قرار كارثي لحكومة نواف سلام بنزع سلاح المقاومة الإسلامية اللبنانية، اقل وصف يستحقه في بلد تتقاسمه الطوائف، وتحتل جزءا من أرضه «إسرائيل»، ولاتزال التهديدات قائمة بتجدد الحرب، ناهيك عن وضع الجيش اللبناني والذي لا يرقى إلى مستوى شرطة محلية معززة في دول أخرى.
الثورة / إبراهيم الوادعي
الحديث عن سلاح حزب الله ومشروعيته ليس جديدا وهو عمود التدخل الأمريكي في لبنان وحلفائه في المنطقة، قد يسال أحدهم وما هواجس دول مثل السعودية والإمارات وقطر غزاء سلاح حزب الله، يكمن الجواب في المشهد الأكثر وضوحا الذي قدمه طوفان الأقصى وفرز فيه المنطقة افقيا وعموديا بما يتجاوز الحدود، وظهر فيه أطرف كثر يهتمون لمصلحة «إسرائيل» بأكثر من مصالح بلدانهم التي يحكمونها والأمر نزولا إلى النخب المرتبطة بمصالح مع الزعماء او المنظمات الصهيونية والغربية المرتبطة بتيار المسيحية الصهيونية..
بمافي ذلك عمائم تلبس باسم الإسلام ظهرت مرجعيات للصهيونية شاهدنا مؤخرا أزهر مصر سحب بيان ضعيف ينتقد فيه سياسية التجويع تحت مبرر افساح المجال للمفاوضات السياسية في الدوحة وهي توقفت، ولم يعد بيان الازهر إلى موقعه.
وهذا يقودنا إلى مفتي لبنان عبد اللطيف ادريان الذي هلل لقرار حكومة سلام بنزع سلاح حزب الله في وقت يسكت فيه عن احتلال إسرائيل للأراضي وسجل موقفا ضعيفا خلال عدوانها الأخير على لبنان
وسارع منذ الجلسة الأولى لمناقشة موضوع السلاح لدعم الحكومة بتشجيع الحكومة ونقل موقعه التالي «أثنى مفتي الجمهورية اللبنانية على قرار الحكومة الأخير بشأن مسألة السلاح، وذلك قبل انعقاد الجلسة الثانية لاستكمال النقاش في البند حصرية السلاح.
وأعرب دريان، خلال اتصال برئيس الحكومة نواف سلام، عن تمنيه للحكومة المزيد من الإنجازات وتحقيق الوعود التي جاء بها البيان الوزاري.
في غضون ذلك، استقبل سلام اليوم في السراي الحكومي، وفداً من هيئة العلماء المسلمين في لبنان برئاسة الشيخ سالم الرافعي.
وبعد اللقاء، أشاد الرافعي بـ«الموقف الجريء الذي اتخذته الحكومة بالأمس»» .
وهذا المشهد نزولا من الإطار العربي إلى اللبناني بمافي المسار الديني الإسلامي الذي ظهر حاميا ومؤيدا لإسرائيل، ظهر عقب السابع من أكتوبر درعا حاميا لإسرائيل أكثر من الغرب ذاته، ولن يكون مستغربا تقديم لبنان قطعة حلوى لإسرائيل وغياب شعارات السيادة التي رفعت في وجه ايران وجبهة المقاومة للمشروع الصهيوني.
ولعل من إيجابيات الطوفان كشف نقاط الخيانة في داخل الامة وفضح عمائم الخيانة اذ كان الكثير يتجنب المواجهة معهم رغم تبؤهم دورا كبيرا في تخذيل الامة عن قتال إسرائيل، وتثبيط الشعوب لصالح إسرائيل وامريكا امام مايجري في غزة من جرائم إبادة.
لم يكن بعيدا ذهاب نواف سلام نحو ملف شائك كهذا وتحقيق هدف لأسرائيل عجزت عن تحقيقه بحربين 2006م، 2025م، انطلاقا من الخلفية التي أتى بها الرجل وهو الذي قضى حياته في الغرب على راس منظمات دولية بينها معهد السلام الدولي في نيويورك .
سلام كان مرشح الأمريكيين لرئاسة الحكومة عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتحدث عن ذلك الطرف الشيعي، استغل الامريكيون بشكل واضح استشهاد السيد حسن نصر الله لتمرير الكثير من الأمور والاسماء التي عجزوا عنها في السابق بينها الكرسي الرئاسي وكرسي رئاسة الحكومة، قبل الطرف الشيعي الامرين على مضض، تحت وطاة الوضع الناجم عن الحرب وحاجة المقاومة إلى معالجة جراحها وفهم ماحدث عقب اول حرب ذهل العالم من الوسائل التي استخدمت فيها كحادثة البيجر وتحويل التكنولوجيا إلى قاتل مباشر وليس مصدرا للمعلومات فقط.
نزع سلاح حزب الله ظل الشغل الشاغل للكيان الإسرائيلي، منذ اندحاره عام 2000 عن جنوب لبنان، ومثلت محطة السابع من أيار مايو 2008م احد اخطر المحطات التي واجهها حزب الله للحفاظ على سلاح المقاومة اللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وبعد اقل من عامين على هزيمة الكيان الإسرائيلي عام 2006م، حين اتخذت حكومة فؤاد السنيورة قرارا بنزع شبكة حزب الله السلكية والتي مثلت عماد الانتصار في حرب 2006م، لتندلع بعد ذلك مواجهات لعدة ايم في غرب بيروت وجبل لبنان انتهت بتراجع الحكومة اللبنانية عن القرار الكارثي.
اعتبر حزب الله قرار حكومة سلام خطيئة كبرى، وهو بالفعل كذلك حيث يفقتد لبنان إلى جيش حقيقي نتيجة الفيتو الأمريكي على تسليحه، في حين تتمتع إسرائيل العدوانية والطامعة في ارض لبنان انطلاقا من مزاعم توراتيه بان ارضه متاعا لليهود، بكل وسائل القوة والتكنولوجية التي يملكها الجيش الإسرائيلي وصولا إلى السلاح النووي ..
منذ عام 1982 انطلقت مقاومة حزب الله لطرد إسرائيل من الأراضي اللبنانية واجبرها بالقوة على الانسحاب بعد ان كانت احتلت نصف بيروت إلى الجنوب ثم انحصر تواجدها بشريط حدودي في جنوب لبنان لمدة 20 عاما قبل ان تنسحب تحت النار في مايو 2000م، باستثناء مزارع شبعا الغنية بالمياه، لكن مطامعها لم تتوقف وفي عام2006م شنت حربا كبرى بغية تدمير المقاومة الإسلامية قبل ان تتوقف بعد 33 يوما من القتال وتجر أذيال الخيبة وفقا لتصريحات مسئوليها..
قرار حكومة سلام هو انعكاس لحالة النشوة أيضا التي يعيشها أطراف لبنانية ترتبط بوضوح بالمشروع الإسرائيلي والامريكي في المنطقة، وجديدها صعود العمائم السنية بوضوح إلى مقدمة هذا الصف المناوئ للمقاومة على يد المفتي ادريان والذي يبتنى خطا عدائيا لجبهة المقاومة في المنطقة ككل، فهو لم يندد ابدا بتسريبات سوريا عن الرغبة في ضم طرابلس إلى سوريا وإيجاد خنجر في ظهر مناطق البقاع الشرقي ذو الغالبية الشيعية
لا يرفض حزب الله من المبدأ الحور حول سلاح المقاومة، وبدأ قادة الطوائف اللبنانية حوار حول سلاح المقاومة حضر الجلسة الأولى منها سماحة الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله، وتواصلت عقب حرب تموز الإسرائيلية على لبنان في العام 2006م، وفي أغسطس 2012 م عرض أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله أنه على استعداد لتأمين السلاح للجيش اللبناني من إيران، ليكون لديه سلاح كسلاح المقاومة لكن الحكومة اللبنانية لم تجرؤ على كسر الفيتو الأمريكي على تسليح الجيش اللبناني، كما لم تفعل حين عرضت طهران حل ازمة كهرباء لبنان بسعر زهيد وعروض تملك للمحطات مغرية لاء حكومة لديها قدر بسيط من الحرية.
وأضاف السيد الشهيد حسن نصر الله حينها أن «المطلوب أميركياً أمر واحد منذ عام 2000.. هو نزع سلاح المقاومة».
وجاء في بيان حزب الله تعليقا على قرار حكومة سلام: هذا القرار نتيجة إملاءات المبعوث الأميركي براك، وهو ما ذُكر في أسباب طرحه في مجلس الوزراء ومبررات إقراره، بإعلان الرئيس سلام أنَّ مجلس الوزراء «قرَّر استكمال النقاش بالورقة الأميركية يوم الخميس المقبل، وتكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي». هذا القرار يُحقق مصلحة إسرائيل بالكامل، ويجعل لبنان مكشوفًا أمام العدو الإسرائيلي من دون أي ردع.
تحول توماس براك المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان إلى اشبه بحاكم عسكري يصدر التوصيات والاوامر، وبراك وهو سفير الولايات المتحدة لدى تركيا ومبعوثها الخاص لسوريا، زار بيروت لأول مرة في 19 يونيو 2025 حاملاً خريطة طريق أمريكية مفصلة من 6 صفحات لطرحها على المسؤولين اللبنانيين. سمّيت الخريطة بـ»ورقة براك» وتضمنّت مطالب واضحة بنزع سلاح حزب الله والفصائل المسلحة كافة في لبنان بشكل كامل قبل نهاية 2025.
وفي المقابل تعِد الخطة الأمريكية بانسحاب القوات الصهيونية من المناطق اللبنانية المحتلة المتبقية ووقف الضربات الإسرائيلية على لبنان. كما تربط بين نزع السلاح واعادة إعمار مناطق في لبنان دمرتها الحرب الأخيرة، ودعم لبنان اقتصاديا، وجميعها وعود اثبتت التجارب السابقة ان لا الأمريكيين ولا الإسرائيليين يلتزمون بوعودهم .
من شان قرار حكومة سلام اسقاط سيادة لبنان، واطلاق يد الكيان الإسرائيلي للعبث بأمنه وجغرافيته وسياسته ومستقبل وجوده، وامام هذا الواقع الذي تستشرفه المقاومة والقوى الحرة في لبنان اكد حزب الله في بيانه :»سنتعامل مع هذا القرار كأنَّه غير موجود».
مطالبا بالزام العدو بالانسحاب أولا من المناطق الخمس التي يحتلها في جنوب لبنان وفقا للاتفاق الذي انهى الحرب، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان وتحرير أرضه والإفراج عن الأسرى، والعمل لبناء الدولة، وإعمار ما تهدَّم بفعل العدوان الغاشم، ليناقش السلاح في اطار استراتيجية الأمن الوطني ولكن ليس على وقع العدوان.
وفي الخلاصات حقق الطرف الأمريكي والإسرائيلي عبر عملائه في الداخل خطوة سياسية برفع الغطاء السياسي عن سلاح حزب الله، لكنها تظل غير ذات فعالية وفقا لبيان حزب الله بانه لن يتعامل مع القرار، ويظل خيار التراجع واردا كما حصل في 2008م .. وعمليا لا تستطيع الحكومة اللبنانية نزع سلاح المقاومة فهي لا تعلم اين يوجد، ولوكان لكانت إسرائيل قصفته ولم تنتظر قرارا حكوميا.
تكمن الخطورة في الخطوات الي قد يقدم عليها الأمريكي الحكومية بالدفع لصدام بين حزب الله والجيش اللبناني الذي كلف بوضع خطة لتطبيق القرار تنتهي بنهاية العام، او الدفع نحو حرب اهليه لكن الفوز فيها قد لا يكون مضمونا لحلفاء أمريكا، وقد تفضي نتائجها إلى « طائف جديد» يعيد لبنان اقوى منذي قبل، ويقصى حلفاء أمريكا عن المشهد …
المواجهة على مستوى المنطقة ومنها لبنان واليمن كميادين مشتعلة خارج فلسطين أضحت دون رتوش بين معسكر الصهيونية وجبهة المقاومة ومفتوحة على كل الاحتمالات بمافي ذلك تمددها إلى دول أخرى ومفاجأة المعسكر الأمريكي، الفرز الذي يحدث منذ السابع من أكتوبر 2023م، على مستوى الأمة والمنطقة يصبح أكثر وضوحا، ويساعد الأحرار على التحرك بخفة وفعالية اكبر في ميادين أخرى قد تشتعل غدا وتفاجئ المعسكر الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة فالاحتقان الشعبي أمام ما يجري في غزة بلغ مستوى الثورات .