يتعرض اليمن لأشرس هجوم عسكري وإعلامي من قبل عدوان تقوده أغنى الدول وفي مقدمتها السعودية والإمارات، لكن ذلك لا يعني أن يتنازل العالم عن مبادئه وقيمه الأخلاقية وينحاز للأغنياء ولا يعني أن يفقد الإعلام العالمي مصداقيته ويقف في صف القاتل ضد الضحية ويجتهد في تبرئته لدرجة توجيه الاتهامات للضحية نفسها.
لم ينته العدوان على اليمن ولم تتوقف سيناريوهات استهداف الأبرياء، ومثلها لم تتوقف الحرب الإعلامية وماكينة التضليل والتزييف وخداع الرأي العالمي وإسكات صوت الحق وحجب رسالته الإعلامية وتجاهل مظلومية شعب يعيش أكبر مأساة إنسانية عرفها العالم بسبب العدوان والحصار منذ أكثر من سبع سنوات.
الثورة / عادل عبدالاله
عام ثامن من التضليل
اليوم تدخل الحرب العدوانية التي يشنها التحالف السعودي الإماراتي على اليمن عامها الثامن على وقع العملية الروسية في أوكرانيا، والتي تتعمد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي توسيعها وإطالة أمدها وتحويلها إلى حرب تستهدف من خلالها استنزاف روسيا وتكرار نفس السيناريو الذي نفذته في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي أصبح ينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة.
وبما أن التضليل يعد أحد أساليب الدعاية والحرب النفسية وجزءاً من الحرب الإعلامية، التي تتعمد نشر وبث المعلومات والأفكار المغلوطة وخلق واقع مزيف ومغلوط، وفي نفس الوقت حجب وعزل الطرف الأخر إعلاميا واستهداف رسالته ومؤسساته الإعلامية، فقد تزامن العدوان على اليمن عسكريا بحرب إعلامية واسعة النطاق، لم تتوقف عند استهداف المؤسسات الإعلامية اليمنية المرئية والمسموعة والمقروءة، بل تجاوزتها إلى استهداف مواقع الإعلام الالكتروني على شبكة الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي «يوتيوب وفيسبوك وتويتر وانستقرام،» وغيرها من المنصات بهدف حجب الرسالة الإعلامية ومنع وصول الأخبار التي تفضح الجرائم والمجازر البشعة التي ارتكبها وما زال يرتكبهاالعدوان في اليمن.
إعلام الغرب المأجور
وترجمة لمساعي دول العدوان وإنجاح حربها الإعلامية دشنت الحكومة السعودية منذ اليوم الأول للعدوان حملة علاقات عامة في وسائل الإعلام الدولية، واستطاعت من خلال تعاقدها مع بعض من كبريات شركات العلاقات العامة في العالم، استمالة الكثير من الصحف الأوروبية مثل صحيفة التلغراف البريطانية، وصحيفة فرانكفورت العامة في ألمانيا، وغيرها من الصحف التي نشرت مقابلات ومقالات وتصريحات -مدفوعة الأجر- لمسؤولين سعوديين سعوا من خلاله لإضفاء الشرعية على لتحالف العدوان وعملياته العسكرية في اليمن.
وأمام سلطة المال السعودي انساقت وسائل الإعلام الغربية وكبريات الصحف البريطانية والأمريكية خلف الرواية السعودية للعدوان على اليمن، وقاربت المشهد من زاوية داعمة لسردية ومزاعم تحالف العدوان المدعوم أمريكياً، وحتى عندما تكشفت الجرائم والانتهاكات المتوالية بحق المدنيين، وظهرت أصوات خجولة تدعو لإيقاف الحرب، وإغاثة اليمنيين، وحث أطراف الصراع على التفاوض والبحث عن حَـلٍّ سياسي، فقد لزمت الصحافة أَو “الإعلام الحر” في الغرب الصمت المريب، حتى أطلق عليها البعض تسمية “حرب اليمن المنسية”، من منطلق أن الرأي العام الدولي لم ينجذب إلى الحرب على اليمن وما يعتمل على أرضها من “كارثة إنسانية” بسبب العدوان والحصار.
تغييب الحقيقة
لإنجاح سياسة التعتيم على حقيقة العدوان على اليمن، وما ارتكبه ويرتكبه تحالف العدوان من جرائم وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين والبنية التحتية للشعب اليمني، عمد التحالف إلى محاصرة الإعلام اليمني عبر حجب أهم القنوات التلفزيونية الرسمية والأهلية، حَيث أوعز التحالف إلى إدارة شركة عربسات بإيقاف بث قناتَي اليمن والمسيرة الفضائيتين، وكذلك فعلت إدارة شركة نايلسات، كما أقدم على حجب الموقع الإليكتروني لوكالة سبأ الرسمية التي تعتبر أهم مصادر الأخبار في اليمن.
وإمعانا منه في حربه على الإعلام اليمني ومؤسّساته، تعمد تحالف العدوان استهداف المنشآت الإعلامية بالغارات الجوية، متجاهلا كل المعاهدات والقوانين الدولية التي توجب التعامل مع الإعلاميين والمؤسّسات الإعلامية كأعيان مدنية لا يجوز استهدافها في زمن الحرب أَو السلم على حَــدّ سواء، معلنا عبر ناطقه الرسمي أنه يتعامل مع المنشآت الإعلامية في اليمن كأهداف عسكرية.
مسوخ التضليل الإعلامي
في خطوات لاحقة وبعد أن تمكنت وسائل الإعلام اليمنية من تجاوز الإجراءات والانتهاكات التعسفية لتحالف العدوان، اتجه التحالف ومرتزقته المنضوون تحت ما يسمى بـ«حكومة الشرعية» إلى استنساخ قناتي اليمن والمسيرة وموقع وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» وموقع صحيفة الثورة الرسمية واطلاق قنوات أخرى بمسميات مختلفة تدارا جميعها من داخل الأراضي السعودية وتخضع للإشراف المباشر من قبل مسؤولين سعوديين.
لم يكتف تحالف العدوان بما تبثه قنواته ووسائله الإعلامية من مغالطات بهدف تضليل الرأي العام اليمني والعربي وتشويه وتزييف الحقائق، وسعى من خلال تلك المسوخ الإعلامية إلى تجميل عدوانه واحتلاله للمحافظات الجنوبية والمناطق التي تخضع لسيطرته من خلال إطلاق مسمى المحافظات المحررة على المناطق التي يحتلها وتتمركز فيها قواته وتدار من قبل قادته العسكريين.
مرتزقة الإعلام
لم يقتصر دور تحالف العدوان على الدعم السياسي والعسكري لمن يتخندقون في صفه ضد اليمن، واتجه إلى الـتأثير على جبهة الصمود والمقاومة ورسالة الإعلام الوطني من خلال شراء الأصوات الإعلامية، وتمكين العشرات من الصحفيين ودفعهم للخروج من اليمن وتشغيلهم في الوسائل الإعلامية التابعة والموالية له ، وتقديم العديد منهم كمحللين ومراقبين سياسيين.
كما أدَى حظر السفر وإغلاق مطار صنعاء الدولي من قبل تحالف العدوان إلى الحيلولة دون سفر عشرات الصحفيين في الداخل، وحرمانهم من المشاركة في المؤتمرات والفعاليات الدولية، وذلك في إطار سياسة ممنهجة للعدوان استهدفت الحد من تأثير الرسالة الإعلامية الوطنية والإنسانية على الرأي العام الدولي.
تكتيكات إعلامية
من خلال قنوات التضليل التابعة للعدوان ومسوخه الإعلامية سوّق تحالف العدوان حجتين رئيستين لتبرير عدوانه على اليمن، الأولى تسوق لضرورة التدخل من أجل الدفاع عن مصالح السعودية، وتصوير العدوان على أنه دفاع عن النفس ضد عدو خارجي قادم من اليمن، أما الثانية فتستهدف الرأي العام العربي من خلال الترويج للعدوان وتصويره على أنه نابع من التزام ديني وواجب مقدس، معتمدة في تمرير ادعاءاتها حججا ولغة طائفية، ولم تقتصر في تمرير مثل هذه الحجج على ذلك بل اعتبرتها جزءًا محوريًا للتدخل العسكري وشن العدوان على اليمن، الأمر الذي يشير إلى وجود استراتيجية إعلامية تحاكي التكتيكات العسكرية التي يتم تنفيذها على الأرض.
استهداف ممنهج
لم تتوقف سياسة تحالف العدوان وهجماته الممنهجة عند حدود الاستهداف المباشر لوسائل ومؤسسات الإعلام الوطني وللإعلاميين من خلال القصف بالطيران وحجب الرسالة الإعلامية وتضليل الرأي العام العربي والعالمي، بل تجاوزتها إلى استهداف كل ما يربط اليمن بالعالم.
وخلال سبع سنوات من العدوان تعرضت المؤسسة العامة للإتصالات لتدمير ممنهج، وبلغت خسائر قطاعي الاتصالات والبريد حتي نهاية شهر مارس من العام 2121م أكثر من خمسة مليارات و452 مليون دولار، جيث أدى القصف الجوي المباشر لطيران تحالف العدوان إلى تدمير 248 برجاً وألف و652 محطة و46 منشأة سنترالات وألف و458 من معدات قوى وتكييف و32 كبينة اتصالات.
الانتصارات التي حققها الإعلام الوطني وتمكنه من تجاوز المعيقات التي صنعتها المنظومة العسكرية والإعلامية المعادية، دفعت تحالف العدوان إلى الإقدام على تنفيذ سياسة عزل اليمن عزلا كاملا عن العالم، من خلال استهداف البوابة الدولية للانترنت، في مدينة الحديدة أواخر شهر يناير الماضي، الأمر الذي أدى إلى خروج سعات الإنترنت الدولي بالكامل وتوقف خدمات الإنترنت والاتصالات الدولية لجميع شركات الاتصالات في الجمهورية اليمنية وأحدث شللا تاما طال مختلف أنشطة الحياة.
فضيحة الغرب في أوكرانيا
الحرب التي تدور رحاها اليوم على حدود الاتحاد الأوروبي فضحت زيف الكثير من القيم والمبادئ التي يتشدق بها الغرب ويرفعها شعارا ومبررا لتدخلاته في الشؤون الداخلية لدول ما يسمى بالعالم الثالث، وأثبتت أن حرية الصحافة واحترام الرأي الآخر ومبادئ حقوق الإنسان لم تكن سوى زيف ووهم فرضته دول الغرب المتحضر على العالم، واستخدمته ذريعة لتدخلاتها السياسية والعسكرية، وبمجرد أن اقترب الوجع من حدودها تحولت إلى أشد الأنظمة ديكتاتورية وتجردا من القيم والمبادئ والأخلاقيات.
شيطنة روسيا
روسيا الدولة الأقوى عسكريا والعضو الدائم في مجلس الأمن الدولي سرعان ما تحولت إلى دولة مارقة في تناولات الإعلام الغربي والإعلام العالمي الذي يسير في فلك واشنطن، بمجرد أن بدأت عمليتها العسكرية في أوكرانيا وحركت قواتها لحماية أمنها القومي والوقوف في وجه السياسة التوسعية للولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي «الناتو» التي تسعى لمحاصرة موسكو ونشر قواعدها في الحدود الغربية لروسيا.
لم تكتف أمريكا وحلفاؤها الغربيون بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على موسكو وعزلها عن محيطها الأوروبي والعالم وهو ما يعد حصارا اقتصاديا، واتجهت لشن حرب إعلامية شرسة، لم تتوقف عند حدود «شيطنة روسيا» وتصوير نظامها السياسي على انه نظام فاشي إرهابي، بل تجاوزتها لدرجة العمل على إسكات صوتها ومنع وصوله إلى العالم، من خلال اتخاذ اجراءات عقابية ضد قنواتها الإعلامية بمختلف أنواعها.
ومنذ اليوم الأول للعملية الروسية في أوكرانيا اتجه الإعلام الغربي لتناول الحرب من وجهة نظر إنسانية وتبنى حملة واسعة ترتكز على تبني عمليات النزوح وفرار الأوكرانيين بأرواحهم من آلة الموت الروسية التي تجتاح المدن الأوكرانية وتصوير الجيش الروسي وكأنه جيش بلا أخلاقيات يتكون من مجموعات من القتلة جاءوا لقتل وتشريد الشعب الأوكراني المسالم.
تناقضات الإعلام الغربي
لكن ورغم تعاطفنا مع المدنيين الأبرياء إلا أن تعاطي الإعلام الغربي مع الحرب في أوكرانيا مثل أكبر فضيحة لقنوات الإعلام الأمريكي والأوروبي الذي لم تحركه مشاهد الدماء والنزوح في اليمن والعراق وسوريا، ولم يلتفت إليها وكأن الذين يقتلون في مثل هذه البلدان ليسوا بشرا ولا حق لهم في الحياة ولا يستحقون التفاته إلى مظلوميتهم، وليس هذا وحسب بل إن التمييز في التعامل مع النازحين من أوكرانيا من قبل الأنظمة الأوروبية والتفريق في التعامل الإنساني بين النازح الأوكراني وغيره من النازحين من جنسيات شرق أوسطية وافريقية أثار سخطا عالميا واسعا.
كما كشفت الحرب في أوكرانيا عنصرية الإعلام الغربي الذي يتشدق بالحرية وتبنيه للقضايا المتعلقة بحقوق الانسان والانتصار للضعفاء، وإذا ما توقفنا لقراءة المواقف الإعلامية فسنجد أن الإعلام الغربي الذي يشيد بالبطولة الخارقة لأبناء أوكرانيا وهم يتصدون للغزو الروسي هو نفسه الذي وصف مقاومة الاحتلال في فلسطين الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان ومقاومة الغزو والاحتلال في اليمن بأنه إرهاب متشدد يهدد الأمن والسلم العالميين.
تفوق الإعلام الروسي
مع تبادل الحرب الإعلامية بين روسيا والغرب بشكل عام، على خلفية العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا وبناءً على المعلومات التي رصدت متابعة كبيرة من قبل الأوروبيين لوسائل لإعلام الروسية، وزيادة أعداد المشاهدات لها وارتفاع أسهمها لدى المتابع الأوروبي واكتسابها «مصداقية» بسبب طرحها وجهات نظر مختلفة واحترامها للرأي الآخر، وتفوقها على نظيراتها الغربية اتخذت السلطات الأوروبية قرارات استهدفت بها أقنية الإعلام الروسي بهدف منع وصوله إلى المتابعين في أوروبا والعالم بشكل عام.
ففي مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن عمالقة منصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و»تويتر» و»يوتيوب» و»تيك توك»، أنهم لن يسمحوا لوسائل الإعلام الروسية الرسمية بنشر موادها على صفحاتهم في القارة الأوروبية بطلب من الاتحاد الأوروبي، ولن يسمحوا بتمويل حملات إعلامية لروسيا، إضافة لتقييد وصول المحتوى التابع لها إلى المشتركين في هذه المنصات التي زعمت لسنوات طويلة رفضها لرسائل العنف والكراهية، وتحولت اليوم إلى سلاح تستخدمه الأنظمة الغربية ضد خصومها.
وفي وسائل الإعلام التقليدي، أصدر الاتحاد الأوروبي قرارًا بحظر قناة «روسيا اليوم» ووكالة «سبوتنيك» الروسيتين في دول الاتحاد، وأغلق مكاتب القناتين بحجة نشرهما معلومات مضللة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم حجب موقعهما على الإنترنت ومحرك البحث العالمي «قوقل» ولم يعد بمقدور الأوروبيين معرفة ما يجري في أوكرانيا من منظور روسيا.