على تنفيذ مخطط قذر يسعى للقضاء على الوحدة اليمنية، ويهدف إلى تمزيق اليمن وتقسيمه إلى دويلات وأقاليم متنازعة ومتناحرة بما يضمن لها الحفاظ على مصالحها وتنفيذ أجندتها الاستعمارية والتهيئة، وتعزيز نفوذ أسيادهم الأمريكان وخدمة الصهاينة وتمكينهم من تنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهدافهم في اليمن.
الثورة / محمد دماج
الاحتلال يعود من جديد:
يخطئ من يقول إن بريطانيا قد انهت مطامعها في اليمن ونهب ثرواته وخيراته، بعد إن احتلت واستعمرت جنوب اليمن في السابق، دام 128عاماً فهي لا تزال تطمح إلى استعمار واحتلال اليمن من جديد،
وبعد إن قدّم أحرار وثوار اليمن وقتها انتصاراً حاسماً، إلا أن الجغرافيا الاستراتيجية ظلت محل أطماع القوى المستعمرة والمحتلة، في مقدمها المستعمر القديم المملكة البريطانية، التي تتطلع اليوم في لحظة إعادة تشكيل المنطقة إلى حجز مكانها، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، واستعادة موطئ قدم إضافي في اليمن والسيطرة من جديد على المنافذ الاستراتيجية المائية وخصوصاً باب المندب.
واليوم تلعب بريطانيا عدة أدوار استعمارية على أكثر من صعيد وتشارك في العدوان على اليمن في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإنسانية…الخ، إذ تشارك في العدوان عبر الصفقات التسليحية التي تبيعها للسعودية والإمارات وأيضا التدخل المباشر في العدوان ببعض العمليات العسكرية الجوية وكذلك الإشراف المباشر على العلميات العسكرية البرية والبحرية، وهذا يفسر أطماعها الاستعمارية المستمرة، والتي تأتي في محاولة بائسة لأن تستعيد هيمنتها ووصايتها على اليمن بشكل عام، وليس على جنوب اليمن فقط.
وبعد مضي تسعة وخمسون عاماً على انطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني والتي تكاثرت فيها الأحداث وتغيرت الشخصيات وتبدلت المعادلات، إلا وانه للأسف الشديد فقد عادت لتستقر عند نقطة الصفر: جنوب اليمن تحت الاحتلال من جديد، يبدو الأمر أشبه ما يكون بإعادة عرض لشريط فيلم فيديو ظن البعض أنه بات طيّ النسيان.
وكل ما في الأمر أن الواقع اليوم في الجنوب يتحدث عن غازٍ ومحتل مخلص وأمين لسلفه، وحريص على تحقيق مصالحه وأهدافه الاستعمارية، ويظهر دوماً أنه ليس سوى أداة مكتوب في جبينها “مرتزق عميل” يجسد مظاهر عودة الغازي البريطاني، ومعه وريثه الأميركي، عبر أداتهما الإماراتي والسعودي.
هل أضحت المحافظات الجنوبية “محررة”:
في ظل الخزعبلات التي توهم أبناء الجنوب أن المحافظات الجنوبية أصبحت “محررة”، يتكرر المشهد اليوم في طابور طويل عريض من المنتفعين والمهادنين للمستعمر، الذين جسدوا معاني “الارتزاق” بكل ما تعنيه الكلمة من ارتزاق، فشركاء الثورة على الاستعمار البريطاني بعضهم بات مدافعاً شرساً عن الاحتلال الإماراتي والسعودي، ومزايداً عليه في التنظير لوجوده، في مفارقة أقرب إلى إثارة الإشفاق منها إلى السخط، فيما البعض الآخر من الأحرار الشرفاء ما يزال يسير في طريق المواجهة ضد الاحتلال.
وبعد مرور أكثر من نصف قرن من تلك الثورة الخالدة، فـان معاني التحرير والتحرر والنضال ضد الاستعمار قد رماها البعض في غياهب الجب وذهبت أدراج الرياح كما يظن أولئك الحمقى، إذ أن ما بقي من تلك الحقبة من مسميات الثورة والتحرر والنضال، قد أُعيد تدويرها اليوم تحت مسمى آخر هو “المقاومة الجنوبية”، ولو كانت “مقاومة” حقاً مقاومة لما وجدناها اليوم في خندق واحد مع المحتلين والمستعمرين الجدد، حيث أن هؤلاء المحتلين هم “محرِّرون”، وفق مقتضيات انقلاب المفاهيم وتبادل الأدوار.
الثورة مازالت مستمرة:
قبل 59 عاماً انطلقت ثورة الـ14 من أكتوبر عام 1963م في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني وشق الثوار الأحرار الشرفاء طريقهم من أعالي قمم جبال ردفان بقيادة الثائر الشهيد راجح بن غالب لبوزة وثلة معه من الثوار الأحرار ضد القوات البريطانية، أولئك الثوار الذين استطاعوا انتزاع حريتهم وفرض كرامتهم من بين خشوم المستعمرين واسترجاع سيادة بلادهم من بين أيادي المحتلين، وبمعنويات عالية ونفسيات قوية فقد خاضوا غمار التحديات وتغلبوا على الصعوبات بالرغم من شحة الإمكانيات في العدة والعتاد وقدموا التضحيات في سبيل حرية واستقلال الشعب والوطن، ذلك لأنهم كانوا يملكون الروح الثورية التي لا تقبل الضيم والهزيمة ولا ترضى بالاستعمار والهيمنة فلم يتوقف مشوارهم الثوري إلا بعد تحرير الجنوب اليمني من الاحتلال البريطاني كاملاً.
وفي خضم الذكرى الـ59 لثورة الـ14 من أكتوبر التي جسدت معاني التحرر والاستقلال من الاستعمار البريطاني، وكما صنع أولئك الأحرار السابقون بكل عزيمة وصبر وكفاح، فإن على الشعب اليمني الصامد عامة، وأبناء الجنوب خاصة أن يواصلوا مشوار الثورة ضد أولئك المستعمرين والمحتلين الذين ما يزالون يحتلون الجنوب اليوم.
وكما استطاع أولئك الأحرار الشرفاء المناضلين من تحرير جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني القديم، فإن الفرصة مازالت مواتية لأبنائهم الأحرار أن يحرروا وطنهم من الاستعمار البريطاني الأمريكي الإماراتي السعودي، ليتجسد المعنى الحقيقي للثورة ضد المحتلين والمستعمرين، ويعكس حقيقة الاحتفال بثورة الـ14 من أكتوبر، أما اذا بقي الجنوب يرزح تحت الاستعمار وفي قبضة الأمريكي والإماراتي والسعودي، وتمر ذكرى ثورة أكتوبر فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نستلهم من ثورة الـ14 من أكتوبر الدروس والعبر بل ينبغي أن يخجل القاعدون والمتخاذلون من أنفسهم وأن يعتذروا لشهداء ثورة أكتوبر ورفاقهم، إلا أن ما يبقي لنا الأمل بعد الله سبحانه وتعالى هو وجود قيادة حكيمة ترفض الذل وتأبى الضيم للشعب كبيره وصغيره ، وتقود مع الكثير من الصادقين الأحرار من رجال الجيش واللجان الشعبية والشعب يرفدهم أروع البطولات والملاحم البطولية ضد المحتلين والمعتدين ومرتزقتهم، وسيتمكن شعبنا بقوة الله القوي العزيز من تحرير كل شبر من أرض الوطن، وسيصنع الحرية والاستقلال والكرامة ويرسخها بدمائه الزكية، وتضحيات أبنائه الأسطورية، ووطنيتهم الصادقة، ومواقفهم الثورية المستمرة، وهذا ما سيدونه التاريخ في صفحاته بأنه التجسيد الفعلي للثورة ضد المحتلين والمستعمرين في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال للشعب والوطن.
عندما يحتفل أبناء الشعب اليمني بثورة الـ14 من أكتوبر في مثل هذه الظروف الصعبة والتحديات التي يمر بها اليمن حالياً، فهو يحتفل بذكريات مجيدة وثورة عظيمة ومهمة يجب أن تستمر وأن تتكرر من جديد ضد الاستعمار البريطاني الذي يستعمر الجنوب اليمني اليوم تحت يافطة إعادة ما يسمونها الشرعية التي استخدمها أعداء الشعب كذريعة للاعتداء على البلاد ونهب ثرواته .
ولكي نضع النقاط على الحروف ونكون منصفين فإن ثورة الـ21 من سبتمبر هي امتداد للثورات اليمنية التي خرجت ضد الغزاة والمحتلين ، إذ أن من أهم أهدافها إخراج اليمن من الوصاية الأجنبية، وطرد الغازي والمحتل من كل شبر من ربوع اليمن، وبذلك فإن من يتشدقون ويتغنون اليوم بثورتي الـ26 من سبتمبر والـ14 من أكتوبر وهم ما يزالون يقبعون في فنادق دول العدوان والاحتلال والاستعمار هم دون ادنى شك خانوا الثورة وخانوا اليمن والشعب ، وهم أولئك أنفسهم الذين خانوا دماء الشهداء ممن ضحوا بأنفسهم من أجل تلك الأهداف السامية التي قامت من أجلها تلك الثورات المباركة.
الغام بريطانيا تفجر الجنوب:
حرصت السياسة الانجليزية في المناطق اليمنية المحتلة في طابعها العام على تمزيق الوحدة اليمنية والنسيج اليمني، وتعميق اليأس في أوساط أبناء الشعب اليمني من عودة التحام جسدهم الواحد، وتلغيم حياتهم بسموم الكيانات والكانتونات المناطقية المتنافرة والمتصادمة من سلطنات وإمارات وولايات ومشيخات، وها هي عاصفة عدوان أذيال الاستعمار البريطاني تعيد إنعاشها من جديد، مع تغيير مسمياتها، وبقاء هدفها.
عناوين السياسة الاستعمارية واحدة في معانيها ومبانيها منذ عام 1839 وحتى انطلاق شرارة ثورة 14 أكتوبر في العام 1963 من جبال ردفان، بدءاً بسياسة «فرق تسد»، ومروراً بسياسة معاهدات واتفاقيات الحماية، وانتهاءاً بسياسة التقدم نحو الأمام وإعمال نظام الانتداب والاستشارة، تبعاً لمقتضيات التجزئة ومتطلبات كبح جماح نمو الوعي الوطني، والواصلة ذروتها في 1959م بإنشاء اتحاد الجنوب العربي، بدعم وتواطؤ رابطة أبناء الجنوب والجمعية العدنية، أملاً في تمديد سيطرة الاستعمار السياسية والعسكرية على المنطقة أكبر مدة ممكنة.
وتكمن خطورة ذلك في توجه الاستعمار منذ بداية عام 1934 إلى سلخ هوية الأجزاء الجنوبية والشرقية من اليمن، عن هويتها التاريخية والجغرافية، من خلال تغليب الثقافات والهويات المحلية، وتغذية النزعات الانفصالية، وتعميق هوة الخلافات والصراعات البينية، بهدف طمس الثقافة والهوية الوطنية اليمنية، وتكبيل ووأد أي هبة شعبية تحررية، وتفخيخ مستقبل الأجيال بألغام العنصرية المناطقية والعشائرية والفئوية.
ومع إطلالة العام 1952م بدأ الانجليز بترجمة سياستهم الجديدة عبر الترويج لإقامة كيانين اتحاديين فيدراليين حسب التقسيم الإداري في الإمارات ومستعمرة عدن، وتوحيدها في دولة جديدة تسمى «دولة الجنوب العربي الاتحادية»، على أن تبقى مستعمرة عدن خارج الاتحاد، وفي 1954م قدموا وجهة نظرهم بشأن الاتحاد الفيدرالي وإدارته، على أن تتكون من المندوب السامي، وتكون له رئاسة الاتحاد والعلاقات الخارجية والقرار الأول في حالة الطوارئ، ومجلس رؤساء يضم رؤساء البلاد الداخلية في الاتحاد، ومجلس تنفيذي وآخر تشريعي، وفي 11 فبراير 1959م أُعلن رسمياً عن قيام اتحاد إمارات الجنوب العربي.
ضم الاتحاد في البداية 6 إمارات من محميات عدن البالغ عددها 20 إمارة مع تخلف سلطنة لحج، وهي مجموعة من القبائل المتنافرة والمتناحرة، وكان الهدف من هذه الخطوة تصفية قضية تحرير جنوب اليمن، وإبقاء عدن قاعدة عسكرية استراتيجية لبريطانيا، واستغلال الاتحاد لتهديد شمال اليمن، والضغط على السلطات الجنوبية للحصول على المزيد من التنازلات للمستعمر في الجنوب، وجعل الاتحاد قاعدة متقدمة لضرب الحركات التحررية العربية، وقمع أية انتفاضة شعبية وطنية.
حدث إعلان دولة الجنوب العربي المزيف والمجافي للحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لم يشذ عن مخطط تدجين الهوية الوطنية لصالح الهويات المحلية المصطنعة، وتعميق الهوة بين علاقات أبناء هذه المناطق وهويتهم الوطنية الأم، وتعميق النزعة الانفصالية، التي وجدت في الجمعية العدنية ورابطة أبناء الجنوب العربي ضالتها المنشودة، على أمل الحلول مكان الاستعمار، بعد رحيله، لتنفيذ مخططاته.
والحقيقة أن الاستعمار وجد حينها أن قوة وجوده واستمراره ومقومات أمانه، متوقفة على تجزئة المجتمع اليمني، واغراقه في الخلافات والصراعات البينية، لأنها ستبقى إذا اُضّطر للرحيل.
وهو ما بدى واضحاً في تباين وجهات نظر رفاق الكفاح المسلح واختلاف صفوفهم ووصولهم إلى مرحلة الصدام الدامي في أكثر من مرة، خلال مرحلة النضال لنيل الحرية والاستقلال، وما بعد نيل الحرية والاستقلال للأسف الشديد، وما نراه اليوم بالمحافظات الجنوبية والشرقية مجرد صدى واجترار شائه وممجوج لآثار تلك الحقبة المظلمة من تاريخ اليمن.
الفعل الثوري الأكتوبري:
خلقت سياسات الاستعمار منذ اليوم الأول لدخول مدينة عدن موجة غضب شعبية، قابلها المحتل بعنف مفرط، وبقية العلاقة بين الاستعمار والمقاومة الوطنية في حالة مد وجذب، تبعاً لشخصية قادة النضال الوطني وقوة حضورهم وتأثيرهم، بالتوازي مع تفنن الاستعمار في تخليق سياسات التركيع والتطويع، ومع إطلالة العقد الثالث من القرن الماضي بدأت المقاومة الشعبية تأخذ طابعها التنظيمي تحت مظلة حركة وطنية جامعة تُسيِّر وتُنظم الفعل الثوري التحرري.
وعلى امتداد سنوات الخمسينيات وبداية الستينيات، كان الشعب اليمني في المناطق الجنوبية والشرقية قد تمرّس على أساليب النضال الوطني، وخاض مختلف طرق النضال السلمي، من أجل تحرره الوطني، كما يذكر «عبدالفتاح إسماعيل»، وفي البداية الأولى للستينيات بدأت تغزو بعض التنظيمات السياسية، أفكار الكفاح المسلح، وكانت في الواقع تجسيداً لجوهر رفضها للوجود الاستعماري في البلاد.
وكانت في نفس الوقت ملجأها الأخير، بعد أن أثبتت تجربة النضال السلمي فشلها، وعدم جدواها في الاطلاع بالمهام الحقيقية للتحرر الوطني، بفعل الطبيعة الاستعمارية.
ميدانياً، بدأت التشكيلات التنظيمية للعمل الفدائي في عدن أوائل عام 1946م، وتشكلت قيادة للمدينة مكونة من القطاع العسكري والقطاع الشعبي، وكان يضم قطاعات العمال والمرأة والطلاب والتجار، وتحمّل الشهيد «نورالدين قاسم» في البداية المسؤولية لعدة شهور، ثم تعرض للاعتقال، فخلفه «عبدالفتاح إسماعيل».
والى جانب العمليات الفدائية المتواصلة ضد الاحتلال بعدن، كان هناك نضج ثوري بدأ يتشكل في أوساط المواطنين بمحافظات أبين والضالع وحضرموت ولحج، والأهم من ذلك تحديد المسؤوليات ميدانياً، تمهيداً للثورة المسلحة الشاملة التي فجرت الحرب في وجه المستعمر وأرغمته على الرحيل.
وفي 23 – 24 فبراير 1963م احتضنت صنعاء مؤتمراً للقوى الوطنية اليمنية، انبثق عنه تأسيس «جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل»، وإقرار الثورة المسلحة، بينما شهد يوم 19 أغسطس 1963م تأسيس «الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل»، انقلابا على «جبهة تحرير الجنوب»، بتغيير الاسم دون مؤتمر، وحضور 10 أفراد فقط من حركة القوميين العرب، واختزلت تحت مظلتها 7 تنظيمات سرية، أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح، هي: فرع حركة القوميين العرب، والجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، والجبهة الوطنية، والتنظيم السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية، وتشكيل القبائل، ثم التحقت بها ثلاثة تنظيمات أخرى، هي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، ومنظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل.
تُوجت هذه التحركات بانطلاق الشرار الأولى لثورة التحرير الوطني من جبال ردفان في 14 أكتوبر 1963م، بقيادة «راجح بن غالب لبوزة»، واستشهد مع مغيب شمس يوم الثورة.
ومنذ اليوم الأول لانطلق ثورة التحرير، شنت سلطات الاستعمار البريطاني حملات عسكرية غاشمة ضد قبائل ردفان، استمرت 6 أشهر، اعتمد فيها العدو على استراتيجية «الأرض المحروقة»، وخلّفت كارثة إنسانية فضيعة، جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.
اندلاع الثورة من ردفان هي البداية لمرحلة الكفاح المسلح، الذي استمر ملتهباً طيلة أربع سنوات كاملة (1963 – 1967م) إلى أن انتهى باستقلال الشطر الجنوبي من اليمن في 30 نوفمبر 1967م، وفي الثمانية الأشهر الأولى من عام 1964م، اضطرت بريطانيا إلى القيام بعمليات حربية كبيرة ضد الثوار، عُرِّفت بعضها في الوثائق البريطانية بعمليات «نتكراركر» و»رستم» و»ردفورس»، وكانت تلك المعارك بالفعل أكبر معارك بريطانيا خلال حرب التحرير، اشترك فيها آلاف الجنود، واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، كما أن الصحافة البريطانية أصبحت تسمي ثوار ردفان بـ»الذئاب الحُمر».
هذه التحولات دفعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى إصدار قرار في 11 ديسمبر 1963م، تضمن الدعوة لحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل، والإقرار بحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني، واعتراف الأمم المتحدة في العام 1965م بشرعية كفاح شعب الجنوب، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وفي 2 أكتوبر 1965م أعلنت بريطانيا البقاء في عدن حتى عام 1968م، ما أدى إلى انتفاضة شعبية عنيفة ضدها، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، وفي 22 فبراير 1966م أعادت التأكيد على منح مستعمرة عدن والمحميات الاستقلال في مطلع العام 1968م، والاعتراف في أغسطس 1966م بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963 و1965م حول حق شعب الجنوب اليمني المحتل في تقرير مصيره، وإعلان وزير خارجيتها «جورج براون» في 14 نوفمبر 1967م تحت وطأة اشتداد المقاومة الوطنية، منح الاستقلال لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967م وليس في 9 يناير 1968، كما كان مخططاً له سابقاً، وبدأ التفاوض بجنيف في 21 نوفمبر 1967م بين الجبهة القومية والحكومية البريطانية حول الانسحاب، وتوقيع «قحطان محمد الشعبي»، واللورد «شاكلتون» اتفاقية الاستقلال.
وفي 29 نوفمبر غادر مدينة عدن آخر جندي بريطاني، وإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر عام 1967م عن الاستعمار البريطاني، وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.