الأقلمة.. الديمقراطية وعمق المجتمع

محمــــد محمـــــد إبراهيـــــم

 - بدأت مخرجات الحوار الوطني الشامل - الذي انتصر لمعاناة اليمنيين وغبنهم السياسي والاجتماعي خلال زمن طويل- تطرح نفسها في الواقع واضعة كرة التنمية للتنافس ومع هذه البداية بدأ الأمل يكبر مع كل خطوة باتجاه تطبيق هذه المخرجات.. وكله يراهن على أن تتراجع السياسة السلطوية مائة قدم من مسار التغيير الذي سيخدم الجميع..
محمــــد محمـــــد إبراهيـــــم –
بدأت مخرجات الحوار الوطني الشامل – الذي انتصر لمعاناة اليمنيين وغبنهم السياسي والاجتماعي خلال زمن طويل- تطرح نفسها في الواقع واضعة كرة التنمية للتنافس ومع هذه البداية بدأ الأمل يكبر مع كل خطوة باتجاه تطبيق هذه المخرجات.. وكله يراهن على أن تتراجع السياسة السلطوية مائة قدم من مسار التغيير الذي سيخدم الجميع..
هذا الأمل يتعاظم عندما نسترجع أهداف النظام الجمهوري الذي أخرج اليمن في 26 سبتمبر 1962م من الملكية والحكم الفردي إلى حكم الشعب نفسه بنفسه.. وهو المبدأ الذي انتصرت له أيضا مخرجات الحوار الوطني الشامل مزيحة حجبا من اعوجاج المسار وعلقت عليه الجماهير اليمنية آمالها العريضة متطلعة لوجود دولة اتحادية مدنية حديثة تحكöم المؤهل والكفاءة والمعرفة في انتاج الحاكم وعبر تنافسية الصندوق وليس القبيلة والجهة والجاه والعصبة ليجد كل أبناء اليمن حقهم في تقاسم الثروة والسلطة وحكم الذات الجمعية داخل كل ولاية (محافظة) ومن ثم داخل كل إقليم.. وفي المقابل يتقاسم الجميع ثقل وعبء مسؤولية التنمية والأمن والاستقرار على حد السواء..
إن الحديث عن الأقلمة في مجتمع عاش فصولا من الصراع السياسي والقبلي على مفاصل النفوذ السلطوي يقتضي إدراك الفارق الثقافي والتكوين الاجتماعي بين بلدان متقدمة في منظومة الفكر والثقافة والمعرفة والحقوق والواجبات والإيمان بالقانون والدولة وبين بلدان لم يبارح مجتمعها عتبات الاقتتال على أسباب استعراضية لبسط نفوذ القبيلة أو الحزب أو الشلة في صراعات تقود المنتصر في نهاية المطاف للسلطة فيصطدم بغياب مشروع الدولة أولا من ذهنه وترتيباته فيعجز في حكم الجميع على حد السواء.. كما يجب التفريق بين (نظام اتحادي فيدرالي جمهوري) يقتضي وصول الديمقراطية إلى عمق المجتمع وفوز حاكم الولاية ثم حاكم الإقليم ثم حاكم الأقاليم بالانتخابات وبين نظام فيدرالي بحاكمية سلطانية رموزها أمراء ولايات توارثوا حكمها عبر قرون وسلم بحكمهم المجتمع ليس عنوة بل عرفانا لما بذلوه من أدوار تنموية وبنيوية فرضت احترام العامة لهم..
صحيح أن الدولة الاتحادية في اليمن خطوة جبارة تعزز مسار النظام الجمهوري الذي ارتضاه اليمنيون نهجا ومسلكا وأداة لحكم أنفسهم بمن يرضى به الشعب لكن الأهم من ذلك هو أن يدرك كل من يعتبرون أنفسهم أوصياء على اقليم معين من الستة الأقاليم- انطلاقا من قوة المال أو الجاه أو السلالة أو المذهب- أن واقع اليمن الجمهوري لا يحوي في قاموسه توارث الحكم في الولاية أو الإقليم.. وبدون الإلمام بذلك سينتقل الصراع وبضراوة أكثر من داخل عاصمة دولة مركزية – ولم تكن مركزية بالمعنى المؤسسي وإلا لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم- إلى داخل كل مركز كل إقليم خصوصا إذا كان مركز الدولة الاتحادية أكثر وهنا من ما مضى..
إن هذه التحديات تفرض على القيادة السياسية وعلى كل القوى السياسية اليمنية ومنظمات المجتمع المدني التنبه لمثل هذه المفارقات.. وأن على الجميع السعي بنية صادقة باتجاه تقليص منظومة قيم السيطرة والاستحواذ في ذهنية المجتمع اليمني التي تبدأ بالقرية وتمر بالعزلة أو القبيلة ثم بالمديرية ثم بالمحافظة وصولا إلى صراع رؤوس الولايات على قيادة الإقليم وعلى الدولة بمؤسساتها التي يحكمها في نهاية المطاف مسلسل الصراع نفسه..
هذه التحديات والاحترازات الواجب التنبه إليها لا تنفي مطلقا مكانة النجاح التاريخية للصيغة الاتحادية التي توصل إليها اليمنيون عبر توافق وطني وشعبي وسياسي بل تجعل من أبرز الأولويات أمام قيادة البلد السياسية أن تنظر للخطوات التالية لتسمية الأقاليم نظرة عملية وسريعة تستهدف مجموعة اجراءات من شأنها تقوية مركز الدولة الاتحادية وبسط هيبتها لتتمكن من حكم الأقاليم الستة بمعيار الحق والواجب واحترام القيم التنافسية والعملية للأقاليم في الإدارة والعمل.. وبهذا ستنجح الدولة بفرض الإطار العام للصورة الذهنية للمغزى التنموي للأقاليم وستقطع الطريق أمام تداعيات مخاوف الناس الناتجة عن عدم استيعابهم لمفهوم الأقاليم وستفرض الواقع الجديد لنظام الحكم اليمني..

mibrahim734777818@gmail.com

قد يعجبك ايضا