م/ وليد أحمد الحدي
قد لا يَخفى على الكثيرين ما يَتم تداوُلهُ مؤخراً من أخبار عن قُرب استِئناف العمل والتَّصدير في مُنشأة بلحاف التي تَستحوِذ عليها شركة توتال الفرنسية، وعن مُباحثات أجراها المبعوث الأمريكي والقائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن مع مسؤولين في حكومة الفنادق لبحث إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال بعد انخفاض المعروض العالمي من مادة الغاز وارتفاع أسعارِه بِشَكل كبير نتيجة تداعيات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وحاجتهم لكميات تعوض النقص الحاد فيه، ولسْتُ بحاجة للإسهاب عن فَساد شركة توتال، وكيف أَمْعَنت مع بعض شُركائِها في نهْب ثَروات الشّعب اليمني من غاز وبترول، ما يَدُل دلالة واضِحة على وُجود فَساد كَبير وخَلل في أداء المُختصّين عن صياغة الإتفاقيات في الحُكومات السّابقة التي لم يكن هَم لبعض مَسؤوليها إلا بِمقدار ما يَصُب في جِيوبهم من عُمولات، وهُنا أُؤكِّد أن لا إشكال من حيثُ المَبدأ بتواجد شَركات تَستفيد البَلد من تجاربها وخبراتها الفنيّة، وتَستفيد هيَ شَريطة أن لا يتجاوز ذلك ما هو مُتعارف عليه في بقيّة دُول وحكومات العالم التي تَحترم شُعوبها وتَتَعامل مع ثَرواتها التي تعود ملكيّتها لهم على أنها حُقوق مُقدّسة أُؤتِمنت عليها، وليس كَميراث خاص لبعض الفاسِدين يَتَصرّفون به كما يَشاؤوا على نَحْو ما تَم التّعاقد مع تِلك الشّركات !!
استبشر اليَمنيّون خيراً عندما استقبلوا ولأول مَرة أنباء تُفيد عن اكتشاف النّفط في بلدهم، وعن قُدوم شَركات استثمارية للتَّنقيب واستخراج النفط، الغالبية العُظمى اعتبرت أنّها سَتَكون نُقطة تحوُّل كَبيرة في صالح الشّعب والبَلَد بشكل عام، وبداية سَتنقل اليمن إلى عالَم الرّفاهية والرَّخاء، بَيْدَ أنَّ الأيام والسّنين لمْ تَزِدهُم إلا حَسرة وجُرعات اقتصادية مع كل خَبر يصل إلى مَسامِعهم عن قُدوم شركة نفطيّة!! لم يَلبَث اليمنيّون رَدَحاً من الزّمن من بعد الإعلان عن استكشاف النفط حتى أُعلِنَ عن قُربِ نُضوبِه، وما بين الإعلان الأول والثاني توالَت عليهم الخَيبات، وارتفعت الأسعار بشكل جُنوني، وفُرضت الجُرع تباعاً على المُشتقّات النفطية، وانتشَرَ الفساد بشَكل مُرعب، بينما ازدهرت أَوضاع الأقليّة الفاسِدة بشكل فاحش، كان ذلك عندما مَنحَ الشُّركاء الأجانب أَنفُسَهم الحَق الحصري لتقييم احتياطات المَخزون النّفطي والغازي في قطاع ١٨ مارب النفطي مِمّا تَرتّب على تلك التقييمات الكاذِبة تلاعُب أولئك الشُّركاء ببُنود مواد إتفاقية تطوير الغاز GDA، واتفاقية إمداد الغاز FDA، واتفاقية خَدمات منشآت المنبع وملحَقهاB، وقد كان هدفهم من تزوير تلك التَّقييمات للمخْزون النِّفطي والغازي هو محاولة إثبات أن قطاع ١٨ مارب النفطي لم يعد نفطياً، وأنه أصبَحَ قطاعاً غازياً، وبالتّالي احتالوا في بُنود مواد الاتفاقيات على حق اليمن السّيادي بإدارة قطاع ١٨ الذي آل إلى السّيادة اليَمنيّة بانتهاء امتياز الشَّراكة لشركة هنت بتاريخ ١٤ نوفمبر للعام ٢٠٠٥م، وقد كان الغَرَض من ذلك هو الانفراد بالاستفادة من نَهْب البترول والغاز اليمني .
لم تكتفِ شركة توتال الفرنسية أحد شُركاء شركة هنت الأمريكية بسرقة الغاز اليمني وشِرائِهِ بأبْخَس الأثْمان لصالِحها بعد رَبْط سِعره بأسْعار مركز هنري بوب الأمريكي ذو القيمة المُنخفضة، والذي لا يَتِم التّعامل وفق أسعارِه إلا في القارة الأمْريكية نتيجة تأثُّرِهِ بالكوارث الطّبيعية كالفيضانات والأعاصير، بعد رَفْض الشّركة ربط السّعر بأسعار النفط العالمية كما هو دارِج بدُول الشّرق الأوسط، بَل فَرضوا بنوداً في الإتفاقية تُفيد أن أي كميّة تَتَسرَّب من الغاز البترولي (الغاز المنزلي) المَمْلوك أصلاً للدّولة نتيجة تَسريب الضّواغط الغازية لعدم كفاءة المُعالجات التي لا تَتَعدّى قُدرتها ٦٠%، فإنّهُ يَحق لهم الاستفادة منه مجاناً وبيعِهِ بالسِّعر العالمي!!
أي أنّهم يَقومون بِسرقة الغاز اليمني عن طريق شرائِهِ بأبْخس الأثمان، والاستفادة مَجاناً من الكميات المُتسرِّبة، ثمَّ إعادة بيعِهِ لحُكومتنا (المبجَّلة) بالسِّعر العالمي في وقت يَصِل فيه سِعر الأسطوانة إلى أكثر من 20 الف ريال في السّوق السّوداء !!
*أليْست هذه جَريمة إنسانية تَستوْجب الوُقوف صفاً واحداً لإلغاء اتفاقيّة بيع الغاز لشركة توتال التي لم يُقرُّها مجلس النواب كمُمثِّل للشَّعب؟!!*
*نُحاصَر من غازِنا وبترولِنا ثُم يأتي من أقصى الأرض من يَنهبُها بهذا الشَّكل الفاضٍح!!*
*ألا يَمنحُنا ذلك المُبرِّر رَفض تلك السَّرقة بكافّة الوَسائِل المُتاحَة حتّى بقوَّة السِّلاح؟!*
هذا جُزء يسير من مُخالفات جَسيمة غضَّ القائمون عن تلكَ العُقود من مَسؤولين فاسِدين الطَّرْف عنها، وهي قد تَبدو للبعض مُخالفات بسيطة لكنّها في حقيقة الأمر كبَّدت البلد الكثير والكثير من عائِدات ماليّة كانت البلاد بأمس الحاجة إليها في وقت كانت تَغرق بقُروض خارجية ودَيْن عام داخلي مُمثلاً بأذون الخزانة، وبفوائد جمَّة للوَفاء بالتزامات الحُكومة آنذاك، في وقْت تم فيه تَبديد أمْوال البَلَد لصالِح تلك الشَّركات بسَبَب وُجود (لا مَسؤولين) حَملوا على عاتِقِهم أمانة لم يكونوا جَديرين بحَملِها.
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي**