الإسلام أولى عناية خاصة بالزراعة وهذا الاهتمام أول الأمور في تحقيق الأمن الغذائي للعالم الإسلامي

الأمن الغذائي في الإسلام: الإسلام هو الدين الوحيد الذي اهتم بالأمن الغذائي من خلال إعمار الأرض ” الحلقة الأولى “

أمريكا وأوروبا ترميان بأطنان الغذاء إلى البحر بينما يفتك الجوع بملايين البشر

علي أحمد الصوري

في عام 1968 كتب العالم البيولوجي المعروف ( بول أيرلخ) في كتابه الشهير ( القنبلة السكانية) ما نصه : ( لقد انتهت معركة توفير الغذاء للجميع بالفشل التام، وسيعاني العالم في السبعينات من هذا القرن ( العشرين) من المجاعات وموت ملايين من البشر جوعاً، وذلك على الرغم من أن أي برنامج قد نبدؤه اليوم لتفادي ذلك) .. وقد استمر هذا العالم يطلق صيحاته التحذيرية هذه .. حتى أنه في عام 1970م حذر من أن هناك احتمال موت /65/ مليوناً من البشر [أمريكيين بالتحديد] من الجوع، وأربعة بلايين من بقية سكان العالم، بين سنتي 1980 و1989م، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث !! ومع أن سكان العالم قد تضاعفوا منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، إلا أن إنتاج الغذاء قد تضاعف [ ثلاث مرات ] في الفترة نفسها.
ثم بدأت صيحات التحذير تنطلق مرة ثانية هذه الأيام، لكنها في هذه المرة مدعومة بالإحصاءات والدراسات، لكنها في الحقيقة أقل تشاؤماً من الدراسات السابقة عليها.
فتقارير منظمة الفاو ( منظمة الأغذية والزراعة) تؤكد أن نحو /25/ ألف مليون طن من التربة الخصبة تتعرض للزوال سنوياً، بفعل عوامل التعرية .. وأن نصيب الفرد من الأرض الصالحة للزراعة سينكمش بحلول عام 2010، من 0.85 إلى نحو 0.4 هكتار، ويقول ( كيث كولينز) – وهو كبير اقتصاديي وزارة الزراعية الأمريكية – : ( ينبغي معالجة الوضع عن كثب)، وفي السياق نفسه يذكر تقرير المعهد الدولي لأبحاث السياسية الغذائية ( أنه ستصبح العلاقة بين إنتاج المواد الغذائية على مستوى العالم والأسعار علاقة مضطربة، الأمر الذي سيترجم على مخاطر أكبر بالنسبة للأمن الغذائي في دول العالم النامي) ..
أرقام .. ونتائج تدعو [بالفعل ] إلى القلق، وتبدو وكأنها صيحات لطيفة، بالقياس إلى صرخات مالتوس وبول إيرلخ .. ولكن الذي يربط بينها جميعاً هو الخوف من المستقبل .. والسؤال الآن هو : أين تكمن المشكلة الحقيقية .. أهي في الإنتاج أم في التوزيع .. ؟ وهل بدأت الأرض – فعلاً – تعجز عن إطعام ساكنيها .. ؟؟ هل يمكن وصف هذه الحالة باختلال في الموارد أم أنه فقر في التقنية .. ؟؟

الإسلام .. الإسلام ..
إن الأمر الذي يؤسف له أننا كمسلمين كثيراً ما ننغمس في مناظرات وندلي بآراء دون أن نطلع على حقائق إسلامنا ونصوص شريعتنا ..
فها هو كتاب الله تبارك وتعالى يخبرنا في سورة فصلت : { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ } [فصلت : 10].فأقوات العباد مقدرة، وهي مبثوثة في كل الأرض، وقد اختص الخالق عز وجل كل جزء منها ثروة تكفي ساكنيها وتسد احتياجاتهم، ولكن الذي يحدث هو أن بعض البشر يجور على البعض، ويبادئه بالعدوان، وإن الطغيان ومجاوزة الحد تشيع بين الناس فيظهر بذلك .. ( المتخمون) .. و(الجائعون).. !!
لقد شكل نقص الغذاء على مر العصور تحدياً للإنسان يدفعه إلى العمل والكدح وابتكار وسائل جديدة من أجل الإفادة من هذه الأقوات المقدرة التي بثها الخالق جل وعلا، وكانت النتيجة من نصيب الإنسان وهذا هو الحال اليوم أيضاً .. فسكان الأرض قد بدأوا بمواجهة تحد جديد، والمقدر أن ينجح الإنسان المعاصر في هذا الامتحان كما نجح فيه سابقه، ولنستمع إلى شهادة عالم كبير هو ( نورمان بورلو) الذي نال جائزة نوبل لجهوده في دراسة مسألة نقص الغذاء العالمي … لقد أعلن هذا العالم ( أن العالم ينتج ما يكفي لإطعام شعوبه بشكل جيد، لكن المشكلة تكمن في التوزيع العادل للإنتاج الغذائي .. ).
فالأمر ( إذن) يتعلق بالتوزيع .. ولعل مشهد المزارعين الأمريكيين والأوربيين وهم يقذفون بأطنان الزبد إلى البحر – للمحافظة على أسعارها – كما يفعلون في أكثر من موسم وفي أكثر منتج غذائي وزراعي، مقارنة بمشهد الطفل المنتفخ البطن من أمراض الجوع في إفريقيا، ما يلخص القضية كلها..
ونتأمل – من أجل المزيد من التأكيد بأن هناك اختلالاً مريعاً في التوزيع وفي التقنية – إلى رقم (الخمسين مليار دولار) الذي تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية وحدها على أدوية إنقاص الوزن وتقنيات إذابة الشحوم وغيرها .. فهذه الخمسون ملياراً كافية لتوفير الجرارات والمخصبات لكل قارة إفريقيا الجائعة التي لا تنقصها الأرض .. ولذلك فمقولة الأرض التي تعجز عن إطعام سكانها خرافة ووهم كبير، فالأرض لم تبخل، ولن تبخل، على سكانها بالغذاء الوفير.
وهذا البحث إطلالة على ( أصول الأمن الغذائي في الإسلام)، لنتعرف على الهدى الإسلامي في أصول الأمن الغذائي، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي تعرض لاقتصاديات الأمن الغذائي من خلال لفت الأنظار إلى أهمية إعمار الأرض وفلاحتها والاستفادة منها، مع ملاحظة أن هذه الثروات الطبيعية يشترك فيها جميع البشر، وفقاً لتعاليم السنة النبوية المشرفة، وعملاً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) .. قال أبو سعيد الخدري – راوي الحديث – أن النبي عدد أصنافاً وأشياءً حتى رأينا أنه ليس لأحد الحق في أي فضل …. (رواه البخاري).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الناس شركاء في ثلاثة الماء والعشب والنار).
ولقد أولى الإسلام عناية خاصة بالزراعة وأهميتها، فهي أساس الأمن الغذائي، وهذا الاهتمام المستمر هو أول الأمور في تحقيق الأمن الغذائي للعالم الإسلامي، لو استفاد العالم الإسلامي من المنهج الإسلامي الصحيح.

مفاهيم وأفكار
إذا كانت الاحتياجات الأساسية للإنسان على وجه الأرض تمثل في الغذاء والكساء والمأوى والدواء .. فإن الغذاء يمثل أولويات تلك الاحتياجات، وبه يحيا الإنسان وينمو، وبدونه يفنى .. لهذا كان إنتاج وحفظ الغذاء من أول ما عرفه الإنسان من صناعات، وكان توفير الغذاء بحدوده الدنيا أو العليا، وعلى مدار العام لتلبية احتياجات معينة ومحددة لمجموعة بشرية محددة ومعينة، من أولى واجبات القائمين على تلك المجموعة، اقتصادياً وحياتياً ..
فلقد عرف الإنسان ما للطبيعة وعطائها الزراعي (بشقيه النباتي والحيواني) من مواسم وفيرة وأخرى شحيحة. كما تعامل مع نتائج الكوارث الزراعة التي لحقت بالمجتمعات.
ومنذ فجر التاريخ الإنساني كله، ما كان منها فعل الطبيعة أو فعل الإنسان، وسعى للتحسب لها وإعداد العدة لمواجهتها، ومع التطور الحضاري الإنساني أصبحت قضية توفير الغذاء للمواطنين، وعلى مدار العام، وبأسعار معقولة، وكميات مناسبة، من الأمور التي تحظى بعناية ورعاية وإشراف الحكومات، بغض النظر عن نهجها الاقتصادي والسياسي .. إذ أصبحت مؤشر العلاقة بين الحكومات ومواطنيها .. وهكذا ستكون مستقبلاً.
وعالمنا اليوم الذي شهد بداية عصر اللامتناهيات الثلاثة .. عصر العلم والتقنية .. عالم الستة مليارات نسمة .. ويزيد ..

إن سبب الفقر في العالم هو سوء توزيع الثروة في المجتمع
– عالم دول الشمال، الذي يضم ربع البشرية، حيث معدل دخل الفرد فيه يعادل خمسة وثلاثين ضعفاً منه لدخل الفرد في دول الجنوب .. وعالم دول الجنوب، حيث المعاناة بكل أبعادها، وبخاصة في توفير الغذاء للمواطنين الكم والنوع المطلوب(3).
إن عالمنا له خصائص مميزة، من النواحي الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والحضارية، لها من الإيجابيات قدر ما لها من السلبيات، ففي حين وفر العلم والتكنولوجيا للإنسانية وسائل وأدوات ومعارف أدت إلى زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية للمنتجات الزراعية الغذائية (بشقيها الحيواني والنباتي)، فإن دخول العالم إلى عصر العلم والتكنولوجيا ونتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية، فالمعايير كثيرة .. فلم تعد مناطق العالم النامية مناطق تعتمد عليها الدول الكبيرة في توفير ما تحتاجه لتعيش وتزدهر، وبخاصة من النواحي الغذائية، فالحرب – مثلاً – معناها قطع خطوط الاتصالات البحرية والبرية وحتى الجوية أحياناً، معناها – أيضاً – أن على الدول الكبيرة أن توفر لنفسها الإنتاج من مواردها الطبيعية كأساس لا غنى عنه .. ثم إيجاد حلفاء اقتصاديين تتكامل معهم في سد النقص الذي تعانيه .. ثم إيجاد خزين غذائي لها يقيها شر الويلات الطبيعية أو الويلات الإنسانية.
وهكذا .. أصبح إنتاج الغذاء عالمياً يتسم بسمات عصرنا الراهن، التوسع في استخدام مرافق ومنجزات العلم والتكنولوجيا، والتوسع في الإنتاج الكبير، وتحسين الإنتاجية والمشاريع العملاقة والشركات عابرة القارات .. ثم الاحتكار واستخدام الغذاء كأحد الأسلحة التي تملكها قوى الاحتكار العالمية.
وحين قسمت دول العام إلى دول الشمال – ذات الوفرة الإنتاجية .. ودول الجنوب – ذات الشح والحاجة .. أصبحت سلع غذائية – كالحبوب الخشنة واللحوم والبيض والألبان والزيوت النباتية – سلع دول الشمال غزيرة الإنتاج الفائض عن الاحتياجات في مجتمعاتها ذات القدرات الخارقة على دعم الأسعار وتحديدها وتصدير ما يزيد منها .. وأصبحت دول الجنوب دول الحاجة على الواردات المتزايدة.
وكان سعي دول الجنوب إلى تغيير المعادلة [ وهو ما يعرف بالنظام الاقتصادي الراهن ] أو إيجاد معادلة تضمن حقها وحقوق الآخرين، فعبأت قدراتها الممكنة، وعملت على زيادة إنتاجها الغذائي، كما عملت على إيجاد تخزين من ذلك الغذاء ليقيها شر التقلبات دائمة التوقع ..
والأقطار العربية – بكاملها – والكثير من دول العالم الإسلامي – إنما تمثل جزءاً من دول الجنوب، وهي تعتبر من أكثر مناطق الدنيا احتياجاً لاستيراد العديد من احتياجاتها الغذائية لمواطنيها من الخارج.
هذه الأقطار تعيش حالة غذائية خطيرة، فلقد تخطت (مرحلة العجز الغذائي) لتصل إلى (مرحلة الانكشاف) وهذا الانكشاف الغذائي له أسباب عديدة، وهو لا يشمل سلعة معينة، بل يشمل سلعاً عديدة أولها الحبوب – وخاصة القمح – مروراً باللحوم والألبان والزيوت النباتية والسكر وغيرها، ولكل من هذه السلع سماتها الاقتصادية والفنية العالمية، وكلها تعتبر من السلع الاستراتيجية، لكن أهمها بالنسبة للوطن العربي هي : الحبوب، وخاصة القمح (4).
ونحن نتناول موضوع الأمن الغذائي ومستقبله في الوطن العربي والعالم الإسلامي الكبير بالدراسة والتحليل، فإننا نؤكد أن عدم العناية بهذا الموضوع سيؤدي إلى كوارث اقتصادية كثيرة !!

مفهوم الأمن الغذائي
على الرغم من أن مشكلة الغذاء مشكلة اقتصادية في المقام الأول، لأنها تعبر عن شكل من أشكال العلاقة بين العرض والطلب، أو بين الإنتاج والاستهلاك، إلا أن لها أبعاداً متعددة، يهمنا منها هنا ( البعد الأمني) .. ونظراً لما لهذا البعد الأمني من أهمية كبيرة فقد شاع مصطلح ( الأمن الغذائي) بسبب الارتباط الوثيق بين كل من الغذاء والأمن، فالغذاء – كما سبقت الإشارة – هو أحد حاجات الإنسان الضرورية التي تتمثل في المأكل والملبس والمسكن، إلا أن الغذاء يعتبر أهمها .. فالإنسان لا يستطيع الاستغناء عنه أو الصبر على الجوع، لقد عاش الإنسان الأول عارياً دون ملبس ودون مأوى، ولا تزال أقوام كثيرة تعيش اليوم في مجاهل إفريقيا تسير عارية أو شبه عارية، لكنها رغم ذلك لا تستطيع الحياة بلا طعام.
الطعام إذن هو أول مقومات الحياة، فإذا لم توفر بشكل يستطيع الناس الحصول عليه هاج الشعب وثار .. مما يؤدي إلى قيام الاضطرابات والفوضى واختلال أمور الأمن في البلاد، ولذلك فإن توفير الطعام للسواد الأعظم من الشعب، بأسعار تناسب دخولهم – يساعد على استتباب الأمن في المجتمع.
ومن ناحية أخرى، فإن الدولة التي لا تستطيع تأمين الطعام لشعبها من مصادر محلية تصبح عاجزة أمام الضغوط والتحديات التي تواجهها، مما يعرض أمنها للخطر وحريتها للاستباحة واستغلالها للانتقاص.
ولقد عرف الإنسان منذ فجر التاريخ مفهوم الأمن الغذائي بصورته الأولية، كما تعلم الإنسان من الممارسة أن للزراعة (بشقيها النباتي والحيواني) مواسم وفرة عطائية ومواسم شح. وكان لزاماً عليه – بالتالي – أن يحفظ بعض الأغذية من مواسم الوفرة ليستعين بها في غذائه في مواسم الندرة .. وهكذا تعامل الإنسان مع خزن الحبوب، وتجفيف اللحوم، وغيره، ومع نشوء الدول سعت كل منها إلى تأمين حاجة مواطنيها من السلع الغذائية، وعلى مدار العام، بنفس الخصائص والمواصفات .. فالأمن الغذائي لبلد ما أو منطقة جغرافية معينة هو الحال الذي يكون فيه وضع المواطنين الغذائي – في ذلك البلد أو تلك المنطقة – غير معرض لحدوث أزمات غذائية تحت أي ظرف كان أو في أي زمن.
وإذا كان توفير الغذاء يمثل الجانب الأمني، بل الجانب الرئيسي للأمن الغذائي، فإن الجانب الآخر هو توفير إمكانية الاتصال وإيصال ذلك الغذاء، إلى حيث تكون الحاجة إليه، وعلى ذلك، فإن المقاييس التي تحدد الأمن الغذائي لبلد ما أو لمنطقة جغرافية معينة .. هي :
– نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الاستراتيجية (ذات النمط الغذائي الاستهلاكي السائد).
– نسب قيمة الإنتاج الزراعي المصدر إلى الإنتاج الزراعي المستورد.
– نسب قيمة المستوردات الزراعية الإجمالية لإجمالي الاستيراد.
– نسب قيمة الإنفاق على الغذاء من إجمالي الدخل القومي.
– التقلبات السنوية في الإنتاج الزراعي إلى إجمالي الناتج المحلي.
– متوسط حصة الفرد من قيمة الإنتاج الزراعي.
– نسبة صافي الواردات الزراعية إلى إجمالي الناتج المحلي.
– نسبة المخزونات الغذائية – وبخاصة القمح – إلى مقدار الاستهلاك السنوي(5) .
فالأمن الغذائي إذن، هو تحفيز قدرات وفعل منسق وعمل هادف لحل معضلات محددة، فرضها واقع زراعي ( صناعي – اجتماعي – اقتصادي) في بلد ما، أو في منطقة جغرافية معينة، وبالإمكان تحديد مفهوم الأمن الغذائي ليشمل ضمان توفير بعض السلع الغذائية في الأسواق المحلية على مدار العام، وبأسعار مناسبة، وذات قيمة غذائية تكفل للإنسان بقاءه حياً وتمكنه من أداء مهامه الاقتصادية بصورة صحيحة مناسبة.
مما سبق يمكن تعريف (الأمن الغذائي) .. بأنه قدرة مجتمع ما على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء للمواطنين .. وضمان حد أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام، عبر إنتاج السلع الغذائية محلياً، وتوفير حصيلة كافية من عائدات الصادرات لاستخدامها في استيراد ما يلزم لسد النقص في الإنتاج الغذائي الذاتي، بدون أي تعقيدات أو ضغوطات من أي مصدر كان.
والأمن الغذائي اصطلاح طرحته المنظمات والهيئات الدولية وتبنته الحكومات ليأتي مترافقاً مع مصطلحات أخرى، كالأمن الوطني، والأمن الاستراتيجي، والأمن الاجتماعي، وغيرها من المصطلحات التي أريد طرحها التنبيه إلى ضرورة مواجهة أخطار تهدد المجتمع من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من آثارها وإزالة جميع الأضرار الناجمة عنها، كما أن المقصود بالأمن الغذائي قد يكون توفير الغذاء اللازم للمجتمع من مصادره المحلية والخارجية، وضمان توزيع الغذاء وجعله في متناول أعضاء المجتمع(6).
وقد تفاوتت النظرة إلى المجال الحيوي الذي يجب فيه توفير الأمن الغذائي، ففي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن الأمن الغذائي يجب توفيره على المستوى العالمي .. أي أن يكون الغذاء المنتج في العالم يكفي لسد احتياجات سكان العالم، نجد أن البعض الآخر يعتقد أن الأمن الغذائي يجب توفيره على المستوى العالمي ..نجد أن البعض الآخر يعتقد أن تحقيق الأمن الغذائي يجب أن يكون على المستوى الإقليمي .. أي أن يستطيع الإقليم إنتاج ما يكفي لحاجة سكانه من الغذاء، كما نجد أن البعض يغالي حتى الاعتقاد بأن تحقيق الأمن الغذائي يجب أن يكون على مستوى كل دولة على حدة، وبحيث تستطيع كل دولة أن تضع خططها وبرامجها لإنتاج حاجتها من السلع الغذائية الاستراتيجية، منعاً من التأثير عليها أو التحكم في أي مصدر من مصادر الغذاء (7).

المخزون الاستراتيجي
يرتبط مفهوم المخزون الاستراتيجي بمفهوم الأمن الغذائي وهو أمر متعارف عليه دولياً .. وهو عبارة عن سلع غذائية وهو عبارة عن سلع غذائية غير محددة تعتبر ذات ضرورة ماسة في حياة المواطنين – وذات نمط غذائي سائد – يتم الاحتفاظ بكميات منها تحت إشراف مباشر من قبل الحكومات، وتكون الزيادة عن احتياجات الأسواق الآنية الطبيعية. وتستخدم في حالات معينة مثل : ( الكوارث الطبيعية – الحروب – الارتفاع المفاجئ غير الطبيعي في الأسعار – تغير الطلب والعرض العالمي على تلك السلع في حالة عدم إنتاجها محلياً).
ويتم تداول هذا المخزون دورياً بحيث تؤخذ منه كميات تعوض عنها بكميات مماثلة، هدف أن لا تفقد المادة الغذائية صفاتها الغذائية .. ويتحدد كم ونوعية هذا المخزون بظروف كل دولة وقدراتها الاقتصادية والفنية(8).

الفجوة الغذائية :
الفجوة الغذائية هي مقدار الفرق بين ما تنتجه الدولة ذاتياً وما تحتاجه إلى الاستهلاك من الغذاء – كما يعبر عنها أيضاً بالعجز في الإنتاج المحلي عن تغطية حاجات الاستهلاك عن السلع الغذائية، والذي يتم تأمينه بالاستيراد من الخارج (9).
والفجوة الغذائية – بهذا التعريف – تشمل الوضع الغذائي الراهن، وفق عادات الاستهلاك في الدولة، وبالمعدلات التي يتناولها الفرد من مختلف أنواع الأغذية، وهي بذلك لا تتطرق إلى تحديد الكميات الواجب تناولها من الغذاء، ولا إلى تحسين نوعية الغذاء المستخدم، سواء من حيث السعرات التي يحصل عليها الفرد أو مكوناته من البروتين النباتي والحيواني، وإنما يؤخذ بعين الاعتبار تطور الطلب الطبيعي على الغذاء (نتيجة لعوامل الداخلية في الدولة) والتغير الذي يمكن يحصل على عادات الاستهلاك ( نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تسود الدولة).

قد يعجبك ايضا