يعتبر الجامع الكبير في صنعاء من أقدم المساجد الإسلامية، وهو أول مسجد بني في اليمن، ويعتبر من المساجد العتيقة التي بنيت في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال الحافظ الرازي في كتابه “تاريخ صنعاء” إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أرسل وبر بن يحنس إلى صنعاء في العام السادس الهجري قال له: “مرهم ببناء مسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان، واستقبل به الجبل الذي يقال له ضين”، فبدأ الصحابي الجليل وبر بن يحنس ببناء الجامع في بستان باذان جاعلاً القبلة باتجاه جبل ضين ما بين قصر غمدان والصخرة الململمة، وأثناء البناء عملوا في إحدى الدعائم خشبة كان فيها مسمار وفي الدعامة الأخرى حجر فيه نقر، وكانوا يمدون الخيط من دعامة إلى الأخرى حتى يقوموا بوزن اتجاه القبلة، فتم تحديد القبلة بدءاً من المسمورة والمنقورة التي تتوسطهما قبلة الجامع، وكان له باب واحد من الناحية الجنوبية وبه (12) عموداً أشهرها المنقورة وهي العمود السادس من ناحية الجوار الشرقي الحالي مكتوب عليه المنقورة، والمسمورة هي العمود التاسع من نفس الناحية ومكتوب عليه المسمورة.
وقد حافظ اليمنيون على موضع الدعامتين بعد بنائهما بالحجر وكتبوا على الدعامتين: المسمورة والمنقورة وهذا المكان المحدد بدعامتي المسمورة والمنقورة موجود معلوم طوال التاريخ الإسلامي لليمن وإلى يومنا هذا في مؤخرة الجامع الكبير في صنعاء.
وإذا كانت أغلب مساجد المسلمين في العالم تتجه في تحديد القبلة إلى الجهة التي فيها الكعبة كما قال تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة: من الآية150)، إلا أن توجيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لوبر بن يحنس مكّنَه من تحديد القبلة إلى عين الكعبة مباشرةً، وهذا هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذا هو الفرق بين العمل البشري والتوجيه النبوي، فمن علَّم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم تحديد موضع الكعبة وجهة القبلة، وزاوية ميلها التي لا تتيسر إلا بأدق الأجهزة العلمية في عصرنا الحاضر وباستعمال الأقمار الصناعية والطائرات والخرائط الدقيقة؟! وصدق الله القائل عن الوحي الذي أجراه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (لنجم:3 – 5) إنها الرسالة التي أقام الله حجتها على العباد بمعجزات تتجدد عبر القرون.