العادة تهزم القانون أحياناً ..سائقون بلا رخصة قيادة .. ولا ضوابط !

 

لا يحدث أن يتعلم أحدهم قيادة السيارة بالجلوس في المقعد المجاور للسائق، ولا يعقل أن تزدحم الشوارع بسيارات يقودها من لا يملكون رخصة قيادة، كما أنه من الجنون أن تصبح الشوارع أماكن لتعلم قيادة السيارة بالمحاولة والتجربة، ولا ضوابط أو معايير تحكم المسألة؛ لذا لا تندهش إن وجدت حافلة مواصلات عامة يقودها طفل !
الثورة / سارة الصعفاني

اليمن يمتلك قانونًا للمرور منذ عام 1991م، وهو قانون لم يغفل شاردة أو واردة إلا وذكرها بالتفصيل، إلا أن قيادة السيارة في البلد ما تزال تحكمها اللامبالاة والاستهتار بأرواح الناس والممتلكات والمال العام، إذ لا أحد يسأل عن رخصة القيادة وحزام الأمان وبديهيات الالتزام بآداب الطريق وقواعد السير كأبسط أبجديات الحيطة والحذر من مخاطر الطريق المزدحم بسيارات يقودها هواة، ولا مجال لسرد أصناف المخالفات التي نعرفها جميعًا رغم قلة وجود كاميرات مراقبة وأنظمة لرصدها، وجميعها تعكس الجهل بقانون المرور وآداب الطريق، والتي توحي لكثرتها وعدد مرات اقترافها أنه لم يطلع عليها أحد، ومما لاشك فيه أن تطبيق القانون فجأة سيجعل الشوارع شبه خالية، فما بين سائق يحتفظ برخصته في أي مكان عدا سيارته وآخر لم يجددها منذ عقود، يقود الآلاف سياراتهم في شوارع رئيسية في قلب المدن وأطرافها وجبالها ومنحدراتها بلا رخصة قيادة، ولا علاقة للوضع الذي يمر به البلد بما يحدث.
على أن قيادة السيارة بلا رخصة لم يعد يلفت انتباه المجتمع أو رجل المرور وحتى الشرطة، بعد أن أصبح من لم يبلغ الـ 17 من العمر مسؤولاً عن حافلة مواصلات عامة يتجاوز عدد ركابها العشرة في شوارع رئيسية في العاصمة، وتمتد المشكلة إلى السيارة الخصوصي التي لم تعد ملكًا لصاحبها بعد أن تناوب على قيادتها كل أفراد العائلة، وأيًا كان عمر أحدهم وحالته الصحية، العقلية والنفسية.
ولن تحل المشكلة مدارس تعليم قيادة السيارة أو وضع رخصة قيادة في مكان ما بداخل السيارة لإعطائها لرجل مرور قد يطلب رؤيتها، إذ يجب أن يكون من يقود السيارة هو ذاته من يملك رخصة القيادة، كأحد المسلمات إذ أن الفكرة أعمق من التأكد فقط من كون السيارة ليست مسروقة !
على أن رخصة القيادة لا تضمن التزام السائق بالضوابط، لكن عدم امتلاك رخصة يجب أن يعد شروعًا في القتل، أوكحد أدنى تعمّد إخافة وإصابة المارة والسائقين وحتى رجل المرور الذي يقف أقرب إلى الطريق منه إلى برج مراقبته وتنظيمه لخطوط السير متنقلاً بين الشوارع إن خرج الوضع عن السيطرة في مفترق طرق، كنتيجة لتنافس سائقين على اجتياز إشارة حمراء أو تجاهل توجيهات رجل مرور يهتف ويلوح أن ” قف ” !
ورغم أن حوادث السير في جميع الدول تحدث بحكم الانفعالات والسرعة الزائدة والطرقات الواسعة، وخطوط السير المتشابكة، والسيارات المحدثة بقطع غيار غير ملائمة، والتنافس على نوع السيارة وموديلها وسنة التصنيع فضلاً عن تعاطي الممنوعات في دول ما، على أن من بينها التحدث في الهاتف أثناء قيادة السيارة، إلا أن الجريمة مضاعفة حين تشارك الحكومات في حوادث القتل دهسًا بعدم تطبيق القوانين وتعقيد الإجراءات أو المبالغة في الرسوم في ظل ظروف معيشية بائسة.
وتعد أنظمة ضبط المخالفات وقواعد السير وإرشادات وتحذيرات الطريق بعد الحصول على شهادة رخصة قيادة أو تجديدها شبه بديل لرجل المرور، لضمان النزاهة والدقة في الرصد إذ لا يصبح المعيار مغافلة رجل المرور أو عدم الالتزام في غيابه أو التحامل على سائق.
كما يجب أن تكون مدارس تعليم قيادة السيارة معتمدة وتحت إشراف إدارة المرور، وأن يمنع البدء بالتعلم من الشارع إذ يجب أن يكون لهذه المدارس مساحة للتطبيق العملي، فقيادة السيارة في الأساس ممارسة وقدرة على اتخاذ القرار والتصرف الجيد في اللحظة المناسبة، فرغم وجود رخصة قيادة سيحدث اللامتوقع وعلى السائق سرعة إنقاذ الموقف بأقل الخسائر الممكنة.
لذلك ووفقاً للمادة 24 من قانون المرور اليمني ” لا يجوز لأي شخص حاصل على رخصة تدريب على القيادة أن يسوق أية مركبة آلية إلا إذا كان بجواره معلم لديه رخصة قيادة لمدة لا تقل عن سنتين، كما يجب وضع لافتتين أثناء التدريب على القيادة تثبت إحداهما في مقدمة السيارة والأخرى في مؤخرتها يكتب عليها بخط واضح بالمداد الأحمر كلمة ( يتعلم ). كما أنه ” لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتدريب أي شخص آخر على القيادة مالم يكن لديه رخصة قيادة لا تقل مدتها عن سنتين سارية المفعول “، وفي دول يشترط وجود مقودين حتى يستطيع مدرب السواقة منع وقوع حادث ما.
ووفقاً لقانون المرور أيضًا يجب على السائق حمل دفتر رخصة السير معه عند قيادة السيارة، ولرجال الشرطة والمرور الحق في طلب تقديم دفتر الترخيص في أي وقت ويجب على السائق أو المالك المسؤول عن المركبة الآلية تقديمه وقت الطلب.
على أن القانون وحمايته ليس سوى جزء من الحل إذ أن الوعي والرقابة الذاتية هما الأساس في طرقات على امتداد وطن، ما يفرض العمل على حملات التوعية بمخاطر الطريق وإجراءات السلامة من الحوادث.
وقد يكسب الوعي الرهان وإن تسيدت العشوائية في قيادة السيارات مجتمعًا بأكمله وليس من أحد إلا وكان متضررًا أو مخالفًا .. جانيا وضحية، بات من الممكن وعلى خلاف المتوقع التقيد بقواعد السير المقترنة أساسًا بآداب الطريق والتعاون مع الآخرين والتي لا تخلو من المنطق أيضًا.
وتأتي أزمة المشتقات النفطية أيضًا داعمًا للتقيد بقواعد المرور، إذ أن اعتبار الشارع مساحة للوصول إلى الوجهة دونما اعتبار للسائقين الآخرين والمارة والمواشي يجعل من الطرقات ساحة للأنانية والتنافس على الوصول أسرع دونما التفات للأرواح والممتلكات والمال العام.
اجرائيًا يمكن الحصول على رخصة قيادة بسهولة الحصول على رقم وطني ” بطاقة شخصية ” إذ تصدر سلطة الترخيص والتسجيل شهادة تسجيل مكتوب عليها معلومات السيارة رقم تسجيلها ولونها وسنة صنعها، ونوعها وتاريخ انتهائها، وتعطى مهلة 15 يومًا فقط عند انتهاء مدة الترخيص، ولم يغفل القانون إجراءات نقل ملكية السيارة وفي حالة الوفاة، على أنه يجب فحص السيارة حسب نوعها بعد مرور سنة إلى 5 سنوات.
وتتباهى الدول برخصة القيادة كجواز السفر، حيث عدد الدول التي تعتد بها، إذ أن الرخصة الألمانية مطلوبة إلى جانب الشهادة الدولية في بعض الدول للثقة بكفاءة مدارس السواقة المرخصة وإجراءات الحصول على شهادة القيادة، على أن يجري الامتحان النظري والعملي هيئة مستقلة بعد إحضار فحوصات النظر، وشهادة الإسعافات الأولية وموافقة إدارة المرور على منح الرخصة.
وتتكون الدروس النظرية من 12 درسًا مدة كل درس 90 دقيقة وبعد سنة في حال النجاح في الامتحان النظري يخضع المتعلم لاختبار عملي بعد أن قاد السيارة تطبيقياً لمدة 24 ساعة موزعة ما بين طرق ريفية وساعات ليلية وخطوط سريعة، على أن الفشل كليًا أو جزئيًا يمنعه من الحصول على الشهادة، ما يدفع المتعلم للتعامل جديًا وإلا إعادة الاختبار، كما أن من البديهيات التي تؤخذ بعين الاعتبار أن لا يكون محكومًا عليه لجريمة ارتكبها.
وإجمالاً لم يفت الأوان بعد لضبط مسألة القيادة بلا ترخيص يضمن الحد الأدنى من المسؤولية، كما حدث مع حملتي ترقيم المترات وجمركة السيارات، إذ يجب أن يلزم سائقو السيارات بالخضوع لاختبار كفاءة في القيادة وبرسوم رمزية مع حملة تجديد لرخص القيادة وإصدارها، لتأتي بعد ذلك مرحلة تعميم قانون المرور إذ لا تكفي الرخصة والكفاءة في قيادة السيارة في ظل الجهل وعدم الالتزام بقواعد السير المدونة في قانون المرور ذاته، مع إعطاء فرصة زمنية للتعلم والحصول على الترخيص بعد أن طغى عدد سيارات الأجرة على السيارات الخصوصية نتيجة الظروف الاقتصادية للمواطنين.

قد يعجبك ايضا