قضى الحكم محل تعليقنا بأن المعيار الأساسي في ترقية القضاة هو معيار الكفاءة، وأن المعايير الأخرى كمعيار الأقدمية في الدرجة ومعيار المؤهل العلمي الأعلى ومعيار الأقدمية في التخرج ومعيار الخبرة القانونية السابقة، لا يتم تطبيقها إلا عند التساوي بين المرشحين للترقية في معيار الكفاءة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15 /4 /2014م في الطعن رقم (50977)، الذي ورد ضمن أسبابه:
((وحيث أن المادة (62) من قانون ألسلطة القضائية تنص على أن تكون ترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة على أساس درجة الكفاءة وعند التساوي فيها تراعى الأقدمية وتقرر كفاءة القاضي وأعضاء النيابة من واقع عملهم وتقارير التفتيش عنهم، ومقتضى ذلك أن الترقية تكون على أساس درجة الكفاءة، ولا تكون الأقدمية إلا عنصرا مرجحاً عند التساوي في الكفاءة، فالكفاءة بشكل عام لا تقتصر على عنصر الكفاءة الفنية وإنما على مجموعة عناصر يدخل فيها حسن السيرة والسلوك والنزاهة والاستقامة…إلخ، فتراعى الكفاءة وعند التساوي فيها تتم المفاضلة والترجيح بين المتساوين عن طريق الأقدمية في الوظيفة القضائية، فجهة الإدارة القضائية تقوم بالموازنة بين جميع تلك العناصر شريطة أن لا يصاحب هذه الموازنة مخالفة للقانون أو إساءة في استعمال السلطة)) وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الأتية:
الوجه الأول: تقدير كفاءة القاضي
أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن العنصر الأساسي المعتمد في ترقية القاضي هو تقدير كفاءة القاضي، لأن هذا التقدير يتضمن عناصر كثيرة ومتنوعة وشاملة تتم مراعاتها واحتسابها على هيئة درجات ، ومن تلك العناصر التي يتم احتسابها عند تقدير وقياس كفاءة القاضي الأعمال التي تم تكليف القاضي بها خلال فترة التقدير وأرقام القضايا والمسائل الأخرى التي فصل فيها أو قام بفحصها والملاحظات الفنية بشأن الأداء الموضوعي للقاضي وكيفية معالجة القاضي للقضايا، ومدى ما بذله من جهد وبحث، ومدى إلمامه بأحكام الفقه والقضاء، ونهجه في صياغة أسباب الحكم والمسائل، ويندرج ضمن تقييم القاضي في تقرير كفائته المظهر العام للقاضي ومدى التزامه بقواعد السلوك، ومدى عنايته والتزامه بالمواعيد، وكذا مشاركته في الدورات التدريبية ، والمخالفات الإدارية التي وقعت من القاضي أثناء فترة التقرير والتقدير ، ويتم تقدير كفاءة القاضي وفقاً لنماذج كثيرة وخطوات متعددة، وتحتسب درجات لكل عنصر من عناصر التقييم، وتخضع عملية تقدير كفاءة القاضي للدراسة والتمحيص والتظلم ومواجهة القاضي بذلك، مما يكفل سلامة تقدير الكفاءة وصحته، وفي ضوء معايير تقدير كفاءة القاضي الكثيرة والمتنوعة والشاملة التي تتناول الجوانب العلمية والعملية والفنية والشخصية للقاضي، وفي ضوء ذلك وعلى أساس الدرجات التي يحصل عليها القاضي تتم عملية تقدير كفاءة القضاة الى: ممتاز وجيد جداً وجيد ومتوسط ودون المتوسط.
الوجه الثاني: تحديد أقدمية القاضي
أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن الأقدمية معيار مرجح يتم اللجوء إليه عند تساوي القضاة المرشحين للترقية في معيار الكفاءة ، وفي هذا الشأن فقد بينت المادة (63) من قانون السلطة القضائية أن أقدمية القاضي تتحدد اعتبارا من تاريخ تعيينه أو ترقيته السابقة، حيث نصت المادة (63) على أن: (تحدد أقدمية القضاة وأعضاء النيابة العامة والمساعدين اعتبارا من تاريخ صدور قرار التعيين أو الترقية وإذا اشتمل قرار التعيين على أكثر من واحد يراعى الأعلى مؤهلاً، فالأقدم تخرجاً)، ومن خلال استقراء هذا النص نجد أنه قد اشتمل على ثلاثة معايير للترقية وهي معيار الأقدمية في الدرجة ومعيار المؤهل الأعلى ومعيار الأقدمية في تاريخ التخرج، على أن هذه المعايير الثلاثة جميعها ثانوية لا يتم اعتمادها أو تطبيقها إلا عند الترجيح بين القضاة المتساوين في تقدير الكفاءة.
الوجه الثالث: كيفية تطبيق معايير ترقية القاضي
بينت المادة (62) من قانون السلطة القضائية كيفية تطبيق معيار الكفاءة والأقدمية في الدرجة وأوضحت هذه المادة ان معيار الكفاءة هو المعيار الأساس وأن معيار الأقدمية ثانوي لا يتم تطبيقه إلا عند التساوي في الكفاءة بين القضاة المرشحين للترقية ، وفي المعنى نصت المادة( 62)على أن: (تكون ترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة على أساس درجة الكفاءة وعند التساوي فيها تراعى الأقدمية وتقرر كفاءة القضاة وأعضاء النيابة العامة من واقع عملهم وتقارير التفتيش عنهم)، ومن خلال استقراء هذا النص نجد أن المعيار الأساسي هو تقدير الكفاءة وان معيار الأقدمية معيار ثانوي لا يتم اللجوء إليه إلا عند تساوي القضاة في تقدير الكفاءة، وقد أوضحنا فيما سبق أهمية وشمولية تقدير كفاءة القاضي، ومن هذا المنطلق فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن المعيار الأساسي المعتمد في ترقية القاضي هو تقدير الكفاءة أما معيار الأقدمية فلا يتم تطبيقه إلا عند تساوي القضاة في تقدير الكفاءة، أما بالنسبة للمعايير الأخرى، فقد نصت المادة (34) من لائحة التفتيش القضائي على أن: (يكون التنافس بين المرشحين للترقية المتساوين في الأقدمية حسب تقدير كفاءتهم وتكون الأسبقية للترشيح لمن كان تقديره أعلى من غير الحاصل على المؤهل العلمي الأعلى طبقاً للضوابط التالية:
-أ- الدكتوراة ثلاث درجات – ب- الماجستير درجتان –ج- دبلوم الدراسات العليا درجة واحدة تكون أسبقية الترشيح للترقي طبقاً لما حصل عليه كل قاضٍ من الدرجات المخصصة – د- إذا تساوى قاضيان أو أكثر من المتنافسين على الترقي في الأقدمية والكفاءة والمؤهل العلمي تكون الأسبقية للترقي لمن لديه خبرة قانونية في مجالات مادية للعمل القضائي قبل تولية القضاء)، ومن خلال مطالعة هذا النص مع مطالعة نص المادة(63 ) من قانون السلطة القضائية السابق ذكره، نجد أن معايير المؤهل الأعلى والأقدمية في التخرج والخبرة القانونية السابقة، هي عبارة عن معايير ثانوية أو ترجيحية لا يتم تطبيقها إلا عند تساوي القضاة المرشحين للترقية في المعيار الأساس وهو معيار الكفاءة ، والله أعلم.
* الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء