فيما يراد لها أن تبقى معلّقة بين اللا سلم واللا حرب من أجل تحقيق مكاسب دولية على حساب اليمنيين
الهدنة اليمنية والسياسة الأمريكية.. هل تدفع واشنطن الحلفاء إلى الندامة؟
فيما يتمسك المجلس السياسي الأعلى بموقفه الرافض لتمديد الهدنة دون الموافقة على البنود الإنسانية المرتبطة بالمواطن اليمني، يصر العدوان بقيادة أمريكا على المراوغة حينًا واللوم حينا ثانيا واللعب على الورقة العسكرية حيناً آخر، وبين الموقفين تحاول الأمم المتحدة عبر مبعوثها العثور على عصا موسى لتتمكن من تمرير اتفاق مؤقت بين صنعاء والرياض يقضي بوقف المواجهات لشهرين آخرين أو لستة أشهر دون الالتزام بتعهداتها أمام شعب يقاتل من أجل حريته وحقوقه منذ قرابة الثمان سنوات.
الثورة / عبدالقادر عثمان
ستة أشهر مضت منذ دخول الهدنة الأولى في اليمن حيّز التنفيذ برعاية أممية، غير أنها وللمرة الثالثة لم تحقق لليمنيين أدنى التطلعات؛ إذ لا يزال مطار صنعاء الدولي مغلقا عدا عن رحلتين أسبوعيتين مشروطتين إلى العاصمة الأردنية عمّان، فيما تستمر القرصنة التحالفية على سفن المشتقات النفطية القادمة إلى م يناء الحديدة لفترات متفاوتة مع خروقات يومية لوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية في جبهات عدة.
طريق مسدود
الوفد الوطني المفاوض أشار في بيانه الأخير مطلع ربيع الأول الجاري إلى أن التفاهمات مع تحالف العدوان بشأن تمديد الهدنة لأشهر إضافية وصلت إلى طريق مسدود، موضحًا أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة والحرص على عدم تفويت أي فرصة تقود نحو السلام كان وراء استمرار الهدنة وتمديدها الأول والثاني رغم الخروقات اليومية من قبل الجانب الآخر، مبيّنا “لم نلمس أي جدية لمعالجة الملف الإنساني كأولوية عاجلة وملحة، وللأسف اتضح أن دول العدوان بعد أن استنفدت كل أوراقها لم يعد أمامها إلا استهداف معيشة الشعب اليمني باعتباره الوسيلة الأسهل لتركيع الشعب واستخدامها كتكتيك عسكري وأداة حرب للضغط عليه”.
حقوق مغتصبة
في هذا الجانب كانت صنعاء قد اشترطت “صرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين في عموم اليمن، إضافة إلى إنهاء الإجراءات والقيود التعسفية التي تفرض على سفن المشتقات النفطية والسماح بدخول السفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية، وتوسيع وجهات السفر، وكذلك معالجة ملف الأسرى والمعتقلين، وفتح الطرق في تعز وعموم المحافظات اليمنية وغيرها من القضايا الأخرى” بحسب البيان.
لم ترق للطرف الآخر تلك المطالب الإنسانية والقانونية، فراح يساوم بين الموظفين اليمنيين مدنيين وعسكريين ومتقاعدين فيما يتعلق بصرف المرتبات دون تمييز بين محافظة وأخرى، على الرغم من بسط نفوذه على منابع الثروات النفطية والغازية منذ العام 2016م، والتي كانت تشكل 90% من موارد الدولة قبل العدوان.
أموال مهدرة
وكانت قناة المسيرة قد كشفت عن وثائق مسربة عن قيادة المرتزقة أن موازنة ما تسمى “وزارة الدفاع” في حكومة المرتزقة للعام 2022م بلغت تريليوناً و237 مليار ريال، بزيادة ما يقارب 400 مليار ريال عن موازنة وزارة الدفاع في العام 2014م، رغم أنها اليوم لا تمتلك حتى 20% من عدد منتسبي الوزارة في العام 2014م، ما يدل على حجم التبذير والإهدار لثروة وأموال اليمنيين في ظل حرمان موظفي الدولة من مرتباتهم لأربعة أعوام.
في ذلك الصدد ظهر مبعوث البيت الأبيض إلى تحالف العدوان ومرتزقته تيم ليندركينغ أمس الأول، بلغة استعلائية عدائية واصفًا شروط التمديد المطروحة من قبل الوفد الوطني بالـ “مبالغ فيها والمستحيلة”، في توجه يعكس الدور الأمريكي في خلق معاناة وتجويع وقتل اليمنيين.
محاولات التضليل المستمرة من قبل البيت الأبيض وأذرعها العالمية تبيّن أهمية القرار الذي اتخذته صنعاء تجاه الهدنة في هذا التوقيت، فمنذ انتهائها في الثاني من أكتوبر الجاري، لم يغب صوت أمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن الحدث، وفيما تحاول أمريكا تقديم نفسها كوسيط في اليمن، يبحث وزير دفاعها لويد أوستن مع نظيره السعودي خالد بن سلمان، تعزيز التعاون العسكري بين البلدين والشراكة الاستراتيجية، كما أوضحت تغريدة لابن سلمان على حسابه في موقع التدوينات القصيرة (تويتر)، فيما تسمي خارجيتها التحذيرات الصادرة من القوات المسلحة اليمنية بغير المقبولة.
الهدنة من أجل من؟
عبثًا تحاول أمريكا خلط الأوراق في اليمن لتبقي المواطن معلّقا بهدنة لا تحقق تطلعاته، فهي في الوقت الذي تحسب فيه ألف حساب للغة صنعاء المعادية لمشاريعها التوسعية الاستيطانية تحسب حساباتها من مآلات الحرب بين روسيا والغرب في أوكرانيا. هذا التشتت بين الخيبات المتتالية التي تتلقاها السياسة الغربية هو عامل من عوامل الإخفاق السياسي والدبلوماسي لأمريكا العجوز كما يراها الخبراء.
لقد خفت صوت أمريكا الاستعلائي أمام خصومها وأتباعها على حد سواء، ففي الوقت الذي تعاني فيه من الحرج جراء فشل أياديها في الحرب أمام روسيا وانعكاس عقوباتها على روسيا ضد معاونيها وتخلفها عن الوفاء بالتزاماتها لأوروبا بشأن إمدادات الطاقة مع اقتراب فصل الشتاء، تحاول اللجوء إلى التهدئة في حربها التي يخوضها التحالف بالوكالة في اليمن، حرصا على تأمين منابع النفط في دول الخليج من نيران صواريخ اليمن الباليستية والمجنحة، وأملًا في تغطية العجز الذي أحدثته الحرب والعقوبات على روسيا.
جنون إمبريالي
لم ينتظر اليمن ما يقرره الآخرون بشأنه، إذ سارع رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط إلى توجيه اللجنة الاقتصادية العليا بتحرير خطابات إلى الشركات العاملة على نهب ثروات اليمنيين بالامتناع عن نهب الثروات، فيما وجهت القوات المسلحة نداءً للمستثمرين في دول العدوان بسرعة مغادرتها ونقل استثماراتها إلى دول غير معتدية كون الأولى أصبحت غير آمنة.
هذا الخطاب أثار جنون الأمريكان كونه يأتي في وقت قاتِل تحرص فيه أمريكا وأياديها في دول التحالف على إبقاء الوضع في اليمن متأرجحا بين السلم والحرب واللا سلم واللاحرب، أملا في إعادة ترتيب صفوف مرتزقتها وإصلاح الخلافات والصراعات بين أجنحة ما يعرف بـ “مجلس القيادة الرئاسي” – حديث الولادة – لإعادة تفعيلها من خلال تصعيد عسكري جديد متى أتيحت لهم الفرصة.
التطورات العالمية الجديدة تقضي على آمال أمريكا يومًا تلو آخر، فمع ضم موسكو أربع مقاطعات أوكرانية إلى روسيا بشكل رسمي، تأتي الصفعة الأقوى من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+) بخفض إنتاج النفط مليوني برميل، في الوقت الذي تطالب فيه البيت الأبيض برفع معدل الإنتاج.
وفي اليمن تفشل في فرض تمديد الهدنة وفق هواها، الأمر الذي يهدد منابع النفط والاستثمار في دول العدوان، ما جعلها تعود إلى الأمم المتحدة لتقوم هي الأخرى بدفع مبعوثها إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى إيران للحصول على ضمانات من طهران بعدم التصعيد في اليمن، متجاهلة أن قرار صنعاء بيد المجلس السياسي الأعلى وليس بيد أي طرف آخر.
هل من حل؟
بلغة دبلوماسية عالية الإتقان، ألقت القيادة اليمنية بالكرة في ملعب تحالف العدوان، خاصة أن وسائل إعلام تلك الدول ومرتزقتها يلعبون على الورقة الإنسانية، فإذا ما أراد الحلفاء استمرار الهدنة فشروطها واضحة تقبل الزيادة لا النقصان، وإذا كان للإنسان من وجود في قاموس المعتدين فليس ثمة فرصة أفضل من هدنة تلبي تطلعات الشعب وتحقق طموحات أبنائه.
وفي حال استمر مسلسل اللعب على المشاعر ومحاولة الالتفاف على مطالب اليمن، فليس أقل من أن تعيش دول العدوان ومرتزقتها ما يعيشه اليمنيون منذ ثمان سنوات؛ فالعروض العسكرية التي أقامتها القوات المسلحة وما كشفت عنه من خبايا القدرات العسكرية يمنية الصنع، أعلن عنها بصراحة على لسان العميد يحيى سريع- المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، وأنها جاهزة للتفعيل وستدخل الميدان عقب انتهاء الهدنة.
الأيام التي تلي انتهاء الهدنة تمضي ببطء شديد، ربما تجعلها كذلك الأحداث والنداءات والأصوات العالية التي تتوافد أنباؤها بين لحظة وأخرى، وكلما مضت عقارب الساعة يرتفع صوت قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي وهو يردد كلمته الشهيرة شديدة اللهجة “سيندمون” بالإشارة إلى عاقبة تفريط دول العدوان إزاء مبادرة صنعاء، “وإن غدًا لناظره قريب”.