من المناسب أن يعيش الصائم في بداية شهر رمضان الأجواء العبادية والروحية التي وصفها الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء دخول شهر رمضان الذي استهله بالحمد ثم التمهيد للصائمين ببيان فضيلة ومكانة ومنزلة هذا الشهر العظيم وخصائصه وأفضاله وإحسانه على المؤمنين لتنبعث لديهم الهمة والرغبة والنشاط والاندفاع نحو الالتزام بما يفرضه هذا الشهر من تكاليف خاصة تهذب الإنسان وتدربه للوصول إلى التقوى.
يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في دعاء دخول شهر رمضان: (وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا، وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الإِسْلاَم، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ…).
يقول الإمام علي عليه السلام: «ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم وتخشيعاً لأبصارهم وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم.». الانعتاق من الدنيا
فالمسلم على مدار السنة ملاحق من الدنيا، تلاحقه في بطنه وفرجه وحاجياته المادية، أما في هذا الشهر الكريم، فإن الدنيا تركن جانباً، ويفسح المجال للآخرة لتأخذ دورها في توجيه الإنسان الوجهة السليمة، فالعطش والجوع، والشدّة والبلاء فيه، إنّما تذكر بشدّة أكبر، وجوع أشدّ وعطش أظمأ، إنّه عطش وجوع وشدّة يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: «فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم القيامة وعطشه».
إنّ هذا الشهر الكريم يجعل الإنسان يعيش حياته بعد موته، وما أجمل أن يسبق الإنسان الزمن، فيموت قبل موته – كما يقول الإمام علي علية السلام ويعيش الآخرة في الدنيا تلخيص عام في ليلة.
فإذا كان الله سبحانه، يقدّر للإنسان في ليلة القدر، ما الذي سيجري عليه في عام كامل، فجدير بالإنسان أن يجمّع كل قواه لهذه الليلة، ليطلب من الله ما الذي يريده هو أن يكون عليه، ومن سلامة وعافية، وحمل رسالة الله لخلقه، وتصحيح نيّته، وسلامة قلبه وطهارة عمله، وكسب الحلال فيه. والانطلاق في الحياة بما يرضي الله في الدنيا والآخرة.
فهذا الشهر الكريم، هو شهر التطوّر السليم نحو الأفضل، وهو التطوّر الذي يبنيه الإنسان بنفسه، لا الذي يفرضه الآخرون عليه.
تجريب الإرادة
وهذا الشهر الكريم، فرصة جيدة لتجريب الإرادة واكتشاف النفس، فالإنسان بطبعه ينهار أمام ضربات الجوع والعطش واللذة. ولكنّه في هذا الشهر بحاجة لتغلّب إرادته على شهوته، وقيمه على لذّته. وإلاّ فإن الخضوع للذّة، أو عدم الصبر على جوع أو عطش، قد يدخل الإنسان ناراً سجرها جبّارها لغضبه.
تحسُّس آلآم الآخرين
لا يريد الإسلام المسلم فرداً، إنّما يريده أمّة، واختلاف الإنسان الفرد عن الإنسان الأمّة إنّما هو في أنّ الأول لا يعرف إلاّ نفسه، ولا يسعى إلاّ وراء رزقه وراحته، بينما الثاني يرى أن سعادته جزء لا يتجزّأ من سعادة الآخرين، ورزقه لا يكون مساغاً إلاّ إذا أمن رزق الآخرين عن النهب والسرقة من قبل أصحاب القوة والسلطة، ولذلك لا يستكبر دفع نفسه في لهوات الحرب دفاعاً عن لقمة المحرومين، وحريّة المستضعفين.
وهذا الشهر الكريم محطّة يتحسّس المسلم فيها آلآم الآخرين، فهو بجوعه خلال هذا الشهر يتذكر الذين يجوعون في أيام السنة، من الفقراء والمحرومين الذين يجوعون دائماً ويعطشون.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: «أمّا العلّة في الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزّ وجل أن يسوّي بين خلقه وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم ليرقّ على الضعيف، ويرحم الجائع».
وسئل الإمام الحسين عليه السلام: لمَ افترض الله عز وجل على عبده الصوم؟ فقال عليه السلام: «ليجد الغنيّ مسّ الجوع، فيعود بالفضل على المسكين».
تنعكس هذا المميزات والخصال لهذا الشهر الفضيل على سلوك المسلمين الاجتماعي مما يترك فوائده وآثاره العديدة على المجتمع الإسلامي.
Prev Post
قد يعجبك ايضا