إلى أين تتجه رياح الهدنة؟
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
لا يبدو أن التحالف كان صادق النوايا تجاه الهدنة التي أُعلنت وجرى التمديد لها إلى بداية أغسطس من العام الحالي، فكل المؤشرات تقول أن التحالف يحاول الاستفادة من الوقت للقيام ببعض المهام والترتيبات داخل المجتمع اليمني، ولعل مؤشرات الواقع الاجتماعي الوطني بدأ يفرز ظواهر اجتماعية لم تكن معهودة وهي تصب في تفكيك النظام العام والطبيعي الذي كان سائدا في المجتمع ومن خلال حالة التفكيك مع شيوع الفقر والعوز قد يصل إلى حالة الانقسام التي ظل يعمل عليها طوال سنوات عدوانه التي تقترب على كمال عامها الثامن، فكل الظواهر التي تبرز اليوم على سطح التداول ليست عفوية مطلقا ولكنها تشبه تلك الظواهر التي بدأت بمن صب على نفسه الزيت وأحرقها ثم توالت حوادث سفك الدم إلى درجة اليقين أن انتصار الثورات الاجتماعية لا يتحقق إلا بكثرة سفك الدماء، ومثل ذلك مدخل عقائدي يهودي يرى أن الدماء التي تراق هي من تسرع بخروج المخلص الذي يحكم بين النيل والفرات .
نحن أمام حالة فارقة اليوم والمعركة في أوج اشتعالها قد تكون تشهد هدوءاً نسبيا في الجبهات لكنها في مستوياتها الأخرى لم تهدأ بل زاد أوارها اشتعالا، وكل الظواهر التي نلحظ اليوم – وهي خارج النظام العام والطبيعي للمجتمع – دالة على اشتغال الأعداء في بناءات المجتمع ، وفي أسسه العامة، وفي قيمه ومبادئه وعلائقه وروابطه، وهو اشتغال دال على استراتيجيات واضحة المعالم تضع المقدمات وهي تعرف النتائج منها، ولذلك فعدم اليقظة تجاه هذا الاشتغال يجعلنا في دائرة التيه والضياع، وقد يجد العدو من خلال الشقوق ومساحات الفراغ التي يحدثها في البناءات بيئة ملائمة للاشتغال قد تبدو ضيقة في بدايتها لكنها مع الوقت تتسع حتى يتعذر على الراقع الرتق، ونحن في سياق معركة عدونا فيها ليس واحدا بل أكثر من واحد وأكثر من توجه وأكثر مما نتصور، ولذلك فالمستويات كلها ذات مقاصد وغايات وتوجهات متعددة، وذات مصالح متناغمة ومتقاطعة، كما أن تدفق المال في ظل حالة الفقر والعوز التي عليها شعبنا قد تجعل المهام صعبة، فالفقر مطية كل المصائب التي تحدث في المجتمعات، ولذلك يتركز الخطاب الإعلامي للعدو على هذه الزاوية – أي زاوية الفقر – ويشتغل على فكرة منع المساعدات الإنسانية والقيود التي تضعها سلطة صنعاء، وبين ثنايا التناولات تحريض واضح ضد صنعاء وسلطاتها، وتكريس مثل هذا الخطاب واضح الدلالة لمن ألقى السمع أو كان بصيرا .
إذن نحن أمام حالة جديدة وليست جديدة، جديدة من حيث تكثيف الاشتغال عليها في كل المستويات وليست جديدة من حيث الاشتغال الجزئي عليها في السنوات الماضية، وقد كانت تأتي في ظل موانع يجد الشعب فيها مندوحة من التبريرات يتركها العدوان في الوجدان الشعبي العام .
المزاج الشعبي اليوم وصل إلى مرحلة قابلة للانفجار بسبب الضغوط المعيشية التي يعاني منها، وهذه النتيجة جاءت من مقدمات كان يمكن لصنعاء أن تعمل على التخفيف منها بطرق ووسائل متعددة لا أن تترك للعدو توسيع دائرتها وهي غافلة أو واقعة تحت ظرف اللاوعي بحيل العدو وأساليبه التي يدير بها معركته ليس في اليمن وحسب بل وفي غير اليمن، فالمعرفة من ضرورات المعركة، إذ أنك حين تعرف عدوك ومستوى تفكيره يمكنك أن تتوقع أفعاله، وأن تعالج آثارها إذا وقعت أو قبل أن تقع، لكن مشكلتنا أننا لا نقرأ وإذا قرأنا فنحن لا نقرأ عدونا كما يحرص هو على قراءة كل شيء تلوكه أسنان المطابع في عالمنا العربي إلى درجة أنه أصبح يضع المقدمات وهو يعرف النتائج منها لمعرفته بنا وبمستوى فهمنا ومعرفتنا .
مشكلتنا أننا نحارب الكتب التي تعبر عنهم ونراها خطرا علينا شعورا منا بالعجز عن تفنيدها ونقدها ومعرفة الغايات منها في حين هو يحرص على قراءة كل شاردة وواردة عنا، وهذه المعادلة تحتاج إلى حل مشكلها المعقد في فهمنا وفي تعاطينا مع المستويات الثقافية والفكرية، ولا ضير من الاستفادة من بعض الأفكار، فجُل ما ينتجه الغرب جاء من أصول ومرجعيات عربية جرى تحديثها والإضافة إليها فبلغوا بها مستوى حضاريا متقدما، في حين مال الإنسان العربي إلى الكسل والتراخي وأصبح يتقبل كل شيء جاهزا دون فحص وقراءة وتمحيص وبحث ودراسة، فالخوف من الآخر ليس مبررا كافيا حتى تضع القيود والمحاذير بل أرى ذلك تبريرا للعجز الذي نحن عليه في صناعة واقع جديد أو صناعة مستوى حضاري يليق بالعرب والمسلمين في عالم يتكالب عليهم ويصر على الحد من قدراتهم ووضعهم في قائمة القوى التي تهدد الحضارة المعاصرة التي وصل إليها الإنسان المعاصر .
المعرفة مفتاح الصناعة لأي مستوى حضاري يريد الإنسان بلوغه في وقتنا الحاضر لذلك يحرص النظام الدولي على تسطيح الوعي من خلال مجموعة من التطبيقات جعل منها بدائل للمعرفة أو حالة قادرة على السيطرة على الوعي الجمعي، وقد تقوم بوظائف الفنون من التكثيف والخروج من الجزئيات إلى الكليات ومن الفرديات إلى الشعور بعمق التجارب من خلال مشاركة الآخرين حيواتهم وتجاربهم، ونحن نرى اليوم سيطرة التطبيقات على وعي الناس إلى درجة أن تقيل في ديوان فتشعر بالصمت المريب وانكفاء كل فرد على هاتفه دون الشعور بأحد من حوله، وتلك ظاهرة غريبة جاءت على كتف الكتاب الذي أصبح مهجوراً بعد أن كان يشكل مادة للتثاقف في الكثير من المقايل .