يبدو واضحاً أن خطوة إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنّ بلاده ستبدأ عملية عسكرية في شرق الفرات في غضون أسابيع قليلة، جاءت لتؤكد أن أنقرة بعثت بكل رسائلها ومن خلال تصعيد زخم الاستعدادات للعملية فعلياً التي تتحدى من خلالها السوري ،وليس الأمريكي ،فالسوري هو صاحب الأرض والأمريكي محتل كما التركي، وهذا ما قد يحتم على الدولة السورية وبدعم من حلفائها ” وخصوصاً الروس الذين مازالوا حتى الآن محافظين على موقف الحياد بخصوص إعلان اردوغان ” بعد فشل مجموعة مبادرات قدموها لأنقرة ودمشق للوصول إلى تفاهمات مشتركة توقف مسار الغزو التركي للأراضي السورية ” ، في القادم من الأيام للرد المباشر على الجانب التركي فهو كما يبدو واضحاً قد تجاوز الخطوط الحمراء في الشمال والشمال الشرقي السوري ، والواضح هنا أن المرحلة المقبلة باتت تحمل العديد من التكهنات والتساؤلات حول تطور الأحداث على الجبهة الشمالية الشرقية السورية التي أصبحت ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.
والواضح هنا أكثر أن الأتراك هدفهم عملياً من وراء عملية شرق الفرات هو السيطرة واقتطاع جزء جديد من الأرض السورية بهدف المناورة بها لتكون ورقة قوة بيد الأتراك على طاولة الحل النهائي السوري وهذا ما لا يمانع به الأمريكان في الأصل بل ويريدون استخدامه كورقه للمناورة مع الأتراك بخصوص معارضة الأتراك لانضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو ،ويريد كسب ورقة تركيا في الصراع الأمريكي المفتوح مع الروس في أوكرانيا وغيرها من ساحات الاشتباك الروسي – الأمريكي، وأردوغان حصل على مباركة بايدن “مرحلياً بشرط أن لا يتعدى مسافة الـ 15 كلم في عمق الأراضي السورية من جهة الحدود التركية الجنوبية الغربية وليس 30 كلم كما صرَّح أردوغان، ومن هنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصاً بعد إعلان اردوغان أن تركيا قد عادت من جديد لتمارس دورها في إعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية لهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية بكل أركانها.
ما وراء الكواليس لما يجري في أنقرة يظهر أن هناك مشروعاً تركياً قد أقر، يستهدف الاستمرار في عمليات غزو الأراضي السورية، والدليل على ذلك هو الدفع بالمزيد من القوات الخاصة التركية إلى المناطق التركية المحاذية لبلدة عين العرب شمال شرق حلب، وتل أبيض شمال الرقة، وهذا يدلل على أن تركيا لم تسلّم للآن بعقم الحرب على سوريا، فهي تبدو مُصّرة على إكمال عملية غزوها الأراضي السورية شمالاً وشرقاً مهما كان ثمنها.
ختاماً ،في المحصلة يمكن القول إن أي تقدم للمجاميع المسلحة الموجودة في الشمال السوري والمرتبطة بتركيا وبالقوات التركية في عمق الأراضي السورية شمالاً وشرقاً، يعطي فرصة ثمينة لأنقرة لإعادة إحياء دورها ومشروعها في الشمال السوري، وهنا نقرأ بوضوح مدى ارتباط هذه المجاميع المسلحة بالجانب التركي الذي أصبح ممراً ومقراً لها، وهذا ما يظهر بشكل واضح ارتباط الأجندات التركية في المنطقة بأجندات هذه المنظمات المسلحة المدعومة هي الأخرى من دول وكيانات ومنظمات هدفها الأول والأخير هو تفتيت وتجزئة سوريا خدمة للمشروع المستقبلي الصهيو- أمريكي في المنطقة، وهو ما يظهر حقيقة التفاهم المشترك بين كل هذه المنظمات وهذه الدول والكيانات ورؤية كل طرف منها للمستقبل السوري .
كاتب وناشط سياسي أردني