بايدن يقع في فخ عقوباته ضد روسيا

أمريكا تفاوض فنزويلا العودة إلى ما قبل عقوبات 2019م

روسيا تحظر تصدير 200 نوع من السلع إلى الدول “غير الصديقة”

 

 

الثورة / يحيى الربيعي/ وكالات
في الوقت الذي وافق فيه الكونغرس الأمريكي بالأغلبية على قرار بايدن بحظر واردات النفط الروسي إلى أمريكا، ويدرس اقتراح تشريعات تزيد من تدمير اقتصاد روسيا وعزله عن الاقتصاد العالمي، اتخذت حكومة روسيا إجراءاتها الاقتصادية رداً على العقوبات الغربية التي تستهدف الاقتصاد الروسي وانهيار مؤسساته، سواءً تلك الإجراءات التي تردع دول أوروبا عن نشاطاتها التجارية أو التي تضمن للداخل الروسي أوضاعاً اقتصادية مستقرة.
حيث قال الرئيس الروسي: إن الغرب يشن حرباً اقتصادية على بلاده، وأصدر قراراً يحظر تصدير نحو 200 نوع من السلع والمعدات لما أسماها “الدول غير الصديقة” حتى نهاية العام الجاري 2022م، محذراً من إجراءات قانونية حازمة للرد على الشركات الأجنبية التي تغلق وتوقف إنتاجها في روسيا.
وتشمل التدابير الاقتصادية التي يحدد قوائمها مجلس الوزراء الروسي مادة الأخشاب، وعلى الأرجح الأسمدة التي تدخل في الزراعة الأوروبية، وكذا “البلاديوم” الداخل في صناعة السيارات الأوروبية، و”النيكل” و”الكوبالت” الهامين في صناعة السيارات الكهربائية.
كما تم التأييد الرسمي لمقترح تأميم الشركات الأجنبية التي أعلنت توقفها عن العمل، كنوع من دعم الاقتصاد الروسي.
وكانت الحكومة الروسية أعلنت، الاثنين، عن وضع قائمة بدول “غير صديقة” ستتمكن الشركات والأفراد الروس من تسديد مستحقاتها لها بالروبل الروسي فقط، وتشمل القائمة أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأوكرانيا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية والنرويج وأستراليا وعدد من الدول، في خطوة تهدف لإنعاش الروبل.
رئيس الوزراء الروسي ميشوستين أكد أيضاً أن بلاده تتعامل مع العقوبات الغربية وفقاً لخطط محددة وتعمل على تقليل آثارها على المواطنين الروس، مشيراً إلى اتخاذ إجراءات لدعم قطاعات تكنولوجيا المعلومات والبناء والزراعة.
وتقترح الحكومة الروسية إدخال إدارة خارجية في الشركات، في حال أغلق المالكون الأجانب الإنتاج بشكل غير معقول، وفي هذه الحالة سيتم إنشاء إدارة خارجية ستحدد مصير الشركة في المستقبل، وفقاً لـ”ميشوستين”.
وإن حدث ذلك فإن المهمة الرئيسية للحكومة الروسية- بحسب رئيس الوزراء- هي الحفاظ على الوظائف في وقت تعلن فيه معظم الشركات تعليقاً مؤقتاً داخل روسيا مع الحفاظ على الوظائف والأجور.
بدوره قال وزير المالية الروسي إن أولوية الحكومة الحفاظ على فرص العمل ودفع كل التزاماتها من الرواتب والدعم الصحي والاجتماعي، مؤكداً أن “وضع الإيداعات في النظام المصرفي الروسي مستقر، بينما يحاول الغرب إيجاد نقص في روسيا”.
إلى ذلك ردّ “بوتين” على قرار بايدن الذي يحظر واردات النفط الروسي، بالقول إن النفط الذي يصدَّر من روسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لا يزيد عن 2%، وأن أمريكا تطرق اليوم أبواب دول تقع في قائمة عقوباتها طلباً للنفط.
ورغم أن من غير الواضح ما إذا كان الحظر الأمريكي على الخام الروسي سيؤثر على الاقتصاد العالمي، إلا أن احتمال حدوث مزيد من الاضطراب دفع كبار المسؤولين في إدارة بايدن إلى الاعتراف بالعبء المحتمل، وبدأوا في استكشاف طرق تحمي العائلات الأمريكية من تحمل أي تكاليف إضافية.
ووصف بوتين عزوف الغرب عن الطاقة الروسية بأنه “سوء تقدير للمواقف ويؤدي إلى ازدياد أسعار الطاقة في أوروبا، خصوصاً وأن روسيا تفي بجميع التزاماتها في الإمدادات”.
في الوقت نفسه يواصل البنك المركزي الروسي إجراءاته لـ”بث الاستقرار في سوق العملات”.
تلك الإجراءات المزمنة لمدة 6 أشهر- تحفظ أموال العميل في حسابات أو ودائع العملات الأجنبية، وتمكّن العميل من سحب ما يصل إلى 10 آلاف دولار نقدا.
وخلال الفترة نفسها تَقرر منع البنوك الروسية من بيع عملات أجنبية نقداً، في خطوة تهدف إلى حظر المضاربة في سوق الصرف والقضاء على الاتجاه نحو الدولار بسبب استمرار الضغط على الروبل.
العودة إلى فنزويلا
من جهته أكد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وكذلك الإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء 8 مارس أن وفدا أمريكيا “رفيع المستوى” قد زار كراكاس خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت، وهو الاجتماع الأول من نوعه منذ القطيعة الدبلوماسية بين البلدين في عام 2019م، فقد اتهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نيكولاس مادورو بتزوير الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لصالحه، وأغلق السفارة الأمريكية وسعى علانية للإطاحة بالنظام من خلال الاعتراف بخوان غوايدو، رئيس مجلس النواب آنذاك، كرئيس شرعي للبلاد، وفرض عقوبات اقتصادية ثقيلة على النظام الحاكم.
ولكن، هل يمكن للنفط الفنزويلي أن يحل محل النفط المستورد من روسيا. نظريا، هذا هو الواقع: “فقد استوردت الولايات المتحدة حوالي 650 ألف برميل من النفط الروسي يوميا العام الماضي، وهو ما يتوافق بصورة تقريبية مع ما كانت تشتريه من فنزويلا قبل فرض العقوبات عليها في عام 2019م، فقد كانت واشنطن تفكر أن روسيا بديل واقعي لفنزويلا، لذلك إن تم يوما رفع العقوبات على كراكاس فسيكون بإمكاننا استنتاج أن العودة إلى وضع ما قبل 2019م أمر منطقي” كما يقول إيغور هيرنانديز، المتخصص في قطاع الطاقة الفنزويلي في معهد بيكر بجامعة رايس في هيوستن (تكساس) في حوار هاتفي مع فرانس24.
جزرة كبيرة
حتى لو بدأ النفط الفنزويلي في التدفق مرة أخرى على واشنطن، لا يزال يتعين على نيكولاس مادورو الموافقة على السير على هوى صناع السياسة الأمريكيين. فهل يمكن لرفع العقوبات أن يكون كافيا لإغراء الزعيم الفنزويلي؟ فمن خلال الموافقة على بيع نفطها لواشنطن، ستقدم كاراكاس لجو بايدن فرصة ذهبية لزيادة الضغط على فلاديمير بوتين، حليف نيكولاس مادورو القوي، وتشديد الخناق عليه. في حين يُذكِّر ماكسيميليان هيس، الباحث الأمريكي المتخصص في العلاقات بين روسيا وفنزويلا في معهد أبحاث السياسة الخارجية، فرانس24 بحقيقة أن كراكاس “قد اعترفت باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في دونباس الأوكرانية، بعد ساعات قليلة من إعلان فلاديمير بوتين”.
وبالنسبة لهذا الخبير فإن “نيكولاس مادورو سيسعى بشكل خاص لمعرفة ما إذا كان ما تقترحه واشنطن عليه يمكن أن يساعده هو ودائرة المقربين منه. وإن لم يكن هذا كافيا له، فإنه سيفضل بالطبع اللعب بورقة الولاء لروسيا، التي لا يزال يرى فيها مصدر أمان، في حال أصبح الوضع السياسي والاجتماعي في بلاده خطيرا للغاية”.
ومن هذا المنظور، قد لا يكون رفع العقوبات كافيا لإغواء كراكاس. ويشير هيس إلى أن “وضع نيكولاس مادورو سيكون أفضل بكثير إن قدم له جو بايدن تنازلات بشأن قضايا أخرى، مثل الإجراءات القانونية التي بدأت الولايات المتحدة في اتخاذها ضد أعضاء الحكومة الفنزويلية وشركة النفط الوطنية”.
بيد أن رفع العقوبات يظل جزرة كبيرة، تنقصها العصا، لا بد أن تؤخذ في الحسبان. ويعدد إيغور هيرنانديز منافع هذه الصفقة بقوله “إنها ستسمح لفنزويلا بإعادة توجيه جزء من صادراتها النفطية من الصين إلى الولايات المتحدة، ما سيكلفها أقل بكثير [في تكاليف النقل] مما تدفعه الآن وكذلك سيحسن الموارد المالية للبلاد”. والأهم من ذلك، كما يعتقد الباحث الأمريكي “فإن نيكولاس مادورو ليس متخوفًا من اتخاذ موسكو إجراءات انتقامية بحقه إن قبل عرض واشنطن، نظرًا إلى أن روسيا لم تستثمر أو تضخ الكثير من الأموال في فنزويلا منذ عام 2019”.
إضافة لذلك، فإن المفاوضات الأمريكية مع فنزويلا لا تتعلق بالنفط فحسب. “علينا أن نضع هذه الصفقة في مكانها بالتوازي مع الجهود الأمريكية الحالية لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق جديد مع إيران. الذي يهدف بكل تأكيد إلى السماح للإيرانيين بتصدير النفط مرة أخرى، وأيضا إلى إبعاد طهران عن أحضان موسكو”، وذلك بحسب اعتقاد الخبراء الذين حاورتهم فرانس24.
وبعبارة أخرى، فإن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لعزل موسكو دبلوماسيا عن الساحة الدولية. ويعترف ماكسيميليان هيس قائلا: “إذا تمكنت الولايات المتحدة من إقناع فنزويلا وإيران، فإن ذلك سيمثل ضربة كبيرة حتى وإن كانت بصورة رمزية”. إلا أن الولايات المتحدة قد تمكنت بالفعل، وفقًا له، من إيذاء روسيا بصورة كبيرة من خلال إقناع كوريا الجنوبية – “التي سعت دائمًا إلى تجنب غضب الكرملين” – وسنغفورة وسويسرا بالتخلي عن موسكو.
خطط طوارئ
على الصعيد الأوروبي تراجعت أسعار الغاز في أوروبا إلى ما دون 1600 دولار لكل ألف متر مكعب من الغاز، عقب وصولها خلال يومين إلى 3300 دولار، وذلك بعد تقارير حول وضع الاتحاد الأوروبي خطط طوارئ في حالة توقف إمدادات الغاز وتحركات لخفض الاعتماد على روسيا بمقدار الثلثين هذا العام، فيما تراجعت أسعار الغاز في بريطانيا وهولندا بسبب جني الأرباح واستمرار تدفقات الغاز الروسية بشكل مستقر.
وقالت الشركة الأوكرانية المشرفة على نقل الغاز أن تدفقات نقل الغاز إلى أوروبا تواجه خطراً حقيقياً بسبب وجود القوات الروسية على أراضي محطات ضغط الغاز في أوكرانيا، والسفير الأوكراني في ألمانيا يقول إن رفض الحكومة الألمانية الحظر على الغاز والنفط الروسيين سكين في ظهر أوكرانيا.
وتوقع البنك الدولي إن ارتفاع أسعار الطاقة قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا التي تعاني بالفعل من انعدام للأمن الغذائي، وكذا آسيا الوسطى التي تربطها علاقات اقتصادية وتجارية بروسيا.
ودعت مجموعة دول السبع الدول المنتجة للغاز والنفط إلى زيادة الإمدادات، وتدارس إجراءات للحد من ارتفاع أسعار.
ويرى البنك المركزي الأوروبي حيث أشار إلى أن الحرب قد تضعف الآفاق الاقتصادية بمنطقة اليورو، وتزيد التضخم مع ارتفاع أسعار الطاقة.
وطالب رئيس فرنسا الاتحاد الأوروبي بالاتفاق على وتيرة يمكن أن يستغني بها الاتحاد عن الوقود الروسي.
وقال رئيس ليتوانيا: إن العقوبات يجب أن تستهدف قطاع الطاقة الروسي أولاً، لأنه القطاع الذي يضمن مداخيل روسيا واقتصادها، وعلقت شركة “إيني” الإيطالية إبرام عقود جديدة لشراء النفط والمنتجات النفطية من روسيا.

قد يعجبك ايضا