5 .1 مليون يعانون من المرض العصبي و500 ألف مريض ذهني

الظروف الاجتماعية والمشاكل الأسرية تلعب دوراٍ في زيادة الحالات النفسية.

حادثة السبعين الإرهابية تتسبب بدخول أسرة بكامل المستشفى لفقدان أبنائها.

تحقيق/ أمل عبده الجندي

أوضاع مدمرة أمنيا ومتدهورة اقتصاديا ومضطربة سياسيا ومقلقة أسرياٍ وحروب طاحنة مرت خلفت العديد من الأحداث والقصص المأساوية والتي صبت نيران غضبها على العديد من الأبرياء والضحايا والذين غدا منهم وللأسف نتيجة هذه الظروف الحالكة رهناء المصحات النفسية وخاصة التي تزايد أعداد مرتاديها من الفئات المستضعفة من الأطفال وكبار السن… تفاصيل مرة نطرحها في سياق التحقيق التالي:

 
 مرت أزمات جعلت الإنسان اليمني يعاني ويقاسي منها نتيجة حالة الفوضى التي تسببت بها الأزمة وتظهر على شكل مظاهر مسلحة وفوضى في الأحياء السكنية مما أثر ذلك تأثيراٍ سلبياٍ على الحالة النفسية للفرد وطغت عليه المخاوف وسيطرت على أفكاره الظنون الاضطرابية فمنهم من تسلح بالدعاء ورضي بالقضاء فهو لا حول له ولا قوة أمام هذه الأوضاع الفتاكة لكل ما هو حي على هذا الوجود¿ ومنهم من استضعفت الأحداث قلبه وخانت الوقائع بصيرته ليعيش حياة الرعب والمخاوف… زرنا بعض هذه الحالات ولمسنا أسباب معاناتها..
حالات متزايدة
كشف الدكتور عبد الله شويل مدير مستشفى الرشاد للأمراض النفسية والعصبية عن وجود قرابة 500 ألف مريض ذهني ومليون ونصف مريض عصبي في اليمن في حين يبلغ بالمقابل عدد الأطباء النفسيين المتخصصين 50 طبيبا موزعين على عموم محافظات الجمهورية وبما يعادل طبيب واحد لكل 40.000 مريض نفسي وطبيب واحد لكل 500.000 مواطن يمني.
 وأكد  أن الإحصائيات والنسب المذكورة هي ذاتها التي كانت موجودة في عام 1985م الأمر الذي يظهر –حد قوله- أن جهود ثلاثين عاما ضاعت أمام الزيادة السكانية ومعدل الخصوبة في الجمهورية اليمنية.
وأشار شويل إلى أن عدد المترددين على العيادات النفسية في المستشفيات الحكومية والخاصة بلغ أكثر من 150.000متردد مقارنة بـ25.000متردد في منتصف الثمانينيات وأن مراكز الخدمة محصورة في خمس محافظات من مجموع اثنتي وعشرين محافظة.
أسرة بأكملها
وفي نزول ميداني عن معاناة المرضى النفسيين التقينا بالوالدة سعيدة في إحدى المستشفيات النفسية والعصبية والتي تحطمت أسرتها بالكامل أثناء الصراعات السياسية التي حدثت في السنوات الماضية حيث قالت أختها: إن ما تعانيه سعيدة من تشنجات نفسية وعصبية هو نتيجة موت أبنائها الجنود في الحادثة الإرهابية لشهداء السبعين التي حدثت خلال الأزمة ولم تكن سعيدة هي وحدها من عانى من هذه الأزمة بل زوجها يعيش نفس المأساة.
حسرة وألم
بينما يحكي لنا مراد عن أسباب حالته النفسية وهي بسبب موت ابنه الوحيد الذي ارتضاه من أرحم الراحمين بعد 15عاما من العلاج المستمر أمام عينه بقذيفة طالت جدران البيت حينها لم أستطع امتلاك أعصابي وبدأ المرض ينهش جسمي تحسرا على ولدي وقال: كل ما تذكرت هذه الحادثة الشنعاء يعتريني التشنج ولا أدري بنفسي إلا وقد أوصلني بعض الجيران إلى مستشفى الأمل لتلقي العلاج والحمدلله بدأت حالتي تتحسن وإن لم تكن بالشكل السابق.
فزع وخوف
فيما يقول والد الطفلة رقية البالغ عمرها 10 سنوات: أن ما يحدث من الألعاب النارية داخل الأحياء السكنية أدى إلى معاناة ابنته بأزمة نفسية وعصبية نتيجة فزعها من النوم كل يوم بصراخ شديد وشد شعرها من الخوف مشيراٍ إلى أنها على هذه الحالة كلما سمعت صوت انفجار أو رصاص حتى وإن كانت نائمة وهذا ما أدى إلى دخولها في حالة نفسية كما رأينا بأم أعيننا حالتها النفسية داخل المستشفى.
أكبر الكروب
الدكتور عبد الخالق خميس -استشاري الأمراض النفسية والعصبية بجامعة صنعاء- يوضح أنه من البديهيات أن أي كرب من كروب الدنيا له علاقة مباشرة بالمرض النفسي وخصوصاٍ عند الفئات المهيأة فهناك من عامة الناس من تعيش نوعاٍ من التوتر والقلق البسيط الذي نستطيع التعامل معه وهناك فئات مهيأة لاضطرابات الصدمات كذلك يوجد فئات عندها أمراض نفسية لكنها بحالة كامنة أو خاملة فتثور في مثل هذه الأوضاع التي نعيشها في الوطن العربي والتي تعتبر من أكبر الكروب التي يعيشها الإنسان هذه الأيام على الإطلاق.
مضيفاٍ: إن هناك حالات كثيرة نعيشها حالياٍ بسبب الأوضاع الراهنة حيث تعاني من الضغوطات والتشنجات النفسية والعصبية فهناك شخصيات حساسة مرهفة لا تطيق هذه المخاوف والاضطرابات خاصة أثناء النوم إضافة إلى أن هناك من يصاب بنوع من الإعياء والخدر كأنه في حالة ذهول أو شلل كذلك إلى إحساسه بعدم الواقعية وهناك اضطرابات التكيف من عدم الفهم والحيرة والصراع ليل نهار التي تدخل الإنسان المرهف في قلق طوال الوقت .
الخوف من المجهول
وأوضح أحمد مكي –دكتور في الصحة النفسية والعصبية- أن الأسرة تعيش هذه الأيام ضغوطات نفسية وعصبية وكل شخص يختلف بإحساسه للضغط على مدى تعرضه وإدراكه للموضوع نفسه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وهذه الضغوطات ينتج عنها بعض السلوكيات غير المطلوبة كنوع من التفريغ وما حصل لسعيدة وزوجها حالة بديهية لنوع الكرب الذي أصابهما بسبب استشهاد أبنائهما في حادثة السبعين.
وقال: إن إثارة المخاوف والرعب التي تعيشها الأسر هذه الفترة وما قبلها والتي أصبحت مابين الفينة والأخرى إضافة إلى عدم ممارسة الأسرة لحياتهم الطبيعية بسبب القلق نتيجة لصعوبة التلاءم والتكيف مع الأوضاع حيث بات الخوف من المجهول يعتبر أكبر الأسباب.
المراحل الأخيرة
صلاح الصنعاني القائم بأعمال مدير مستشفى الأمل للطب النفسي يؤكد أن مستشفى الأمل يعتبر المرجع الأول لعلاج الطب النفسي في اليمن وسعته السريرية 230 سريراٍ وهو مجمع طبي متكامل ونحن الآن بصدد استكمال مركز إعادة تأهيل المدمنين كأول مركز في اليمن.
وذكر أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية من ناحية الفقر والمشاكل الأسرية تلعب دورا كبيرا في ازدياد الحالات النفسية وكذا مشكلة القات كونه الدور البارز والمؤثر في الحالات النفسية بدليل أنه يتحسن المريض وعند خروجه من المستشفى نلاحظ بداية الانتكاس لحالته.
وعن مواجهة المجتمع لهذا النوع من الأمراض يقول الصنعاني: مسألة المرض النفسي ليس وصمة وليس عاراٍ بل يجب أن نتعامل ونتعايش معه كبقية الأمراض الأخرى ولكن للأسف ما نعانيه في اليمن أنه لا يصل إلينا المريض أو المريضة إلا في المراحل الأخيرة من سوء الحالة ومنهم من يصل إلينا بعد أن تمر حالته على المشعوذين وهنا تكون الحالة قد ازدادت سوءا وتحتاج إلى فترة كبيرة لاسترداد العافية وهذا بسبب قلة الوعي كون المجتمع اليمني إلى الآن يرى أن المرض النفسي نقص في الإنسان وعيب يحمله المريض وهناك عزلة اجتماعية تحاط بالأسرة التي يتواجد بها مريض نفسي حيث تفرض قيودا على الأسرة بأنهم لا يريدون من يزورهم حتى لا يدري بحالة مريضهم وهنا تحدث محاولات تكتم على مريض نفسي خاصة إذا كانت امرأة حيث تصل إلينا حالات نسائية بعد أن عانت 20 عاما من إصابتها بالمرض النفسي حيث يتم حجز النساء داخل البيت في غرفة معينة لا يتم التعامل معها ومنع أحد من زيارتها لشعور الأهل أن المرض النفسي عار على الأسرة ولدينا قسم خاص بالنساء بكادر نسائي متكامل وسعته السريرية 35 سريرا وهناك مركز تأهيل للتطريز والخياطة والألعاب.
كيفية التعامل مع المريض
أكثر المصابين هم من الفئة المنتجة من عمر 21- 35 سنة وهي الفئة التي بإمكانها أن ترفع اقتصاد البلد وتحسن أوضاع الناس هي الموجودة لدينا في المستشفى ليس فئة الأطفال ولا الكبار في السن لذا فإننا نسعى إلى أن نعيد المريض إلى عضو صالح في المجتمع كون المريض النفسي مع المرض يفقد مهاراته الاجتماعية ونحن نحاول من خلال إمكانيات المستشفى أن نعيد هذا الفرد إلى عضو نافع في المجتمع.
وعن نسبة الأمراض الذين يتماثلون للشفاء يقول الصنعاني أن المريض لا يعود إلى حالته الطبيعية 100% لكنه يتحسن بدرجة ممتازة جداٍ ويعتمد ذلك بدور أساسي على الأسرة لتحسن المريض بشكل أكبر ولذلك تم تصميم برنامج في المستشفى يسمى برنامج الإرشاد الأسري يستهدف البرنامج الأهالي وذوي المرضى قبل خروج مريضة حيث يتم معرفة الأسرة وإطلاعهم بالأعراض الجانبية للدواء وما هي علامات الخطورة وكيف يتم التعامل مع المريض والاهتمام به ومتى يلجأ للمستشفى ولذلك ساهم البرنامج في تحسن كبير من المرضى ويقام هذا البرنامج شهريا نستهدف فيه 50 أسرة على الأقل.
خمول وزارة الصحة
وما إذا كان هناك تعاون من وزارة الصحة أكد أنه لا توفر الوزارة أي مساعدة دوائية وإنما دورها إشرافي بحت من ناحية تطبيق الشروط والمواصفات على الكادر وتأهيل المبنى والتجهيزات لأن في موازنتهم لا يوجد رصد للأدوية النفسية وهناك بالمقابل مساعدة مالية بسيطة من الحكومة سنويا على الرغم من أن الأدوية النفسية باهظة الثمن وتحتاج للاستمرارية ولكننا حاولنا بقدر الإمكان أن نغطي عدد 500 حالة من المكفولين دوائيا عبر كروت دوائية يتم صرفها شهريا من الصيدلية بمبلغ 32 مليون سنويا ونحن سنحاول أن نرفع بقية الكفالات بعد أن نؤمن مصدر الكفالة لتغطيتها.

قد يعجبك ايضا