الثورة /
اليمن بموقعها ومكانتها في الدين وخصوصية قربها وصلتها برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، في صدارة شعوب الأمة الإسلامية، ولذا لا غرابة أن تكون مظاهر الاحتفال والابتهاج بمولد رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بهذا الزخم وبهذه القوة ، على كافة المستويات قيادة ً وحكومة ً وشعباً ، الجميع يستحضر في واقعه وفي مجتمعه وفي نفسه أن ميلاد الرسول الأعظم ، هي المحطة التي يتقربون بها إلى الله ، ويجددون الولاء لرسول الله ، اقتداءً ، وتأسياً ، بقيم الرسالة ومبادئها العظيمة .
في اليمن ، ستجد طرقات وشوارع وحارات اليمن ومجمعاته قد اكتست اللون الأخضر، ( لباس أهل الجنة ) الذي يليق بعظمة التسليم والتعظيم والتوقير لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، من أهل اليمن بيوتهم وسياراتهم مضيئة ، وفرحتهم فاقت وصف الفرح ،
إن ميلاد الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ليست مجرد ذكرى عابرة في حياة اليمنيين ، بل هي مناسبة الإحياء للدين ، وتجديد الولاء والتسليم لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، في الإتباع والنصرة والجهاد في سبيل الله ، وإحياء للقيم والتراحم والتكافل والإحسان.
مظاهر الاحتفال بالميلاد في اليمن استثنائية وأجواؤها أكبر من أن توصف وفي هذه المناسبة العظيمة تقام المجالس ويلقى فيها تواشيح الذكر لله ولرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، ودروس من سيرته العطرة ، التي تذكر بمكانته ومواقفه ، كما أنها خاصة جداً عند اليمنيين لأنها مناسبة الإحسان بالنسبة لهم ، حيث يبادر الجميع في إقامة الولائم ، وإطعام المساكين ومواساة الفقراء ، وزيارة الأرحام .
احتفالات اليمنيين بالمولد النبوي الشريف نموذج الصدارة في المحبة والولاء قديماً وحديثاً:
تتصدر احتفالات اليمن في ذكرى المولد النبوي الشريف كل المظاهر الإحتفالية في الدول العربية والإسلامية ، فما أن يدخل شهر ربيع الأول ، الا وتعلن حالة الاستنفار، وتتوافد الحشود الجماهيرية الغفيرة إلى ساحات العاصمة صنعاء، وكل الساحات في المحافظات ، للاحتفال الكبير الذي يستمر من الصباح وحتى المغرب ، ثم تنتقل الحشود إلى المساجد وترفع أصواتها بالصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، ليكون بحق يوماً من أيام الله ، هؤلاء هم أنصار رسول الله ، الذين ينظرون إلى المولد النبوي بأنه عيدهم الأول في الماضي والحاضر، وكان أحد أهم المناسبات والأعياد الرسمية في اليمن شمالاً وجنوباً .
، إلا أنه أُهمل بشكل متعمد بعد فترة حكم الرئيس الحمدي ، وتوقفت مناسبة المولد وتعرضت الاحتفالات بها للقمع خصوصاً بعد تغلغل المد الوهابي وأفكاره الدخيلة على الدين ، التي حاربت كل مظاهر التعظيم لشعائر الله والتقديس للنبي صلوات الله عليه وعلى آله ، والأئمة والأولياء، على افتراض أن هذه الشعائر والمناسبات بدع ومناسبات شركية. هذا الفكر الذي خاض معركة الصراع مع كل المذاهب في اليمن التي تعايشت على مدى قرون من الزمن .
يؤكد باحثون ، المد الوهابي في اليمن هو الذي صدر مخططات تآمرية على المذاهب اليمنية وأثارت نزعة الخلاف السياسي الذي انتهى بالتدخل العسكري الذي قادته السعودية لإخضاع المجتمع اليمني وإعادة صياغة موقفه الثقافي وولائه السياسي للمملكة السعودية وشيوخ الوهابية في نجد ، بمساعدة النظام السابق الذي فتح المجال لدعم الحركة الوهابية -والسماح بتغلغلها في مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية- ومنع الفعاليات الجماهيرية لمناسبات المولد استجابة للتوجهات السعودية، وأصبح للنظام موقف من كل حراك إسلامي أصيل بعد توقيع اليمن اتفاقية مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2000م، وخلال الحروب الست الظالمة وصل الأمر إلى حظر النظام الاحتفال بعيد الغدير وذكرى استشهاد الإمام زيد وذكرى استشهاد الإمام الحسين عليهم السلام.
وظل أي نشاط علني للمولد النبوي مقموعاً في أوساط المجتمع ، واستمر اليمنيون في إحيائه في المساجد وبشكل غير معلن في المنازل .
العودة اليمنية للاحتفال بالمولد النبوي
بعد ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر وضعت القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه هذه المناسبة في صدارة كل المناسبات الدينية والوطنية لتعود كل مظاهر الإحياء للاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، باعتباره جزء أصيل من المشروع القرآني الذي أعاد اليمنيين للارتباط الروحي والإيماني بشعائر الله وتعظيمها ، لتكون مرحلة ما بعد الثورة أهم المراحل التي أعادت اليمنيين للارتباط برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله .
وبحسب تقارير سابقة، فقد أثبتت مناسبات المولد النبوي من بعد ثورة ٢١ سبتمبر حقائق جديدة، كانت مغيبة، فجاءت الثورة لتعلن عنها، وهي حقيقة رفض اليمنيين للوهابية وحنينهم إلى الإسلام المحمدي الأصيل؛ فطوال فترة تسيّد الوهابية في اليمن وقمعها للمناسبات والأنشطة والطقوس الروحية والمدارس الإسلامية المختلفة، طوال هذه المرحلة كان يتبلور موقف إسلامي يمني مضاد للوهابية، ومع اشتداد جرائم الجماعات التكفيرية على طول البلاد وعرضها دخل “الإخوان” في صراع مباشر مع الشعب ضد الثورة في المرحلة الأولى ثم إلى جانب العدوان ضد الثورة والشعب والوطن عموماً في المرحلة التالية، في مقابل هذا الطغيان الوهابي والجرائم التكفيرية كان ينمو لدى اليمنيين موقف رفض الوهابية، والحاجة إلى العودة نحو الإسلام المحمدي الأصيل، هذه التغيرات في الوعي الاجتماعي كانت مخفية تحت ضغط القمع العسكري والسياسي والإجرامي الإخواني الوهابي السعودي الأمريكي.
مراقبون يرون بأن مبادرة اليمنيين في مختلف المحافظات للمشاركة في فعاليات المولد النبوي يعد بمثابة استفتاء شعبي وتصويت للإسلام المحمدي الأصيل والهوية الإيمانية اليمانية التي تجمع ولا تفرق، ورفض للوهابية السعودية والأفكار الدخيلة على المجتمع اليمني.
الارتباط الوجداني بالمولد النبوي وعلاقته بالثراء الفكري والفني
أصبح المولد النبوي الشريف مناسبة تفجرت فيها كل القدرات الإبداعية في مختلف المجالات الفنية والأدبية والفكرية في اليمن وأصبح إحدى المؤثرات البالغة في الوجداني والديني والشعري والفني والفكري ، إذ أنتجت هذه المناسبة إرثاً ثقافياً وفنياً كبيراً تمثل في العديد من القصائد والموالد والأناشيد والألحان الدينية من مختلف المدارس التراثية الأصيل وعلى مدار ثمان سنوات من عمر ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر ، التي كانت منطلق اليمنيين لإعلاء شأن هذه المناسبة العظيمة ، وتتويجاً لكل ذلك تتوشح اليمن بكل ما فيها باللون الأخضر ( لباس أهل الجنة ) لما له من دلالات دينية ، لتصبح اليمن الأرض الخضراء ليلاً ونهاراً.
قدم اليمنيون الكثير من الأعمال التي عززت ارتباطهم بالنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، تعظيماً وتأسياً واقتداءً ، وامتثالا لقوله تعالى ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرةً وعشياً ) ، صدق الله العظيم .