الأنشطة المدرسية الطريق الأول صوب التميز فمن خلالها يمكن اكتشاف مواهب خلاقة للطلاب وبعد المداومة على القيام بها ترتقي تلك المواهب بنسبة ذكاء الطلبة المشاركين.
والوسيلة المدرسية والمجلة الحائطية والزينة المعلقة على الجدار قد يراها الكثير ذات منظر جميل وإيحاء إيجابي فقط.. ولكن في الحقيقة هي أكبر من ذلك بكثير فهي حصيلة تنمية عقلية ممنهجة ودليل ملموس على رحاب التفكير المبدع خاصة عندما يتكفل الطالب هو وباقي زملائه بتلك الأعمال.. حول الأنشطة الحائطية وأهميتها بالنسبة للطلاب ودورها في تنمية ذكائهم وإظهار قدراتهم الإبداعية نتابع هذا التحقيق:
حينما قمت بسؤال أحد الطلاب الذي لم يتجاوز عمره ثمان سنوات عما إذا كان قد شارك بتزيين فصله بفكرة.. فأجابني بنعم ودعاني للدخول لصفه الدراسي ومشاهدة لوحته.. لم أستطع رفض طلبه فتوجهت معه صوب فصله وأراني لوحته التي كانت رائعة بالفعل بعد ما بدأ يشرح لي كيف أنه استخدم الألوان المتنوعة وكيف أن معلمته ساعدته في اختيار موضوع يجسده على اللوحة من درس القراءة لكتابته عليها وتلوينها ووضع بعض الزين والأشكال الرائعة والورود الصناعية حولها.. كان شكل اللوحة جميلاٍ وظهر فيها إبداع هذا الطفل الذي يدرس في الصف الثالث من المرحلة الأساسية.
مشاركة
علي العزيزي أحد الطلاب المبدعين كما تصفه معلمته.. قام باختيار لوحة وحدد لها اللون السماوي فهو يحب هذا اللون وظل يفكر طويلاٍ في اختيار نوع اللوحة المدرسية والموضوع الذي سوف يكتبه فيها.. فلجأ إلى معلمته لتساعده هذا ما قالته المعلمة الهام البحري وتضيف: أنا حين رغبت في تزيين فصلي طلبت من طلابي أن يحضروا لي مجموعة من الأفكار التي ستساعدني في تحديد الوسائل والتي ستعلق على جدران الصف فقررنا أن نضعها على هيئة سنافر “برنامج الأطفال المفضل لدى طلابي”.
وتابعت وبالفعل وبمشاركة منهم قمت بإعداد هذه اللوحة ووضعنا رسوماٍ متحركة وكتبنا على كل واحدة منها اسم طالب في الصف وأصبح طلابي بعدها يتباهون بصفهم والجميل في مسابقة أفضل صف التي تقيمه إدارة المدرسة هو حث الطلاب على الإبداع من خلال الوسيلة التعليمية وكم كانت فرحة طلابي حين حصدنا المرتبة الأولى..
ومضت تقول: ومنها عرفت من هم الطلاب المبدعون في فصلي وبعد حديثي المطول مع المعلمة عن بداية هذا النشاط في صفها.. أمسك الطالب علي بيدي طالباٍ مني تصوير لوحته والتركيز على اسمه في اللوحة كانت الألوان هادئة والموضوع مكتوب من داخل المقرر.. والنتيجة لوحة جميلة تعكس مدى إيجابية المشاركة بين الطالب ومعلمته.
جهود شخصية
وفي مدرسة ابن خلدون وجدت مجموعة من الطلاب والطالبات يتنافسون فيما بينهم ويبتكرون طرقاٍ جديدة خاصة بهم لتزيين فصولهم الدراسية فهم من يشترون اللوحة القرطاسية ويختارون الدروس التي سوف تكتب فيها أو الرسوم الهندسية من مادة الهندسة أو مادة العلوم وما على المعلم سوى الإشراف عليهم فقط ويحدد لهم أماكن لتعليقها داخل الصف.. ومن الملاحظ أن صفوف الطالبات أكثر ترتيباٍ ولكن الطلاب أيضاٍ أظهروا قوة وإبداعاٍ في المنافسة.
مبدع ولكن¿
في بعض المدارس الخاصة التي يشكو طلابها بأن معلميهم لا يساعدونهم في إظهار مواهبهم يقول “عزت” طالب مرحلة ثانوية يلقبه زملاؤه بخطاط الصف.. لكن معلمته حين رغب في تكليف الطلاب بعمل وسائل حائطية.. جمعت المال من الطلاب وأخذت اللوحة للخطاط لتجهيزها وبشهادة طلاب الصف كان بإمكان الطالب “عزت” أن يعمل أفضل من لوحة الخطاط.. لهذا قرر عزت مساعدة صديقه “محمد” الذي يدرس في المدرسة الحكومية بإعداد وسيلة تعليمية..
أخبره صديقه بأن المعلم سوف يعطيه درجات عليها وما فاجأ عزت بأن الوسيلة الحائطية لم تعلق بالصف بل إن المعلم من شدة إعجابه بها وضعها في حائط المدرسة من الداخل ليستفيد منها كل الطلاب في كل الصفوف.. فقال الطالب “عزت” (هؤلاء المعلمون الذين يقدرون مواهب الطلاب ويساعدونا على الإبداع مش سع مدرستنا).. نعلق لوحة داخل الصف من فلوسنا لكنها من عمل الخطاطين.
مواهب حاضرة
المعلمة انتصار ياسين الأديمي – مدرسة قرآن – مدرسة ابن خلدون تقول: لا بد من إشراك الطلاب في تزيين الصف وعمل اللوحات والمجلات الحائطية وإظهار مواهبهم ففي كل صف دراسي لا بد من وجود طفل موهوب يمتلك موهبة ما.. إما في الرسم أو الخط أو دمج الألوان أو اختيار زوايا التعليق للمجلة الحائطية.
وتزيد بالقول هذا ما أنا مؤمنة به ولا يمكن للمعلم معرفة ذلك من دون عمل أنشطة داخل الصف.. ففي صفي مثلاٍ قامت عدد من الطالبات بإحضار لوح حائطية وتعليقها على جدران الصف وهن بأنفسهن نتعاون معاٍ في إعدادها وأنا بدوري قمت بالإشراف عليهن وإعطائهن ملاحظات بسيطة ومن هنا عرفت كل موهبة تمتلكها طالباتي لذا نرجوا من الوزارة أن تدعم الأنشطة المدرسية فمن خلالها نستطيع تطوير تلك المواهب.
تعاون مشترك
أما المعلم محمد البتول – معلم ثالث ثانوي يؤكد على ضرورة مشاركة كافة الطلاب في إعداد اللوحة أو المجلة الحائطية فالمعلم يقوم بدور الإشراف فقط حتى يتمكن الطلاب من إبراز مواهبهم وقدراتهم الإبداعية.
تتفق معه المعلمة زينب الرياشي – مدرسة صفوف أساسي بأن إشراك الطلاب في إعداد الوسيلة التعليمية والمجلة الحائطية ينعكس بالإيجاب عليهم وهذا ما تبين بالفعل حين وضعت لهم عدد من المقترحات كأن تكون اللوحة التعليمية على هيئة سفن أو قوس قزح أو غيرها من الأشكال.. حيث اختار الطلاب شكل السفن والتي تقسم إلى نصفين بحيث تحتوي على درسين من المنهج وهكذا تعاون جميعاٍ في ترتيب اللوحة وإلصاقها على الجدران وأصبح الطلاب راضين عن فصلهم ويتباهون به أمام أقرانهم من طلاب الصفوف الأخرى.
هذا أيضاٍ ما يراه المعلم محمد المحفلي – مدرس تربية إسلامية وبضرورة إشراك الطلاب في الأنشطة المدرسية وتكليفهم بعمل لوحات من تصميمهم وعمل أيديهم لإبراز مواهبهم الإبداعية وتعليمهم المشاركة وخلق روح التعاون حتى يصبحوا قادة الغد..
تنمية المواهب
تؤكد المشرفة إلهام الكميم – أخصائية اجتماعية بمدرسة ابن خلدون بأن مثل هذه الأنشطة تساعد الطلاب على الإبداع سواءٍ داخل فصولهم من خلال مشاركتهم الفاعلة بتزيينها أو حتى في الخارج وهذا الإبداع والنشاط من شأنه أن يخلق ارتياحاٍ نفسياٍ لدى الطالب بالإضافة إلى تنمية المواهب وخلق روح التعاون بين الطلاب لتحقيق المزيد من الإبداع ولم تختلف معها المشرفة أمل المحمدي في ذلك وتضيف: إن قيام الطالب بمثل هذه الأنشطة من شأنها أن توجه الطاقات الكامنة بداخله بطريقة صحيحة سواءٍ كان النشاط ذهنياٍ أو عضلياٍ.
وفي نفس السياق تحدث أيوب الحائر – مختصم اجتماعي أن مشاركة الطالب مع زملائه في الصف بمثل تلك الأعمال من شأنه أن يعزز القيم والمبادئ الإيجابية والإبداعية في نفوس أبنائها الطلاب لذا نحن دائماٍ ما نهتم بمثل تلك الأعمال وذلك لثقتنا التامة بالنتائج الإيجابية التي قد تحصل عليها من هذه الأعمال التي ستصنع لنا في الأخير قادة في المستقبل.
أهمية فعلية
ومن جهته يرى خالد الصالحي – مدير مدرسة صناع الحياة الرائدة بأن فكرة الأنشطة المدرسية بشكل عام ومن ضمنها المجلة الحائطية والوسائل التعليمية وتزيين الفصول لها أهمية لا تقل عن بقية الأنشطة الأخرى لذا غالباٍ ما نعطيها اهتماماٍ خاصاٍ وذلك بإقامة مسابقات لأفضل فصل مزين ويشتمل على وسائل تعليمية شاملة وتحفز الطلاب على المشاركة وتجميل فصولهم وتقدم جائزة لأفضل فصل شمل هذا النشاط.
منوهاٍ بأن دعم وتشجيع هذه الأنشطة يحقق تنشئة سليمة للطلبة وتجعلهم أكثر قدرة على الثقة بأنفسهم وتتيح استغلال طاقاتهم ومواهبهم الكامنة وصقلها بصورة إيجابية تخدم الطالب والمجتمع.
فيما يقول عبدالله الكميم – مدير مدرسة ابن خلدون بأن لدى المدرسة 53 فصلاٍ دراسياٍ مليئاٍ بالطلاب وعلى الرغم من ذلك إلا أن الأنشطة المدرسية تعتبر شيئاٍ مهماٍ بالنسبة لنا وللطلاب فهي تساعدهم على إفراغ طاقاتهم الكامنة من خلالها فالوسائل التعليمية التي تشغل فكر الطالب وتصب اهتمامه نحو إبراز موهبته هو ومجموعة من زملائه داخل الصف الدراسي في محتوى المجلة الحائطية تنبثق من مبادرة شخصية بالنسبة لنا كمدارس حكومية ومن مشرف الصف نفسه.
وزاد بالقول: المعلمون بإمكانهم الإبداع وإخراج الطلاب الموهوبين والمتميزين والدفع ببقية الطلبة بالتعاون مع بعض وتقوية روابطهم والعمل على زيادة حبهم في التعلم.. ويضيف قائلاٍ: 2000 طالب في مدرسة ابن خلدون بلا معلم نشاط واحد أرجو أن تلتفت وزارة التربية والتعليم لهذا الأمر.
أما خالد بن صالح – وكيل مدرسة يؤكد على أهمية الأنشطة المدرسية والمجلة الحائطية على وجه الخصوص وذلك يعود للأداء النوعي والإبداعي الذي يظهره الطلاب عند المشاركة فيه فالمجلة الحائطية والوسائل التعليمية تسهم في تحقيق توافق بين الطالب وأجواء الدراسة كما تساعده في تنمية اتجاهاته الإيجابية نحو المدرسة ومعلميه بما يعزز جوانب التحفيز النفسي والدافعية للطلاب نحو الإبداع وإظهار مواهبهم.
روح الجماعة
يرى علماء النفس التربوي بأن للأنشطة المدرسية الأثر الإيجابي الملموس لتحقيق العديد من الفوائد التي أثبتها الدراسات العلمية الحديثة.. كمساعدة الطلاب للعودة للمدرسة وتعديل بعض من سلوكياتهم السلبية وكذلك تحقيق الأنشطة المدرسية والأهداف التربوية داخل المدرسة كالشعور بالانتماء للجماعة وإظهار روح التنافس المنظم والشريف بين الجماعات المدرسية وتحقيق الاستقرار النفسي والقدرة على إظهار المواهب الكامنة داخل الطالب التي قد لا يدركها إلا من خلال النشاط الذي يقوم به بالتعاون مع زملائه ومعلميه داخل الصف الدراسي من خلال المشاركة في تصميم الوسيلة أو المجلة الحائطية أو تزيين الفصل بأشكال يحبها هو وأصدقاؤه وغيرها من الأنشطة التي تنمي وتطور مهارات الطالب وتحقق له الاستقرار النفسي.