تبادلوا التهاني بالمناسبة وتحدثوا عن الثورة ولم يشيروا إلى الاحتلال البريطاني لا من قريب ولا من بعيد
في الذكرى الـ59 لثورة 14 أكتوبر.. المرتزقة لا يحتفلون بالثورة ضد الاحتلال البريطاني ويحولون 14 أكتوبر إلى مناسبة دعائية للمحتلين الجدد
اقتحموا قاعة في عدن كانت مخصصة لإقامة فعالية بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لثورة 14 أكتوبر
غليان ومظاهرات شعبية في حضرموت في ذكرى ثورة أكتوبر
احتفل اليمنيون يوم أمس بالذكرى التاسعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر التي انطلقت شرارتها عام 1963 ضد الاحتلال البريطاني الذي احتل المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، مرت المناسبة في ذات المناطق التي رزحت تحت الاحتلال البريطاني مائة وعشرين عاما، وهي ترزح تحت محتل بغيض يحتل هذه المحافظات ويحكمها بواسطة مليشيات عميلة من المرتزقة والعملاء.
مرت الذكرى التاسعة والخمسون لثورة أكتوبر المجيدة وسط تحديات تواجه السيادة الوطنية في المناطق المحتلة ذاتها، احتفل اليمنيون بالمناسبة واستذكروا معانيها ومضامينها، لكن المرتزقة حولوها إلى مناسبة دعائية لترويج وطنية المحتلين الجدد، وتغليف خياناتهم وعمالتهم بعناوين وطنية زائفة.
الثورة / عادل محمد باسهيل
وتبادل كبار المرتزقة التهاني ونشروا رسائل وخطابات في صفحاتهم ومواقعهم بمناسبة ثورة 14 أكتوبر، لكن لا أحد منهم أشار إلى الاحتلال البريطاني في كل تهانيهم، واقتصرت التهاني على المباركات الفارغة، وعلى سرد دعاياتهم ضد المكونات الوطنية التي تجابه تحالف العدوان والاحتلال وتقاتلهم في جبهات الشرف والكرامة دفاعا عن اليمن وفي سبيل تحريره وفرض السيادة الوطنية على كامل ترابه.
وفي عدن – التي تخضع لسلطات غير وطنية تتجند لصالح المحتلين الجدد – اقتحمت مليشيات المرتزقة التي تسمي نفسها بالمجلس الانتقالي قاعة كانت مخصصة لإقامة فعالية بالمناسبة الثورية التي حررت عدن ومحافظات الجنوب والشرق اليمني من الاحتلال البريطاني البغيض ، في المقابل شهدت حضرموت مظاهرات وغليانا أمنيا وشعبيا واسعا في سياق ما تشهده تلك المحافظات من اضطرابات وصراعات بين العملاء أنفسهم وترد في الأمن والخدمات.
وفي حين يرفع المرتزقة صراخهم بالثورة اليمنية الوطنية، يتجندون تحت مظلة الاحتلال البغيض الذي يقتطع أجزاء من وطننا ويمارس عليه نفوذه وينهب الثروات وينشئ القواعد العسكرية، وتحت هذا التحالف العشريني الذي تشترك فيه بريطانيا وأمريكا والسعودية ودويلة الإمارات ودول أخرى ، تخلقت عدد من المليشيات التي لا تخضع لإرادة وطنية بل تعمل كأدوات للمحتلين على الأرض.
منذ منتصف القرن الرابع عشر الميلادي كانت عدن والجنوب بشكل عام، محط أطماع الكثير من الإمبراطوريات الاستعمارية التي تسعى لإرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، لكن ورغم كل المحاولات التي انتهت بسقوطها في براثن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وضمها لسلطة التاج البريطاني في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، لم يكن أكثر المتشائمين يتخيل أن عدن والجنوب اليمني سيسقط ويتم احتلاله من قبل دويلة مثل الإمارات المولودة بعد عشرين عاما، من استقلاله وتحرره وانتصاره على دولة عظمى بحجم بريطانيا.
التاريخ لا يعيد نفسه
«التاريخ يعيد نفسه» قد تكون هذه المقولة ترجمة لواقع ما يشهده العالم من أحداث ومتغيرات، لكن واقعيتها في اليمن تختلف عن كل ما شهده ويشهده العالم عبر التاريخ وخاصة في ما يتعلق بما شهدته من غزو واحتلال.
وإذا كانت اليمن وتحديدا مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية قد تعرضت للكثير من الحملات وعرفت الكثير من أنواع الاحتلال والمحتلين عبر التاريخ إلا أن ما تشهده اليوم من غزو واحتلال يبدو مختلفا تماما عما عرفته وعرفه العالم، بل انه يمثل حالة لا يمكن أن نقول فيها إن التاريخ يعيد نفسه وإن قوى الاحتلال عادت مجددا، لان ما يحدث اليوم بعيد كل البعد عما حدث بالأمس.
الجنوب بين احتلالين
احتلال الأمس البريطاني الذي بدأ بالسيطرة على مدينة عدن ورغم كل ما حمله من أجندات توسعية، لم يتجه لتمزيق الجنوب أو تقسيمه إلى كنتونات ودويلات صغيرة كما يفعل احتلال اليوم الإماراتي الذي ينفذ سياسات تستهدف تمزيق الجنوب وإخضاع وإذلال سكانه وتدمير الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي من خلال إثارة النعرات المناطقية والجهوية وتغذية الصراعات واستهداف كل قيم ومبادئ التعايش واستبدالها بمفاهيم وقيم دخيلة أنتجت مجتمعا متصارعا متعدد التوجهات، في ظل وجود كيانات سياسية هزيلة تدار من قبل قوى الاحتلال تتجه بالجنوب نحو التقسيم والتفتيت.
عدن عاصمة الفوضى
مدينة عدن التي كانت تسمى في الأمس البعيد «درة التاج البريطاني» ومثلت العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية في الأمس القريب، وعرفت بثغر اليمن الباسم، لم تعد مبتسمة اليوم، وما بين مشاريع الفوضى وجدت مدينة عدن المسالمة نفسها مثقلة بالمعاناة والمآسي والفوضى.. ولأن عدن تظل الحاضرة الأولى لكل ما حولها سقط الجنوب في جحيم الصراع وتحولت مدنه وقراه إلى متاريس وخنادق وبنادق تصوب فوهاتها إلى قلب عدن التي تنزف دما ودموعا وتتوجع دون اكتراث من طرفي الصراع اللذين حولت مشاريعهما الفاشلة المدينة إلى غنيمة ينظر إليها المتصارعون كمساحة يسعى كل طرف للاستيلاء والسيطرة عليها لتأكيد انتصاره على الطرف الآخر.
عدن.. وجع الأحلام
في يوليو من العام 2015م رسمت وسائل إعلام العدوان وأدواته صورة لمدينة عدن أكثر جمالا وازدهارا مما ينتظره ويتخيله السكان لمدينتهم عدن، وجعلتهم، بل وجعلتهم يعتقدون أن دخول قوات الاحتلال الإماراتي يعني دخول المدينة في عصور من الازدهار والرخاء، وأن قوات الاحتلال الإماراتي جاءت لتصنع «دبي» جديدة في عدن، لكنهم سرعان ما رأوا أحلامهم تحترق بفوهات البنادق والمدرعات الإماراتية وتداس تحت جنازير دباباتها وتتبخر وتتلاشى في ظلام ليالي عدن الحالكة السواد، وأن قوات الاحتلال جاءت لتدمر عدن وتصنع مليشيات وأدوات قتل تستهدف المواطنين وتحول بندر عدن إلى قرية مثقلة بالفقر والبؤس والحرمان، تتجسد فيها صورة دبي في القرن التاسع عشر.
مدينة عدن ومنذ ست سنوات تعيش كغيرها من المحافظات المحتلة أوضاعا إنسانية غاية في السوء، بسبب انهيار وانعدام الخدمات الأساسية والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وانتشار الأوبئة والأمراض الفيروسية المختلفة، التي تفتك بالمواطنين الذين يصطادهم الموت في الطرقات وخلف جدران المنازل.
وفي الوقت الذي تزداد معاناة المواطنين ارتفاعا وتزداد الأوضاع المتردية تفاقما، تحول ملف الخدمات إلى فتيل أشعل حربا تصاعدت وتيرتها، بين مرتزقة الرياض ومرتزقة أبوظبي، لكن معارك هذه الحرب ظلت تستهدف المواطنين وتفتك بهم، وتضاعف معاناتهم وأوصلتهم إلى مرحلة لم يعودوا يدركون عن أي المستحيلات وأولويات الحياة يبحثون، هل عن الخبز المغمس بالمرارات أم عن الخدمات والراتب أم عن الحرية المسلوبة أم عن الأمان الضائع في ميادين الصراعات المتواصلة بين أدوات ومرتزقة العدوان.
أدوات الاحتلال الجديد
اليوم وفي الذكرى الذكرى الـ 59 لثورة الرابع عشر من أكتوبر يمكننا القول إن بريطانيا وأدواتها المتمثلة في السعودية والإمارات لم تعد في حاجة لحشد جيوشها لغزو عدن، ولم تعد في حاجة لسفينة مثل «ماريا دولت» لتبرير حملتها وهجومها البحري على المدينة، ليس لعدم قدرتها على تجهيز جيش يبسط نفوذها في محافظات الجنوب اليمني، وإنما لأنها أصبحت تمتلك جيشا محليا ومليشيات تجتهد وتتسابق من أجل خدمتها وتنفيذ مشاريعها التوسعية.
في العام 1839م جاءت بريطانيا بجيوشها وأساطيلها البحرية لاحتلال عدن وفرض نفسها على اليمنيين كسلطة بقوة السلاح ومن ثم بسط نفوذها وسيطرتها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، أما اليوم فجاءت بريطانيا والمحتلون الجدد بطلب واستدعاء من أدواتهم المحليين الذين يدينون لهم بالولاء وجندوا لخدمة دول الاحتلال عشرات الآلاف لتمكينها من السيطرة على البلاد وتنفيذ مشاريع المحتل التوسعية.
جاءت السعودية والإمارات ومن ورائهما بريطانيا وأمريكا لاحتلال الجنوب اليمني تحت شعار تحريره من اليمنيين أنفسهم وإعادته إلى الوصاية والهيمنة الأجنبية ومصادرة حريته واستقلاله السياسي، وما بين ما ترفعه أدوات الاحتلال من شعارات وما يتم تنفيذه على أرض الواقع تم إسقاط المحافظات الجنوبية وإخضاع المواطنين فيها لإرادة دويلة الاحتلال الجديد.
أطماع أمريكية بريطانية
ربما احتاجت دوائر السياسة الغربية زمنا طويلا لإعداد ووضع المخططات والمشاريع التوسعية في اليمن، وتهيئة وإعداد وتأهيل دول الجوار الجغرافي لتنفيذ فصلها الأول، إلا أن ما حرصت دول الهيمنة والاستكبار العالمي على إخفائه سرعان ما تكشف واتضحت خفاياه وأبعاده، وأثبتت الوقائع أن مزاعم تحالف العدوان لم تكن سوى غطاء لإخفاء أكبر مؤامرة تستهدف احتلال اليمن وتدمير وتمزيق دولته وكيانه السياسي والجغرافي.
الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اللتان حرصتا -منذ بدء العدوان على اليمن- على إقناع العالم بأن علاقتهما مع السعودية والإمارات وأطماعهما المرجوة من وراء هذه الحرب العدوانية تتوقف عند حدود تجارة السلاح وتزويد الدولتين المعتديتين باحتياجاتهما من الأسلحة والمعدات والأجهزة العسكرية، لم يلبثا طويلا حتى برزت أطماعهما وأهدافهما الحقيقية التي أثبتت أن السعودية والإمارات لم تكونا سوى ورقتين في لعبة تديرها وتمتلكها أمريكا وبريطانيا.
تدخلات عسكرية
يبدو الشريكان الغربيّان الرئيسان لتحالف العدوان على اليمن، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكأنهما في سباقٍ مع الزمن خشية تسارع الأحداث وامتداد الإنجازات السياسية والميدانية التي تحقّقها صنعاء على الأرض إلى مكانٍ تضيق فيه الفرص أمام تحالف العدوان وأدواته، وهذه الإنجازات دقّت ناقوس الخطر لدى واشنطن ولندن، ما دفع الأخيرة تحديداً إلى الانخراط في حلقٍة جديدةٍ من مسلسل مشاركتها في الحرب وتعزيز وجودها في المواقع الاستراتيجية اليمنية، وتحديداً في السواحل والجزر والممرّات البحرية، تمهيداً للسّطْو على نفط البلاد وغازها وثرواتها الطبيعية الأخرى، في ما يمثّل تجلّياً للحنين إلى الاستعمار الذي ما يزال يحتل الأولوية في السيناريوهات والأجندات البريطانية.
وهذا الأمر بدا أكثر وضوحا بعد قدوم قوّة أمريكية إلى محافظة حضرموت وقدوم قوة عسكرية بريطانية إلى محافظة المهرة، في أعقاب استهداف الناقلة الإسرائيلية «ميرسر استريت» قبالة المياه العمانية في بحر العرب، والذي أثبت أنّ المملكة المتّحدة تُواصل احتلال موقع الصدارة في الانخراط الغربي في العدوان على اليمن، في إطار عمليّة انتشارٍ أوسع تشترك فيها لندن وواشنطن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وصولاً إلى خليج عدن، ما يشير إلى أن بريطانيا اتجهت لترجمة سياساتها التوسعية في المنطقة والتي من ضمنها تعميق التواجد البريطاني في آسيا بدوافع أمنية وعسكرية، ولو تحت ستار ذرائع كاذبة لتبرير التدخّل العسكري الهادف إلى تثبيت الهيمنة مباشرةً أو من خلال دعم الأنظمة القمعية.
مخططات وأجندات توسعية
في الوقت الذي يحتدم الصراع بين أدوات الاحتلال في المحافظات الجنوبية، تصاعدت وتيرة التواجد والحضور الأمريكي والبريطاني في السواحل الشرقية وبحر العرب، ما يشير إلى أن لدى الأمريكيين والبريطانيين سيناريوهات توسعية جديدة تحاكي ما بدأته قبل سنوات عديدة وتسعى تحت غطاء محاربة الإرهاب إلى إيجاد المبررات التي تمنحها مشروعية التدخل وإدارة العديد من الملفات السياسية والعسكرية.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشفت -أواخر العام 2020- عن مخططات وأهداف أمريكية تقف وراء دعم واشنطن لسيطرة السعودية على محافظة المهرة وسيطرة الإمارات على أرخبيل سقطرى، تتمثل في احتواء النفوذ الصيني في المنطقة، مشيرة إلى أن حرص واشنطن على إيجاد تفاهمات بين دول الخليج وإسرائيل، يأتي في إطار مخططها لخلق تحالف أمني بحري، يستهدف السيطرة على ممرات التجارة الدولية في البحر العربي ومدخل الخليج، ومضيق باب المندب.