الهدنة .. خدعة غير موفقة
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
حاولت السعودية أن تظهر نفسها ببعد إنساني من خلال الاحتيال الذي تقوم به، وتظن نفسها أن قد بلغت من خلاله غاياتها وذروة مآربها، وإذا بها تسقط في الوحل وتتمرغ في تراب الحقيقة، فالهدنة التي تم الترويج لها على نطاق واسع لم تكن إلا خداعا أرادت من ورائه إعادة ترتيب أوراقها مع أمراء مجلس الحرب الذي شكلته مؤخرا في الرياض برئاسة العليمي، ويبدو أن الغباء أصبح سمة غالبة على نظام سلمان وابن سلمان، فقد وقعوا في الوهم من حيث ظنوا امتلاك زمام المبادرة من خلال حركة التبدل والتغيير التي تمت صناعتها بجهد استخباري كبير، لكنه لم يكن موفقا البتة في تصوراته الاستراتيجية التي رسمها وحاول تشكيل معالمها على الأرض دون إدراك واع للبعد الحضاري والتاريخي والثقافي، فقد بنى التصورات على نموذج الإخوان الانتهازي وهو نموذج غير متسق مع البناء الثقافي التاريخي والقيمي بل يشكل حالة تضاد، ولذلك لم يكن مكرهم موفقا .
مجلس الحرب المشكل مطالب اليوم من قبل نظام سلمان وابنه بالتوقيع على كلفة الحرب وفق الكثير من التسريبات، وهي عقدة قد تقلب مسارات وحسابات مجلس الحرب وتجعله يعيد النظر أو يتعامل مع معطيات الواقع بمعيار المصالح، وفي تقديري أن العنصر التاريخي سيكون حاسما في تغيير القناعات عند الكثير، وبالتالي فكل حركة تقوم بها السعودية لن يكتب لها النجاح مهما بذلت من مال، وأمام القوم تجارب غير بعيدة من سوء التعامل ومن الخذلان الذي لحق بالكثير من الذين فرشوا عيونهم للمال السعودي فهانوا وذلوا .
لم تكن السعودية على وعي كامل وهي تقدم على فكرة تشكيل مجلس القيادة، فقد خانها جهازها الاستخباري فوقعت في الفخ الذي لن تدركه إلا ضحى الغد، بعد أن يقع الفأس على الرأس، ومن الغباء الاستخباري السعودي المفرط ظهوره بصورة فجة من خلال ملف الأسرى، حيث حاولت السعودية أن ترسل عناصر استخبارية للقيام بمهام محددة في اليمن، لكن اللعبة لم تمر على لجنة شؤون الأسرى، فقد سارعت للتوضيح ولفت أنظار العالم إلى مغالطة النظام السعودي، فوقع في الحرج من حيث يدري أو لا يدري .
هذا الغباء في التعامل مع الملف اليمني ترك أثرا على مشاعر أهل اليمن وعمل على إشاعة الوعي في الصف الوطني، ولذلك تضيق دائرة الولاءات في اليمن التي كانت تتحرك في مساحتها السعودية، وبالتالي تصبح فرص السيطرة على مقاليد الحاضر والمستقبل قليلة جدا بالقياس على ما كان عليه الحال في الماضي البعيد والقريب، بل ربما يشهد المستقبل تبدلا في المواقع حيث تصبح اليمن هي التي تتحكم بمقاليد الأمور في المملكة – وما ذلك على الله ببعيد – فالدول تشيخ وتبلغ مراتب الانكسار كلما امتد بها الزمان ودب الضعف في جسدها بالظلم والاستبداد والطغيان، كما هو حال نظام سلمان وابنه الذي مارس الفظائع تجاه شعبه وشعوب العالم المسلم في الماضي أو الحاضر .
ويبدو أن التلويح بورقة تكلفة الحرب كورقة ضاغطة غباء مفرط إذ أن نتائجه مزدوجة ولن تصب في صالح السعودية، ذلك أن من وقع على التكاليف لا يعني أهل اليمن في شيء، ووفق كل التفاهمات العامة والوثائق فالعلاقة الرابطة قد انتهت، وبالتالي فكل تصرف يصدر عنه ليس ملزما، كما أن الذين جاءوا من بعده لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يعني أهل اليمن من شأنهم شيء، ونتائج الحرب ستفرض بنود اشتراطاتها سواء على هذا الطرف أو ذاك، وفي ظني أن السعودية التي تدير الحرب وتريد أن تهرب من تبعاتها ستكون مضطرة إلى الجلوس على طاولة الحوار وسوف تقبل النتائج بوجه منكسر مهزوم .
والسعودية اليوم أمام فرصة كبيرة للخروج من مأزق اليمن لأن طول أمد الحرب أو قصره لن يوصلها إلا إلى نتيجة واحدة في اليمن وهي الهزيمة، ولذلك فاستغلال الهدنة بصورة عكسية – لا تعزز من الثقة بالنوايا السليمة للسلام – وبال، نأمل أن تراجع نفسها فيه، قبل أن تقع في شباكه ثم تصبح النتائج كارثية عليها، وما هو آت لا يشبه ما قد كان.
لقد قالت الأيام للسعودية سواء منها الأيام القريبة التي عاشت وتعيش تفاصيلها اليومية – في جبهات الحدود أو جبهات الداخل الوطني – أو تلك البعيدة التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، أن اليمن عصي على الهزيمة والانكسار لذلك فكل حرب تقف خلفها السعودية لن تنتصر فيها، ولا مناص لها من الجلوس المباشر على طاولة الحوار للخروج من المأزق الذي دفعتها إليه أمريكا دفعا .