كونها من أفعال الخير المتعدية للغير: الجهاد فضيلة يتضاعف أجرها في رمضان.. وقضاء الحاجات من أفضل ما نتقرب به في شهر الصيام

 

يُقبل المسلم في شهر رمضان على الإكثار من فعل الخيرات وترك المنهيات، وأعمال الخير في رمضان كثيرة، ولا تحصى، ولكن يجب أن يعرف المسلم أن من أعظم الأعمال أجراً، وأكثرها مرضاة لله – عز وجل -، تلك التي يتعدى نفعها إلى الآخرين، وذلك لأن نفعها وأجرها وثوابها لا يقتصر على العامل وحده، بل يمتد إلى غيره من الناس، حتى الحيوان، فيكون النفع عاماً للجميع.
كما أن من أعظم الأعمال الصالحة نفعاً، تلك التي يأتيك أجرها وأنت في قبرك وحيداً فريداً، ولذا يجدر بالمسلم أن يسعى جاهداً لترك أثر قبل رحيله من هذه الدنيا ينتفع به الناس من بعده، وينتفع به هو في قبره وآخرته، وصدق الله في قوله: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل:20].
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون مر وهذا الأثر
فالفرق بين النفع المتعدي والنفع القاصر؛ أن النفع المتعدي هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواءً كان هذا النفع أخروياً: كالتعليم والدعوة إلى الله تعالى، أو دنيوياً: كقضاء الحوائج، ونصرة المظلوم وغير ذلك.
أما النفع القاصر: فهو العمل الذي يقتصر نفعه وثوابه على فاعله فقط، كالصوم، والاعتكاف وغيرهما.
وقد بيَّن فقهاء الشريعة أن النفع المتعدي للغير أولى من النفع القاصر على النفس؛ ولذا قال بعضهم: إن أفضل العبادات أكثرها نفعاً، وذلك لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة من نصوص دالة على فضل الاشتغال بمصالح الناس، والسعي الحثيث لنفعهم وقضاء حوائجهم، ومن أبرزها ما يلي: قال – عليه الصلاة والسلام – لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه «لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم»، وعن أبي الدرداء – عليه السلام – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب».
كما أن صاحب العبادة القاصرة على النفس إذا مات انقطع عمله، أما صاحب النفع المتعدي فلا ينقطع عمله بموته، وهذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس، ولا يعني ذلك أن كل عمل متعدي النفع أفضل من كل عمل قاصر، بل الصلاة والصيام والحج عبادات قاصرة – في الأصل – ومع ذلك هي من أركان الإسلام ومبانيه العظام، ولذا قال بعض العلماء: (أفضل العبادات: العمل على مرضات الرب في كل وقت مما هو مقتضي ذلك الوقت ووظيفته).
إن النفع المتعدي هو طريق الأنبياء والرسل، ووظيفة من سلك سبيلهم، واقتفى أثرهم، فهم أنفع الناس للناس، وهم الذين يهدون الناس إلى الله تعالى، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وذلك بدعوتهم إلى توحيده، الذي لا عز ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا به.
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون: فهذا زين العابدين علي بن الحسين -عليه السلام- كان يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في ظلام الليل، فلما مات فقدوا ذلك، قال ابن إسحاق: كان أناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم فلما مات علي بن الحسين -عليه السلام- فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم في الليل.
وهكذا هم الصالحون من هذه الأمة إذا وجدوا فرصة لنفع الخلق، فرحوا بها فرحاً شديداً، وعدوا ذلك من أفضل أيامهم، فهذا أحد الصالحين ينشرح إذا رأى سائلاً على بابه! ويقول: (مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي).
ومن أهم نماذج الأعمال المتعدية النفع؛ الدعوة إلى الله والنصيحة، والجهاد والحراسة في سبيل الله، وبناء المساجد، والإصلاح بين الناس، والشفاعة ونصرة المظلومين، وقضاء حوائج الناس والقيام بأعمالهم وإغاثتهم عند نزول الكرب بهم، والقرض الحسن، وإنظار المعسر، وإطعام الطعام، والإحسان إلى الأيتام، والسعي على الأرملة والمسكين، والإحسان إلى الجار، وصلة الرحم، وتفقد أحوال المسلمين، وإماطة الأذى عن الطريق، والرفق بالحيوان، فالمسلم خيره كالريح المرسلة، ينتفع به جميع المخلوقات، حتى الحيوانات.
أما ما يبقى بعد موت المسلم، فهو الإيمان والصلاح، والسنة الحسنة، والعلم النافع والصدقة الجارية والولد الصالح الذي يدعو لوالديه، والوقف الإسلامي؛ فالوقف أحد الأسباب التي تكون طريقاً لزيادة الحسنات وتكثير الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة.

قد يعجبك ايضا