مخاوف دولية من الانزلاق إلى حرب شاملة:

روسيا والغرب في معركة عض الأصابع.. من يصرخ أولا ؟

 

 

من بين دخان الحرب المستعرة بين روسيا وأوكرانيا تبرز حرب أخرى لا تقل شراسة تقودها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الغربيين بسلاح العقوبات الدولية وأدوات حروب الجيل الأول والتي لم تعد تستهدف هزيمة الجيش الروسي في أوكرانيا وارغامه على الانسحاب، بل إضعاف روسيا التي تحاول كسر شوكة الهيمنة الأميركية بمنع توسع الناتو شرقا، كمقدمة للإطاحة بنظام القطب الواحد والتأسيس لنظام عالمي جديد يراقب العالم خروجه رحم الحرب الدائرة في أوكرانيا.

تقرير / أبو بكر عبدالله

وفي مقابل نجاح واشنطن بحشد تحالف دولي يضم أكثر من 80 دولة في العالم لمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، نجحت روسيا أيضا بتحييد العديد من دول العالم عن ملف الأزمة كما نجحت في حشد حلفاء من دول أوروبا الشرقية وكذلك الصين والهند وكوريا الشمالية في تحالف دولي مغاير لم يتشكل بعد لكن ملامحه ظهرت في أروقة الأمم المتحدة بامتناع الصين والهند عن التصويت لصالح مشروع قرار أميركي قدم لمجلس الأمن يطالب روسيا بالانسحاب الفوري من أوكرانيا ووقف عملياتها العسكرية، قبل ان يحيله الفيتو الروسي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمريره كقرار غير ملزم.
مشهد قاتم قدم خلاصة لنظام عالمي جديد يتشكل، مع استمرار روسيا بالتمسك بمواقفها المطالبة بابتعاد الناتو من شرق أوروبا بدءا من وضع أوكرانيا على الحياد، في مقابل تمسك اميركي غربي بسياسة الباب المفتوح في الناتو وسط مساع لاستثمار الحرب في اوكرانيا لتوجيه ضربات موجعة لروسيا يمكن ان تعيدها سنوات للخلف، بإنهاكها بحرب استنزاف طويلة يمكن ان تزيحها ولو مؤقتا من مشهد التنافس الدولي على النفوذ.
ولا يبدو أن أيا من طرفي الصراع مستعد للعودة إلى الوراء، فالمعركة بالنسبة لأميركا تعني المستقبل الذي قد تغيب فيه الهيمنة الأميركية على العالم لمصلحة نظام دولي يتأسس، في حين أنها بالنسبة لروسيا تعني انقاذ الأمن الروسي من مخاطر محدقة تهدد كيان الدولة الروسية، كما تمثل الفرصة الأخيرة في طموحاتها بأن تكون قوة فاعلة في المسرح الدولي، ما ليتحول الصراع المحموم إلى معركة لعض الأصابع.
التطورات الميدانية
السؤال الأبرز الذي يشغل كثيرين حاليا هل تتمكن موسكو من الإمساك بزمام المبادرة حتى الانتهاء من تحقيق اهداف عمليتها العسكرية، أم ستواجه مفاجآت قد تعيد صياغة المعادلة العسكرية القائمة اليوم.
والثابت حتى اليوم أن العملية العسكرية التي تشنها روسيا في أوكرانيا لا تزال محدودة، وليست عملية شاملة كما يصفها الغرب، فالتقديرات الأميركية تشير إلى أن موسكو لم تستخدم سوى 40% من القوات التي حشدتها في حدود أوكرانيا، ناهيك بالمعطيات الميدانية التي تؤكد أن القوات الروسية لا تزال في مناطق الأطراف ولم تستهدف احتلال المدن، قدر ما استهدفت بصورة مباشرة تدمير القدرات العسكرية الأوكرانية املا في تحقيق هدفها الأكبر بإسقاط نظام الرئيس فلادومير زيلينسكي أو ما يصفه الرئيس بوتين بـ “النازيين الجدد”.
وروسيا الخبيرة بحروب الجيل الأول مع أفغانستان ثم في سوريا لم تلجأ هذه المرة إلى ذلك التكتيك الذي تستخدم فيه قوات كبيرة لاجتياح المدن والسيطرة عليها، لكنها بالعرف العسكري استخدمت تقنيات حروب الجيل الثالث التي تسعى إلى السيطرة على الجغرافيا من خلال منع اي نيران مضادة خصوصا في أوكرانيا التي يختلط فيها العرق الروسي بالأوكراني.
هذا الأمر تؤكده المعطيات الميدانية إذ لم تقتحم القوات الروسية مدنا أوكرانية مكتفية بمحاصرتها وبدأت في اليوم الرابع للعملية العسكرية تحريك قوافل قواتها نحوها، في حين تمكنت من تدمير أكثر من ألف هدف عسكري في أوكراني منها 14 مطارا وقواعد للدفاع الجوي بما فيها منظومة اس 300 الروسية للدفاع الجوي، ومنظومات الرادارات ومصانع الطائرات الحربية والدبابات وغيرها.
من الواضح أن موسكو قسمت عمليتها العسكرية في أوكرانيا إلى مراحل، وهي اليوم لا تزال تمضي في المرحلة الأولى، وربما استهدفت إلى جانب تقليل سقوط ضحايا مدنيين، إفساح المجال لصفقات سياسية محتملة ربما تقنع موسكو بأنهاء عملياتها العسكرية بسيناريو الانقلاب الأبيض الذي عبر عنه الرئيس بوتين بدعوته الجيش الأوكراني إلى استلام السلطة.
ورغم أن العاصمة كييف تعتبر الهدف الأول للعملية العسكرية الروسية فإن التقديرات تشير إلى أن الجيش الروسي ربما يكتفي بتطويقها عسكريا على أمل ان تفتح هذه الخطوة فرصا لمفاوضات الساعات الأخيرة، في حين أن خيار اقتحام العاصمة ربما يكون الأخير لإجبار الحكومة الأوكرانية على الاستسلام أو على الأقل لتحسين شروط التفاوض.
ذلك أن كل التوقعات تشير إلى أن القوات الروسية ستواجه مقاومة عنيفة مع الجيش الأوكراني الذي استعد لهذه الحرب منذ وقت مبكر وانتشر بكثافة في العديد من المدن بما فيها العاصمة كييف لحمايتها، وهو ما عبر عنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي أكد أن حماية العاصمة كييف أولوية.
وكل التقديرات تشير إلى أن القوات الروسية ستبقى في المربع الآمن إن استطاعت خلال أسبوعين إلى ثلاثة اسابيع، تحقيق اهداف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بتدمير ترسانة السلاح الأوكراني، وأسقاط الحكومة وتنصيب حكومة جديدة لمنع ما يسميه الرئيس بوتين عودة التعصب القومي.
لكن موسكو قد تواجه مأزقا كبيرا في حال طال امد العملية العسكرية أكثر من ذلك كونها ستفتح مرجلة جديدة للمواجهات تنقلها إلى حرب استنزاف طويلة مع الجيش الأوكراني والدعمين الغربيين، خصوصا مع توجه السلطات الأوكرانية إلى التجنيد ومنعها الرجال بين 18- 60 سنة من مغادرة البلاد، للمشاركة في المقاومة ناهيك باستمرارها توزيع السلاح على المدنيين بصورة واسعة، وبدء الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين دعم الجيش الأوكراني بأسلحة فتاكة، ما يعني تعزيز قدرات المقاومة ومنحها فرصا كبيرة للصمود لفترات طويلة.
وهذا السيناريو يتساوق مع استراتيجية الحروب الأميركية التي خاضتها في السنوات الأخيرة، من خلال فرض الحد الأقصى من العقوبات التي تستهدف عزل روسيا عن العالم وجعلها مثل إيران وكوريا الشمالية والعراق سابقا، بالتزامن مع انهاكها بحرب استنزاف طويلة على غرار الحرب التي واجهتها القوات الأميركية في العراق وأفغانستان.
ويمكن القول إن اسوأ السيناريوهات التي يمكن ان يواجهها الروس هو في تمكن الجيش الأوكراني من إعادة ترتيب صفوفه ونجاح الدعم الأميركي والغربي في إعادة الحياة للدفاعات الجوية وسلاح الجو الأوكراني للعمل، في حين يرجح أن يحدث الدعم الأميركي الغربي الموعود لأوكرانيا بالسلاح الفتاك والدعم المخابراتي، فارقا في العمليات العسكرية.
غير أن الأمر يبقى مرهونا بالوقت الذي يمكن ان يكسبه الجيش الاوكراني بالصمود امام التقدم الروسي وبقدرة الجيش الروسي على اغلاف المجال الجوي والبري والبحري لأوكرانيا لمنع تدفق السلاح.
وما يقوله الغرب بشأن فشل العمليات العسكرية أو تعثرها أو مواجهاتها مقاومة غير متوقعة لا يبدو صحيحا تماما فيما يدور على الأرض بعيدا عن الحرب الإعلامية الدعائية يقول العكس تماما.
ومن جانب آخر ليس سهلا أن يجتاح الجيش الروسي أوكرانيا بمساحتها الكبيرة في ساعات كما زعمت التوقعات الأميركية فالتقديرات الأوروبية تعتبر الجيش الاوكراني واحد من اقوى 22 جيش بالعالم وهو يتصدر الترتيب 22 في ضمن قائمة جيوش العالم، ما يعني ان العملية العسكرية حققت نجاحات كبيرة في الايام الماضية إذا عرفنا ان اجتياح القوات الأميركية وحلف الناتو للعراق استغرق أكثر من ثلاثة أسابيع بعد حصار دام نحو 12 عاما.
سيناريوهات بديلة
ما سبق ليس السيناريوهات الوحيدة، فخلال الأيام الأخيرة ظهرت سيناريوهات أخرى يقودها الغرب، تركز على تحقيق معادلة “الغرق والانهاك” والتي ظهرت مفاعليها إلى السطح بتوقيع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على نظام يشمل دخول المتطوعين الاجانب الى اوكرانيا بدون تأشيرة، بالتزامن مع اعلان دول غربية وشرقية من أعضاء الناتو السماح بإرسال كتائب مقاتلين متطوعين من جنسيات مختلفة إلى أوكرانيا لقتال القوات الروسية بحرب عصابات على غرار الحرب التي خاضها الجيش الروسي في سوريا.
ومن الواضح أن هذا الأمر قد دخل حيز التنفيذ، بعد اعلان العديد من العواصم الأوروبية الأعضاء في الناتو، عزمها السماح للمقاتلين الأجانب التدفق إلى الأراضي الأوكرانية والانخراط في حرب عصابات ضد القوات الروسية، خصوصا بعد اعلان دول أوروبية أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تستمر لسنوات.
ونوعية الأسلحة التي يزود بها الغرب أوكرانيا حاليا تقدم دليلا ان الغرب لا يستهدف إنهاء الحرب وحلحلة الازمة الأزمة الأوكرانية بالمفاوضات السلمية، بل يستهدف حشر روسيا بحرب استنزاف طويله، مع الجيش الأوكراني من جهة ومع كتائب المقاتلين الأجانب التي تستعد الدول الغربية تقديم تسهيلات لها للتسلل إلى الأراضي الأوكرانية.
والضغوط الاقتصادية والديبلوماسية والإعلامية التي تمارس حاليا على موسكو، تصب كلها في دعم مساعي واشنطن وحلفائها الغربيين لتوريط القوات الروسية لاقتحام المدن الأوكرانية ليتمكن الجيش الأوكراني والكتائب المسلحة غير النظامية، من اصطيادها بالسلاح المتطور الذي ارسلته لأوكرانيا قبل اندلاع الحرب بأيام.
ومن المرجح أن تكون بولندا ومولدوفا والمجر ورومانيا وسلوفاكيا منافذ رئيسية لتسلل المقاتلين الأجانب إلى الأراضي الأوكرانية، فضلا عن تهريب السلاح إلى أوكرانيا.
غير أن احتمالات ان يلجا الجيش الروسي إلى الاجتياح الشامل للمدن لا يزال مستبعدا، فالجيش الروسي خبر حروبا كهذه في السنوات الماضية، كما ان سيطرته على المجال الجوي الأوكراني قد يحد من تدفق شحنات السلاح والمقاتلين مع تقلص المساحة المرشحة لتسلل المقاتلين في الجانب الغربي من أوكرانيا، في حين لا يزال لديه الكثير من الأوراق لمواجهة الضغوط الأميركية والغربية وليس اقلها التوجه الذي أعلنه الرئيس بوتين مؤخر بوضع ترسانة الردع الروسية النووية في حالة استعداد قتالي، في الخطوة التي أراد فيها بوتين اثارة مخاوف الغرب من مخاطر اعلان الحرب الشاملة على روسيا.
فرص المفاوضات
ورقة المفاوضات الديبلوماسية المعلنة من جانب روسيا وأوكرانيا، تدخل أيضا في معركة عض الأصابع، فموسكو التي أعلنت أن الهدف الأول في عمليتها العسكرية هو الإطاحة بالحكومة عادت لتفاوض الحكومة ذاتها، فيما بدا تراجع عن هدفها اسقاط الحكومة الأوكرانية إلى التعامل معها على قاعدة الحياد المنزوع السلاح، في حين أن أوكرانيا التي كانت تعلن حقها بالانضمام إلى حلف الناتو قد تراجعت إلى الحديث عن سياسة الحياد.
وتشارك روسيا في المفاوضات بثلاثة مطالب هي: الاعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، ونزع السلاح من الدولة الأوكرانية، وضمان الوضع المحايد لأوكرانيا، في حين تبدو قد حسمت امرها في شأن إقليم دونباس بالاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
ومن الجانب الآخر فقد شاركت أوكرانيا في المفاوضات بمطلبين أساسيين هما الوقف الفوري للنار وسحب القوات الروسية من الاراضي الأوكرانية، وهي مطالب يمكن تحقيقها إن استجابت كييف للمطالب الروسية وخصوصا البند الثالث الذي يطالبها البقاء على الحياد.
ولا شك أن الجولة الأولى للمفاوضات قد افلحت بتسجيل اختراق ديبلوماسي مهم في جدار الأزمة من خلال التنازلات المتبادلة التي ابداها الجانبين ناهيك بخلوها من الشروط المسبقة التعجيزية، حيث قبلت الحكومة الأوكرانية الشرط الذي وضعته موسكو بعدم تعليق عملياتها العسكرية خلال المفاوضات وارسلت وفذها المفاوض إلى حدود بيلاروسيا، بمقابل تنازلات ابداها الجانب الروسي بتخليه عن أهدافه إسقاط الحكومة الأوكرانية.
واستنادا لمعطيات كثيرة فان المفاوضات الروسية الأوكرانية يمكن ان تحقق تقدم ان اقتصرت في الوقت الراهن على البندين المتعلقين بوقف العملية العسكرية الروسية وضمانات حيادية اوكرانيا في حين ان البنود الاخرى المتعلقة بالاعتراف بالقرم كأراضي روسية ونزع السلاح الأوكراني وسلاح الناتو تبدو حاليا على الأقل غير واقعية ويصعب القبول بها من جانب أوكرانيا والغرب.
ذلك أن الغرب استثمر كل امكانياته السياسية والاقتصادية والإعلامية والدبلوماسية والعسكرية في مواجهة الغزو الروسي ليس لتحرير أوكرانيا بل لتحقيق مكاسب جيوستراتيجية مع روسيا ومن غير المرجح ان يقبل باي شروط روسية للمفاوضات على شاكلة منع زحف الناتو نحو الشرق أو نزع أسلحته من دول أوروبا الشرقية.
والتأرجح الذي اظهره الرئيس الأوكراني في الايام الماضية بين القبول بالمفاوضات ورفضها واخيرا قبوله بمفاوضات دون شروط، أراد فيها قياس رد فعل الجيش الاوكراني الذي ظل يحافظ على مواقعة الدفاعية، خصوصا وأن قبوله التفاوض يعني القبول بمفاوضات الاذعان التي تعني فرض القوي شروطه على الطرف الأضعف.
وخيار المفاوضات الندية مع روسيا يبدو الأفضل بالنسبة للحكومة الأوكرانية حاليا بعدما فقدت كل ترسانتها العسكرية، قياسا بخيار الاستسلام الكامل الذي تطرحه موسكو وخيار تشكيل حكومة منفى الذي حمله المقترح البريطاني الأخير إلى الرئيس الاوكراني باللجوء إلى بريطانيا مع أعضاء حكومته.
يزيد من ذلك ضعف المساعدات العسكرية التي يمكن أن يقدمها الغرب لأوكرانيا لمواجهة الاجتياح الروسي، بعد اعلان واشنطن والغرب صعوبة فرض حظر جوي على الأراضي الأوكرانية، وكذلك التأكيدات التي حصلت عليها كييف مؤخرا من عدم قدرة واشنطن والغرب المضي بمشروع الردع العسكري من خلال جسر الدعم الجوي والبحري والجوي الذي طالبت به أوكرانيا لدعم قدراتها العسكرية، في ظل السيطرة الروسية على الأجواء من جهة ومن جهة ثانية خشية الغرب من أن يقود دعم كهذا إلى اشتباك مباشر مع القوات الروسية قد يفتح الباب لحرب شاملة.
ومن جانب روسيا فلن يكون امامها سوى التعاطي الإيجابي مع المفاوضات الديبلوماسية التي يمكن ان تجنبها الهزات المحتملة من جراء العقوبات الاقتصادية الغربية من جهة، ومن جهة ثانية كلفة السيطرة على المدن الأوكرانية لمطاردة الرئيس زيلينسكي وحكومته، وهو السيناريو الذي قد يكبد روسيا خسائر كبيرة كما سيقدم الذرائع الكافية للغرب في طموحاته لعزل روسيا عن العالم.
ورغم الغموض الذي يكتنف الرؤية الروسية، فإن المسار الوحيد المفتوح للمفاوضات الروسية الأوكرانية في الوقت الراهن هو أن تبدأ في بحث البند الثالث حول ضمان بقاء أوكرانيا على الحياد تجاه طموحات الناتو بالتوسع شرقا، بمقابل وقف متبادل لإطلاق النار وإعلان موسكو وقف عمليتها العسكرية والانسحاب من الأراضي الأوكرانية.
وتحقيق تقدم في هذا المسار حتما سيفتح الطريق لبقية البنود المتعلقة باستقلال جمهوريات إقليم دونباس، وبقاء الوضع على ما هو عليه في شبه جزيرة القرم، كما سيفح الطريق للمقاربات الأوروبية التي كانت ظهرت في وقت سابق ودعت بوضوح إلى أهمية التزام جميع دول أوروبا باتفاقيات الأمن الجماعي، وتفهم مطالب روسيا بابتعاد قوات الناتو من مجالها الحيوي.
ومن جانب آخر يمكن أن يؤدي التقدم بالمفاوضات إلى كبح سلاح العقوبات خصوصا وهي لا تزال في الحدود الآمنة التي يمكن تسجيل تراجع فيها حيث لم يقطع الروس امدادات الطاقة عن أوروبا ولم يدخل الغرب موضوع الطاقة في ملف العقوبات على روسيا، كما لم يدخل عزل روسيا عن نظام سويفت المصرفي العالمي حيز التنفيذ وهي خطوط حمراء لم يتجاوزها أحد حتى الآن، سوى في الحدود الصيغة الأدنى لمجموعه السبع.
ولا يمكن اغفال أن تصعيد سلاح العقوبات إلى الحد الأقصى هو الخيار الذي تسعى واشنطن لمواصلته كونه الكفيل بتغيير المعادلات السياسية والأمنية الجديدة التي تحاول روسيا فرضها في شرق أوروبا، إلا أنه غير مرشح للاستمرار في المدى المنظور.
ففي الجوار ثمة دول أوروبا التي تتحدث اليوم بصوت مرتفع عن مخاطر تحملها الجزء الاكبر من الخسائر في المسارات الاقتصادية والأمنية والإنسانية، من جراء تصعيد واشنطن لسلاح العقوبات، وأكثر من ذلك مخاوفها من احتمالات أن يؤدي انخراطها أكثر بهذا الملف دون النظر إلى الهواجس الروسية إلى صراع مباشر مع روسيا لا تريده الدول الأوروبية في الوقت الراهن.

قد يعجبك ايضا