أن تبني دولة لا بد لك أن تنشئ جيلاً بذرته صحيحة مرتوية من ماء عذب غير ملوث، أن تبني دولة اهتم قبلها بمن سيبنيها ويحميها ويحصن أسوارها، أن تبني دولة ابدأ بالأَسَاس، فأي بناء أَسَاسه هش سينقض لا محالة وينهدم أمام العواصف، والأَسَاس هنا هو الاهتمام بالإنسان، والإنسان هنا هو الأجيال الصاعدة، فهي تحتاج إلى الاهتمام الكبير الذي لا يقل أهميّة عن الاهتمام بالجبهات العسكرية إن لم يكن أكثر، فأنت بالجبهة العسكرية تحمى الأرض والعرض من المعتدى الذي استطاع بشكل أَو بآخر التوغل؛ بسَببِ الخونة والمرتزِقة من أبناء الوطن، الذين تم بناؤهم وتأسيسهم بطريقة يريدها العدوّ الذي سعى لهذا منذ زمن طويل.
وهذا ما يجعل الاهتمام بالتعليم والمراكز الصيفية وإنشاء جيل بذرته صحيحة قوية واعية ومدركة ما يحدث من حولها، وهذا هو ما تم التركيز عليه في المسيرة القرآنية المباركة، ألا وهو تدارك ما فات على اعتبار أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، وأن نتدارك الأجيال الصاعدة فهذا هو عين الصواب، وقد اتخذ العدوّ هذه الطريقة، أقصد تأسيس خونة في بلاد المسلمين؛ لأَنَّهم يسيرون وفق سيناريو معد من قبل متخصصيهم، ودليل على ما نقول نورد لكم نصاً شرح فيه كاتبه وهو مقاتل صيني قديم يُدعى (سان سو) ما أسماه (أعلى فنون الحرب) شرح فيه كيف تدمّـر دولة كاملة بدون قطرة دم واحدة ويعد هذا الكتاب مرجعاً لا يستغنى عنه في المجال العسكري والسياسي وقد تمت ترجمته إلى 29 لغة.
يقول المحارب الصيني: إن أغبى طريقة لتنفيذ سياسة الدولة هي القتال، وإن أعلى فنون الحرب هو عدم القتال، بل تدمير أي شيء له قيمة في دولة خصمك إلى أن تجعله مختلاً ولا يستطيع أخذ قرارته، أَيْـضاً أن تجعله يثق بك ولم يعد يراك عدوه وقد قسم هذه الخطوات إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى، تسمى مرحلة إسقاط الأخلاق التي تحتاج من خمس عشرة إلى عشرين سنة، كي يتم تدمير منظومة القيم في المجتمع، وقد فسر تحديد هذه المدة الزمنية؛ لأَنَّها المدة الكافية لبناء جيل جديد على القيم البديلة المبتذلة، وفي هذه المدة بالمقدور التحكم في شخصية الفرد وبعدها يتم بسهولة محو هُــوِيَّة المجتمع، ولهذه المرحلة عدة طرق أولها التقليل من قدسية الدين ورموزه، وَأَيْـضاً التركيز على تدمير منظومة التعليم، وكذلك تقديم الدين على أنه رجعي غير ملائم للحياة المعاصرة وعرض الشخصيات المعارضة للدين على أنهم هم أصحاب التفكير المستنير.
آخر خطوة في هذه المرحلة هي تدمير العلاقات الاجتماعية عن طريق عمل منظمات وهمية مهمتها جعل الفرد يفقد إحساسه بالمسؤولية تجاه المجتمع أَو الوطن وهذا عن طريق رموز إعلامية وليس بالضرورة أن تكون مشهورة ولكنها مسموعة ومرئية دائماً ومع الوقت سوف تؤثر في المتلقي.
(انتهى كلام المحارب الصيني).
أوردنا لكم هذه الفقرة من كلام هذا الكاتب لكي تعرفوا بعد النظر الذي يتميز به قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- الذي حث على أهميّة المراكز الصيفية وكذلك على الاهتمام بالتعليم بشكل عام وتركيز الاهتمام بالنشء بحيث يكون تعليماً يبني جيلاً يقوم على حماية الدين بالشكل الصحيح، وليس كما أورده لنا علماء الوهَّـابية الذين شوَّهوا وأساؤوا إلى الدين الإسلامي وجعلوه دين الإرهاب والتطرف وَإقصاء الآخر وعدم التعايش.
وبالتالي فإن ما يميِّز المسيرة القرآنية أنها التفتت إلى جانب العمل بالقرآن وتجسيده منهجاً للحياة، في حين أوهمنا علماء الوهَّـابية لعقود بأن القرآن تجويد وإدغام وقلقلة وتلاوة.
المسيرة القرآنية أتت في وقت أصبح لا يعرف عن الإسلام إلا اسمه وعن القرآن إلا رسمه فقد أتت المسيرة في وقت أنشأت لنا فيه الوهَّـابية أجيالاً يحملون شهادة علمية فارغة من محتواها أوصلتنا إلى ما نحن فيه.
ولن أكون مبالغاً إذَا قلت بأن مشروع هذه المسيرة إذَا تم الاهتمام به والعمل عليه كما بدأ به القائد المؤسّس -رضوان الله عليه- ولم يندس فيه من يغيِّر فيه ويبدِّل فَـإنَّه سيكون مشروعاً عالميًّا.
ولكن، وأكرّرها ولكن لا بُـدَّ من رعاية وحراسة لهذا المشروع القرآني الذي بالتأكيد سيندس فيه من يفسد جوهره الجميل، كي نعود لنفس الانحراف من الجانب الآخر، وليس كلامي هذا تشاؤماً أَو تخويفاً، فهو ما ألمسه للأسف في بعض من يتكلمون باسم المسيرة ويرِّشون سمومهم في عسلها الصافي.
هذا ما أردت أن أوصله من باب الحب والنصح، ولله عاقبة الأمور والله من وراء القصد والنيِّة.