لعبة السلام في اليمن
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
يُظهر النظام الدولي اليوم حرصه على السلام في اليمن، هكذا تبدو الصورة في ظاهرها، وهكذا هي الرأسمالية في تعاطيها وفي إدارتها لمصالحها، تُظهر للرأي العام خلاف الذي تخفيه أو تبطنه، فهي التي تصنع الأزمات وتصنع الاضطرابات ثم تأتي لحقيق أهدافها من خلف الجدران، وتكون صورتها حسنة أمام الرأي العام، فهي تحرص على السلام، وعلى الإنسان، والحقيقة أن الإنسان لا قيمة له في أيديولوجيا الرأسمالية إلا بالقدر الذي يحقق مصالحها .
ما هو موضع خلاف في حوارات الهدنة، أو حوارات السلام اليوم، قضايا تمس الإنسان، وتمس حقوق الشعوب في الحرية، والاستقلال، والسيادة، وهي قضايا جوهرية، لكن النظام الرأسمالي لا يتعامل مع هذه القضايا إلا من زوايا المصالح المرسلة له وليس للشعوب التي يدير حركة الحروب والاضطرابات فيها، ففي اليمن مثلا لا يعني إغلاق المطارات، والموانئ، والمنافذ سوى الانتهاك الصارخ للحقوق، والحريات، وهي ظاهرة لا تمت بصلة إلى فكرة الشرعية والانتصار لها، فالشرعية المزعومة بدون أسس منطقية، ودستورية، ولا قانونية، حتى يحاول النظام الرأسمالي الانتصار لها – إن فرضنا صحة زعمه، وهي موضع الخلاف في اليمن، والدستور اليمني إن كان يمنح الشرعية، ويستمد النظام سلطته منه، فقد سلب من هادي، ومن “مجلس القيادة” الذي شكله النظام الدولي – بتوافق دولي – تلك الشرعية، وإن كان النظام الدولي يستمد الشرعية في تشكيل مجلس القيادة من ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السابع، فهذا لا يعني أن يستمر الحصار والتجويع للشعب اليمني، إذ يفترض أن تحترم الجوانب الإنسانية، فالصراع لا يعني أن يعاقب الملايين من البشر لتحقيق غايات وأهداف غير نبيلة .
لا يمكن للنظام الدولي أن يساهم في توسيع دائرة معاناة الشعوب، إن كان صادق النوايا في احترام الحقوق والحريات للشعوب، لكن الأمر مختلف جدا، فالرأسمالية تسعى وسعها على فرض ثنائية الهيمنة والخضوع، فالهيمنة على الشعوب في فرض الاستبداد والطغيان والاستغلال ضد فكرة الحريات، وخضوع الحكومات من أجل ضمان تدفق المصالح وفرض السيطرة على مصادر الطاقة والتحكم بها ضد فكرة السيادة، وفكرة الحريات، وضد العهود الدولية لحقوق الإنسان، وهي عهود توافق عليها المجتمع الإنساني وأقرها، ولذلك فالنظام الدولي ينتهك كل العهود والمواثيق، وفي السياق نفسه يتغنى بها، أو يجادل ببنودها إدارة الدول الفقيرة والضعيفة، ويبدو أن نظام القطب الواحد قد أفسد في حياة الأمم والشعوب بما نحتاج إلى عقود من الزمن لإصلاحه، فالإنسان الذي هو محور الصراع في كل التجاذبات والحروب الذي يديرها النظام الرأسمالي، هو الإنسان، بغض النظر عن معتقده، وعن ثقافته، وعن حضارته، لكن معيار الرأسمالية مختلف جدا في البعد الإنساني ، فالجنس الأوروبي، والأمريكي، هو الجنس الذي يستحق الحياة، ما دون ذلك لا قيمة لإنسانيته في ثقافة الرأسمالية، فالشعوب الأخرى مُسخرة لخدمة الجنس السامي ولرفاهيته، ولذلك يحاولون تكريس ثقافة التهديد والخوف من الثقافات الأخرى، فالعرب في معتقدهم أمة فوضوية غير منتظمة تشكل تهديدا للحضارة المعاصرة، ولذلك لا قيمة لهم، وقد رأينا كيف تعامل معهم الغرب إبان فترة الاحتلال الصليبي، وكيف تعامل معهم بعد خروجه من بلدانهم، فهو اتباع له، وليسوا أسيادا على أرضهم .
الموضوع الإنساني معادلته مختله في ظل سيادة نظام القطب الواحد، ولذلك تسعى الأمم اليوم إلى فرض نظام جديد، يقوم على مبدأ تعدد الأقطاب، وهذا اجتراح بدأته روسيا بمساندة الصين، وهو الأمر الذي يرسل رموزه وإشاراته في الواقع السياسي العالمي اليوم، فأمريكا يتراجع دورها إلى مراكز متأخرة، وفي قمة جدة بدا الأمر أكثر وضوحا، ولذلك سارع الأمريكان إلى تقييد حركة بايدن بادعاء أصابته بكورنا، وقد فضحهم الرئيس الروسي، فاعلنوا عودته إلى ممارسة مهامه بعد تعافيه، ويبدو أنه خضع لمرحلة تقييم للوضع من خلال النتائج العكسية للعقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على روسيا، وقد بدأت أولى الخطوات من تايوان كحالة ضغط على الصين حتى تنفصل عن مشروع ترتيب البيت العالمي الذي يهدد مجموعة السبع والنظام الرأسمالي الآيل للسقوط .
الصين أصبحت قوة غير عادية اليوم، ولذلك فهي قادرة على إدارة أزمتها مع تايوان، وبالتالي قد يتلقى النظام العالمي ضربة قاصمة فحساباته لم تعد دقيقة، فقد مال إلى تكريس مبدأ التضليل، ولذلك سيكون ضحية هذا المبدأ، فالصراع الذي كان بين الشرق والغرب قبل تفرد القطب الواحد، ترك ظلالا على الفكر المتوقد والواعي في إدارة ما سلف من عقود، ومع خمول الفكر المتوقد، وترمده بسبب الضدية التي تكون سببا في يقظته، ضاعت على النظام الرأسمالي المفاتيح التي من خلالها يستطيع فتح الأماكن المغلقة، ففقد منطق الأشياء، وبفقدانه للمنطق فقد مصدر من مصادر قوته، ولذلك يقع في الخطأ من حيث لا يحتسب، فالإشباع هو حالة ترهل تنذر بالتراجع لأي نظام أو أي مشروع ثقافي أو اجتماعي أو سياسي .
ولذلك نقول، أن السلام في اليمن غير مستحيل التحقق، إذا توفرت النوايا الدولية الحسنة، لأننا نعلم أن نفوس أهل اليمن – مع تعدد طيفهم السياسي – أقرب إلى السلام، والى المحبة، والتعايش، فماضيهم الحضاري والثقافي يدل على ذلك، والتضليل الذي يمارسه مبعوث الأمم المتحدة مفضوح سلفا، لأنه في خاتمة المطاف يتحرك وفق استراتيجية مجموعة السبع في الصراع مع الصين كقوة اقتصادية ناشئة مهددة لوجودهم، ومع الروس كقوة عسكرية واقتصادية كبرى تشق طريقها اليوم لفرض مركزيتها وقطبيتها في أسس ومداميك النظام الدولي الجديد القائم على نبدأ تعدد الأقطاب .