إبّان التمديد الأخير للهدنة الأممية الهشّة، مطلع أغسطس الماضي، لم يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن أي حرج في الثناء على دور النظام السعودي وولي العهد محمد بن سلمان تحديدا، في إبرام اتفاقية الهدنة دون أن يشير مجرد إشارة إلى ما يسمونه الحكومة الشرعية باعتبارها الطرف الآخر الذي يقابل صنعاء في مفاوضات السلام، كما يحاولون القول دائما.
-بين الفينة والأخرى تنسى واشنطن – ومعها أدواتها الإقليميون – وجود ذلك الكيان الغريب العجيب المتدثّر برداء الشرعية ويتجاهلونه تماما، ويتحدثون بشيء من المنطق حول حقيقة الحرب في اليمن وأطرافها الرئيسيين، لكنهم لا يلبثون طويلا حتى يعودوا من جديد للقول زورا وبهتانا، أن الهدنة شأن يمني خالص، وأن دول التحالف – ومن ورائها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها – ليسوا سوى وسطاء خير ورُسُل سلام، يتألمون لما يعانيه اليمنيون من تبعات وتداعيات هذا الصراع الداخلي المستعر بين فرقاء وخصوم البلد الواحد.
-تحالف العدوان الذي تحتّل قواته وجحافله أراضي اليمن وجزره ومياهه الإقليمية ويُحكم قبضته على ثروات البلد ومنافذه ومقدراته، منح مرتزقته في فنادق الرياض وأبوظبي صلاحيات التصريح والتقوّل باحتجازهم أو سماحهم لسفينة وقود، أو وصول رحلة تقلّ مرضى إلى مطار صنعاء أو مغادرته إلى الأردن وغير ذلك من الشؤون التي تمس حياة الإنسان اليمني، وحتى تلك التصريحات الفضفاضة يُشترط أخذ الأذن مسبقا من الأسياد قبل التفوّه بها، أما المهام الاستراتيجية لتمزيق الوطن وبث مزيد من الكراهية والبغضاء بين أبنائه فقد أوكلت إلى عيدروس الزبيدي ومليشياته المشحونة قبحا وعنصرية وكراهية لكل ما هو يمني، إذ أُعطي الصلاحيات والإمكانيات القانونية والعسكرية من خلال موقعه القوي فيما يُعرف بمجلس القيادة الرئاسي، ليمضي وحيدا في تنفيذ المخططات والأطماع دون وجود صوت معارض في تشكيلته الكسيحة والمهترئة.
-اليوم يدفع التحالف بقوة نحو إظهار مرتزقته الخانعين في موقع الند لصنعاء وبأنهم يمتلكون قرارات الحرب والسلام، في محاولات يائسة ومفضوحة تؤكد – بما لا يدع مجالا للشك – عدم وجود الرغبة الحقيقية لدى هذا التحالف في إرساء دعائم سلام حقيقي يعود بالنفع على كل دول الإقليم في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية وليس فقط على اليمن وشعبه المطحون.
-على واشنطن والرياض وأبو ظبي وكل المتحالفين إدراك حقيقة أن السلام يحمل مصالح حقيقية لشعوب المنطقة والعالم، وأنه آن الأوان للكفّ عن هذه الممارسات والألاعيب، والانتقال من تكتيك الهُدن المشبوهة إلى وقف شامل للعدوان، ومباشرة إيجاد الحلول الجذرية للمأساة الإنسانية والمعاناة المتفاقمة لشعب تكالب العالم ضده دون النظر إلى حقه في الحياة بعين الاعتبار.
-حتى ساعات مساء أمس الأحد – موعد كتابة هذا المقال وهي أيضا آخر ما تبقّى من رمق هدنة الشهرين – لم يظهر أي شيء رسمي عن مصير الهدنة، ما يعكس تململا واضحا من قبل تحالف العدوان، إزاء مطالب صنعاء الإنسانية، وفي مقدمتها مسألة صرف المرتبات التي يحاولون إظهارها على أنها معضلة معقّدة، لا يمكن معالجتها في وقت وجيز وأنها تحتاج إلى لجان فنية ومتخصصين وإلى المزيد من الإعداد والترتيب والنقاشات المستفيضة، وربما إلى شهور أخرى تُضاف إلى الستة الشهور الماضية من عمر الهُدَن المتعاقبة، بينما في حقيقة الأمر، هذه المرتبات حديثها وقديمها، لا تساوي قيمة صفقة سلاح تبرمها السعودية أو الإمارات مع تجّار الحروب من طواغيت العصر، كما لا تصل مجتمعة إلى مستوى ثلث أو ربع ما نهبوا وينهبون من ثروات اليمن النفطية والغازية.