في حرب النفوذ المشتعلة في أوكرانيا لا يزال الغرب يتحاشى الحديث عن طموحات حلف شمال الأطلسي “الناتو” في التوسع كسبب مباشر في الحرب المندلعة في أوكرانيا بما خلفته من كلفة بشرية واقتصادية وسياسية وأمنية يتكبدها العالم كله اليوم، بينما يعاد إنتاج السيناريو ذاته مع إعلان المسؤولين في السويد وفنلندا العزم على الانضمام للحلف في خطوة تُرجح كل التقديرات أنها ستقود إلى تداعيات وخيمة على الأمن الأوروبي بعد توعد روسيا بخطوات انتقامية ونشر أسلحة ردع نووية على الحدود الشمالية والشرقية للقارة الأوروبية.
الثورة/ تحليل / أبو بكر عبدالله
أكثر ما يخشاه المراقبون لملف الأمن الأوروبي أن تتعامل الولايات المتحدة والغرب مع التحذيرات الروسية من انضمام السويد وفنلندا لحلف «الناتو» بذات الخفة التي تعاملت بها مع التحفظات الروسية حيال انضمام أوكرانيا إلى الحلف والتي أفضت إلى حرب دمرت فيها مقدرات أوكرانيا الاقتصادية والعسكرية وخلفت أزمة اقتصادية وإنسانية كبيرة تعصف اليوم بكل دول العالم.
اليوم يعاد السيناريو ذاته بتجاهل التحذيرات الروسية في ملف انضمام فنلندا والسويد لحلف «الناتو» والذي ينتظر أن يخطوا خطوات متقدمة في قمة الحلف المقررة في مدريد خلال الفترة 28 ـ 30 من يونيو المقبل، بعدما قطع البلدان أكثر من نصف المسافة للوصول إلى عضوية الحلف الأطلسي بعد سلسلة طويلة من النقاشات والحوارات بين الأحزاب السياسية في البلدين، ناهيك عما حظى به المشروع من دعم دول «الناتو» وفي المقدمة الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان طالما حاولتا إخراج السويد وفنلندا من مربع الحياد إلى عضوية الحلف، بل وأبدتا استعدادهما تقديم ضمانات أمنية للبلدين.
كان اللافت في الأمر أن خطوة انضمام فنلندا والسويد لـ «الناتو» وهما دولتان من دول الشمال الأوروبي تتبعان منذ عقود سياسة عدم الانحياز، حظيت بدعم العديد من دول الاتحاد الأوروبي رغم أنها بدت متعارضة كثيرا مع الاستراتيجية الأوروبية الجديدة التي أعلنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما أكد في أول خطاب له أمام البرلمان الأوروبي بعد إعادة انتخابه رئيسا لفرنسا «غدا سيكون لدينا سلام نبنيه.. دعونا لا ننسى ذلك أبداً سيتعين علينا القيام بذلك مع أوكرانيا وروسيا حول الطاولة، لكن ذلك لن يحصل من خلال رفض أو استبعاد بعضنا بعضا أو من خلال الإذلال.. وعندما يعود السلام إلى التراب الأوروبي سيتعين علينا بناء توازنات أمنية جديدة من دون الاستسلام أبدا للإغراء أو الإذلال ولا لروح الانتقام».
وفوق أن القرار الفنلندي السويدي تعارض مع العديد من الاتفاقيات الموقعة بين روسيا والدول المعنية وحلف «الناتو» فإن إعلان الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي للقرار، بدا متعارضا كليا مع التصورات الأوروبية التي عبرت عنها ألمانيا وفرنسا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي بشأن سياسة الأمن الجماعي التي تناهض فكرة تعزيز امن دولة على حساب أمن دول أخرى، خصوصا وأن خطوة كهذه في ظل الظروف الأمنية المعقدة التي فرضتها الحرب الأوكرانية، ستذهب بلا شك نحو تصعيد المواجهة الأوروبية مع روسيا وخلق وزيادة مستوى التوتر الأمني في منطقة البلطيق وأوروبا بصورة عامة.
تحول استراتيجي
حتى وقت قريب كان البلدان الاسكندنافيان (فنلندا والسويد) من أكثر الدول الأوروبية التي اعتمدت سياسة عدم الانحياز، غير أن تفاعلات الأزمة الأوكرانية قلبت مزاج النخب السياسية فيهما ليعلن المسؤولون في البلدين بشكل متزامن الانقلاب على تلك السياسة بقرارهما الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره ضرورة لتعزيز أمن البلدين.
على مدى عقود الحرب الباردة، بقيت فنلندا الدولة الصغيرة في شرق أوروبا بعدد سكانها المحدود البالغ نحو 5.5 مليون نسمة، على الحياد مقابل ضمانات أمنية من روسيا التي تشترك معها في شريط حدودي كبير يزيد عن 1300 كيلومتر، غير أن الموقف تغير بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، بما أنتجه من اصطفاف سياسي غير مسبوق في التاريخ السياسي الحديث جرف معه العديد من دول عدم الانحياز وفي المقدمة فنلندا التي كان يتوقع أن تجري استفتاء شعبياً بشأن قضية الانضمام للناتو، واكتفت بمناقشة مكثفة في المجلس التشريعي الفنلندي افضى إلى تأييد القرار وإرفاقه لرئيسة الوزراء سانا مارين.
الحال كان كذلك في السويد، إذ ذهبت المراجعات التي أجرتها الحكومة والأحزاب البرلمانية السويدية لخيارات السياسة الأمنية إلى تأييد خيار الانضمام لحلف «الناتو» لتبقى تحت مظلة الحماية العسكرية للحلف الذي تعهد في وقت سابق أنه سيواجه روسيا في حال شنها أي عمليات عسكرية على دول الحلف وفقا للبند الخامس من ميثاق الحلف.
والمزاج المنقلب على سياسة عدم الانحياز في فنلندا والسويد لم يكن حكوميا فقط، حيث أظهرت استطلاعات الرأي العام في فنلندا أن «الغالبية تؤيد الانضمام إلى الحلف بواقع 62 % من السكان مقابل 16 % يعارضون ذلك، كما أظهرت أن عدد مؤيدي الانضمام لـ«الناتو» في السويد التي لا تشترك بمناطق حدودية مع روسيا يناهز نصف السكان بما يفوق عدد الرافضين للفكرة».
وسبقت فنلندا والسويد قرارهما الانضمام للحلف بالحديث عن التهديدات الروسية التي عبرت عنها وزيرة خارجية السويد آن ليندي، بحديثها عما سمته تهديد محتمل قد تواجهه السويد وفنلندا من قبل روسيا وضرورة العمل من اجل منع روسيا من تهديد البلدين، وهي التصريحات التي اعتبرتها موسكو دعائية تخدم مصالح حلف «الناتو» استنادا إلى التقديرات الروسية التي رأت أن قرار البلدين الانضمام للحلف كان لغرض استثمار التوتر الدولي الحاصل اليوم لتحقيق مكاسب اقتصادية وتحديدا من الولايات المتحدة التي قدمت لهلسنكي إغراءات مالية كبيرة.
لكن الواضح أن المزاج السياسي والأمني المتوجس من روسيا كان واحداً من العوامل الحاسمة في قرار الانضمام لـ «الناتو» وقد لوحظ أنه انتقل كذلك إلى دول البلطيق، حيث دعا الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا إلى تجاهل قلق روسيا من توسع حلف الناتو معتبرا أن انضمام فنلندا والسويد لحلف شمال الأطلسي سيزيد من مستوى الأمن في منطقة بحر البلطيق وسنتمكن من تحسين جودة المراقبة والتحكم في منطقة البلطيق من وجهة نظر عسكرية، معتبرا أن منطقة كالينينغراد الروسية تعد على الأرجح المنطقة الأكثر عسكرة في أوروبا» بينما أعلنت موسكو أنها ستزيد من تواجدها العسكري في هذه المنطقة في حال استمر حلف الناتو بالتوسع شرقا.
حلف الناتو
منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، صارت قضية الانضمام لحلف «الناتو» من أكثر القضايا الأمنية إثارة للنقاش في بلدان أوروبا غير المنضمة للحلف بدافع المخاوف من مواجهة المصير نفسه الذي واجهته أوكرانيا غير العضوة في الحلف والتي جرها طموحها الانضمام لـ»الناتو» إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، دون أن تخضع للبند الخامس من ميثاق الحلف الذي اكتفى بدعمها عسكريا واستخباراتيا، لتجنب المواجهة مع روسيا.
وبالنسبة لموسكو ظل توسع حلف «الناتو» يمثل الهاجس الأمني الأكبر لها بعدما ورثت تركة التوازنات الأمنية للاتحاد السوفيتي منذ أن تأسس الحلف في العام 1949م من 12 دولة بقيادة الولايات المتحدة، معتمدا مبدأ الدفاع الجماعي بموجب المادة 5 من ميثاق الحلف، التي تتيح تدخل دول الحلف للدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم من دولة أخرى.
وحافظت المعاهدات التي ابرمت مع الاتحاد السوفيتي سابقا على بقاء «الناتو» محصورا بـ 16 دولة خلال حقبة الحرب الباردة، بعد انضمام اليونان وتركيا وألمانيا الغربية وإسبانيا قبل أن يتوسع بصورة كبيرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف «وراسو» حيث اتجهت دول شرق أوروبا للانضمام للحلف بداية من «بولندا، والمجر، والتشيك» عام 1999م، ثم رومانيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، وبلغاريا» عام 2004م، وهو العام نفسه الذي شهد انضمام دول البلطيق الثلاث «لاتفيا وليتوانيا وإستونيا» ثم ألبانيا وكرواتيا عام 2009م، وجمهورية الجبل الأسود عام 2017م، وأخيرا جمهورية شمال مقدونيا التي صارت الدولة الثلاثين في الحلف منذ العام 2020م.
حاولت أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو لكن طلبها رفض من الولايات المتحدة بسبب خشيتها من أن تؤدي هذه العضوية إلى استفزاز روسيا التي اعتبرت انضمام أوكرانيا للحلف تهديدا لأمنها القومي، غير أن الموقف الأمريكي تغيَّر كليا بعد العام 2014م الذي شهد ولادة أول تجربة ديموقراطية في أوكرانيا بعد الإطاحة بالنظام الأوكراني الموالي لروسيا.
على ذلك بقي حلف الناتو مكونا من 30 دولة تشترك في الهواجس الأمنية، إلى أن بدأ العالم يشهد تحولات الصراع على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، في ظل ميل دولي واسع لنظام متعدد الأقطاب ينهي الهيمنة الأمريكية على العالم وتبني واشنطن توجهات جادة للحفاظ على نفوذها الدولي.
كانت سياسة الباب المفتوح التي انتهجها حلف الناتو» واحدة من الأدوات التي حاولت واشنطن استثمارها لمواجهة النفوذ الروسي الصيني المتزايد في شرق أوروبا وبقاع مختلفة من العالم، لتكون المواجهة الأولى في أوكرانيا التي انزلقت في حرب مع روسيا دفاعا عن خيارها الانضمام للحلف.
ورغم أن التوقعات كانت تشير إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية قد توقف عجلة توسع الحلف في شرق وشمال أوروبا، إلا أن النتاج كانت معاكسة، حيث أثارت تداعيات الأزمة الأوكرانية مخاوف العديد من الدول الأوروبية التي لم تنضم لحلف «الناتو» من احتمالات أن تواجه مخاطر أمنية في إطار الصراع الدولي على النفوذ بين روسيا والغرب.
الرد الروسي
لا يمكن فصل ما يجري بشأن انضمام هلسنكي واستوكهولم لعضوية حلف «الناتو عن مفاعيل السباق الدولي الخفي للسيطرة على منطقة القطب الشمالي الغنية باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز والمعادن، ناهيك عن حساسيتها الأمنية في معادلة الصراع الدولي على النفوذ.
هذا الأمر عبَّرت عنه تصريحات الأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ، مؤخرا بإشارته إلى أن «الناتو» لا يستطيع السماح بحصول فراغ أمني في القطب الشمالي، حيث يرى الحل «سباقا استراتيجيا متزايدا» إلى تأكيده بأن الناتو» لا يمكنه تحمل فراغ أمني في القطب الشمالي، فذلك قد يغذي الطموحات الروسية ويكشف الناتو ويؤدي إلى سوء التقدير وسوء الفهم في ظل ما نراه من اهتمام صيني متزايد في المنطقة».
ستولتنبرغ لفت أيضا إلى أن موسكو عززت وجودها العسكري في القطب الشمالي في السنوات الأخيرة عبر تحديث قواعدها الحالية وبناء قواعد جديدة في إشارة واضحة إلى أنها تنوي أن تكون لاعب مهيمنا في منطقة القطب الشمالي ذات الأهمية البالغة لجميع أعضاء الحلف».
ورغم أن روسيا قاومت تاريخيا أي توسع لحلف «الناتو» باتجاه الشرق، وخاضت حربا مع أوكرانيا للسبب ذاته، إلا أنه من الصعب الآن التكهن بأن الرد الروسي على انضمام فنلندا والسويد لعضوية الناتو سيكون عسكريا، والأرجح أن موسكو ستتخذ ترتيبات أمنية وعسكرية قد تعيد إلى شمال أوروبا أجواء الحرب الباردة.
ذلك أن كثيراً من المعطيات الميدانية والسياسية تؤكد أن روسيا استفادت من الدرس الأوكراني سياسيا وعسكريا وشاهد العالم كيف نجحت في لملمة أخطائها العسكرية في بداية عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وما تبع ذلك من تركيز لتحركاتها العسكرية في الشرق الأوكراني بعدما تحولت أوكرانيا مسرحا دوليا للحرب بالوكالة بينها والغرب كما تقول روسيا.
وهذا التقدير بشأن الرد الروسي يبقى مرجحا في الوقت الراهن، وتغيره مرهون بأي تحولات مستقبلية قد تراها روسيا تهديدا لأمنها القومي، بما في ذلك تحول أراضي البلدين إلى أهداف محتملة للجيش الروسي وفق ما أعلن نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة الذي اعتبر انضمام هلسنكي واستوكهولم للناتو ضربة للأمن الروسي.
ورغم أن انضمام فنلندا سيفاقم التوتر بين روسيا وحلف «الناتو» لكونه سيوسع حدود الحلف مع روسيا إلى أكثر من 2600 كيلومتر، إلا أن انزلاق روسيا في دوامة الرد العسكري في الوقت الراهن سيكون بمثابة خطأ استراتيجي فادح لن يحقق الأهداف لأمنية التي تريدها روسيا من الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا والتي تراها حرب نفوذ جيواستراتيجياً مع الغرب.
والوضع الميداني والسياسي اليوم يجعل أولوية روسيا هي هزيمة الغرب أولا بامتصاص سلاح العقوبات ونقل آثارها إلى العواصم الغربية وإرغام العواصم الغربية بوقف الدعم الذي تقدمه لكييف حاليا، وذلك سيعني بالضرورة انتصارها في أوكرانيا وفي أي دولة تفكر بالانضمام إلى حلف الناتو اليوم وفي المستقبل.
ورغم أن الجانب الروسي لم يفصح حتى اليوم عن تفاصيل رده المتوقع حيال انضمام فنلندا والسويد إلى حلف «الناتو»، فإن المتوقع أن تذهب روسيا إلى ممارسة سلاح الضغوط الاقتصادية على جارتها فنلندا لكونه أكثر فعالية من الحرب بالنظر إلى أن حالة الاستقرار الاقتصادي التي تعيشها هلسنكي كانت بسبب المزايا الاقتصادية التي وفرتها لها موسكو مدى عقود.
وعلى ذلك فإن أكثر الخطوات العسكرية المرجحة من جانب موسكو هي تعزيز انتشارها العسكري في الشمال الأوروبي، وهو ما أفصح عنه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، والذي ألمح إلى إمكان نشر روسيا أسلحة الردع النووية قرب دول البلطيق والدول الإسكندنافية، باعتبار ذلك خطوة مهمة لتعزيز التوازن «ولن يكون بالإمكان الحديث عن وضعية لا نووية في البلطيق».
وهذا يعني أن روسيا ستكتفى بتعزيز قواتها البرية ودفاعاتها الجوية وستنشر قوات بحرية في خليج فنلندا، استنادا إلى التوجهات الروسية المعلنة في وقت سابق بتعزيز القوة الروسية لمواجهة التوسع المحتمل للحلف وفق قائمة تدابير أمنية طويلة لن تقود في المحصلة فنلندا والسويد إلى تعزيز أمنيهما، بقدر ما ستقود إلى تقويض أركان الأمن في القارة الأوروبية بصورة عامة.
شرق وغرب
في وقت سابق كان مجرد الحديث في أوروبا عن موقف الحياد الذي التزمت به كثير من الدول الأوروبية يثير اتهامات بإثارة الحروب، لكن هذه الثقافة تغيرت كليا اليوم بعدما أدت الأزمة في أوكرانيا بكثير من الدول إلى إعادة النظر في هذه السياسة.
وفنلندا والسويد لم تكونا الدولتين الوحيدتين اللتين انخرطتا في حوار وطني حول الأمن والحياد، فقد دفعت الأزمة الأوكرانية دولاً عدة لتغيير سياستها الحيادية مثل إيرلندا وأرمينيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي المحايدة عسكريا وانضمت إلى بقية الكتلة الأوروبية في فرض عقوبات على روسيا.
ومع ذلك فإن المشهد في شرق وشمال أوروبا لم يخل من مواقف حيادية أقرب إلى روسيا منها للغرب وخصوصا الدول التي تتمتع بعلاقات ثقافية واقتصادية وثيقة مع موسكو قد تبقيها خارج «الناتو» ومنها على سبيل المثال أرمينيا وبيلاروسيا العضوان في منظمة معاهدة الأمن الجماعي تحت الرعاية الروسية، وكذلك أذربيجان التي تعاونت مع «الناتو» ولكنها لم تطلب الانضمام لعضوية الحلف بسبب روابطها مع روسيا أولا وثانيا لكونها عضواً في حركة عدم الانحياز.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن توسع «الناتو» شرقا زاد من حجم الضغوط على روسيا ودفعها دفعا للتعامل العسكري مع ما تعتبره تهديدا لأمنها القومي، بما يجعل ملف الأمن الأوروبي المستقر منذ عقود يستدير قسرا نحو أجواء الحرب الباردة، بعد أن أدى التوسع الجغرافي للناتو إلى إحداث تغيير كبير في الثقافة السياسية الأوروبية وفي معادلة أمن القارة التي صارت بسبب ذلك تواجه تحديات امنية واقتصادية كبيرة.
والحديث عن مكاسب سياسية وأمنية محتملة للدول التي تستعد للانضمام للناتو أو لدول القارة الأوروبية من توسع «الناتو» ليس أكثر من هراء، فخطوات كهذه ستزيد من مخاطر تصعيد المواجهة مع روسيا الشريك الاقتصادي الأهم لدول القارة الأوروبية بما تمتلكه روسيا من موارد هائلة للطاقة تبقى المحرك الأول لاقتصاديات دول القارة الأوروبية لعقود قادمة ودونها يعني الانزلاق في أتون التضخم والكساد.
وفي كل الأحوال فإن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى الكاسب الأكبر من انضمام فنلندا والسويد لحلف «الناتو»، ففي حال مضت هذه الخطوة دون رد روسي حاسم يعرقل الانضمام، ستكون أمريكا حققت أهدافها في وضع قدمها على المنطقة القطبية الشمالية، وفي حال الرد الروسي الحاسم، ستكون واشنطن أيضا حققت نجاحا في تضييق الخناق على روسيا بتوسيع رقعة خصومها الدوليين ووضعها في خضم توتر أمني طويل المدى مع الدول المحيطة، قد يجعل من طموحات روسيا في إنهاء هيمنة القطب الواحد أمرا بعيد المنال.