الإمبراطورية الشريرة !
يكتبها اليوم / عباس السيد
يرى المفكر السياسي الأميركي زبيغنيو بريجنيسكي ، أن العالم بمثابة « رقعة شطرنج كبرى « وفي كتابه الذي يحمل نفس الاسم ، قدم بريجنيسكي للأميركيين خطة عمل مفصلة لاستمرار الولايات المتحدة في الهيمنة على العالم ، سواء من خلال السيطرة على العالم أو قيادته .
وحظيت منطقة آسيا الوسطى والشرق الأوسط بمساحة واسعة في الكتاب .
بريجنسكي الذي عمل مستشارا للأمن القومي الأميركي ، تحظى كتبه وأفكاره السياسية باهتمام كبير من قبل السياسيين الأميركيين ، وهم يتعاملون مع دول العالم كرقعة شطرنج بالفعل . إذ تعتبر الإدارة الأميركية العديد من دول العالم بمثابة قلاع عسكرية لقواتها المنتشرة في أكثر من 700 قاعدة على امتداد خط الاستواء .
كما أن الكثير من الأنظمة الحاكمة تعمل كضباط أو بيادق وخيول تحركها واشنطن في لعبتها أو معركتها للسيطرة على العالم .
ولعل ما يدور حاليا في أوكرانيا هو جزء من اللعبة ، لكنها هذه المرة تخوض عبر بيدقها في كييف مواجهة مباشرة مع الروس ، مع من يعتبرون لعبة الشطرنج جزءاً من ثقافتهم وموروثهم ، وهم منذ مائة عام لا يزالوان أسياد اللعبة وأبطالها بلا منازع .
لقد كانت لعبة الشطرنج تُدَرَّس ضمن مناهج التعليم المدرسي في عهد الاتحاد السوفيتي ، وكان إتقان اللعبة سبباً لترقية عسكري أو موظف . فهل كان ذلك الاهتمام محصوراً باللعبة على الطاولات ، ولمجرد التسلية والمنافسات الرياضية فقط ؟.
لا نعتقد ذلك، لأن الاتحاد السوفيتي والروس بدرجة أساسية يدركون أهمية تطوير المهارات البشرية وتنمية القدرات والموارد المختلفة لحماية بلدهم الذي تبلغ مساحته ثمن مساحة العالم تقريباً من الأعداء المتربصين أو كما سماهم الرئيس بوتين قبل يومين « إمبراطورية الغرب الشريرة « .
انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات من القرن الماضي، أتاح الفرصة للأميركيين لتسيُّد الملعب واحتكار رقعة الشطرنج . ولكن، منذ عشرات السنين بدأت روسيا في استعادة مجدها وموروثها ، وقد تجلى ذلك في موقفها نحو جورجيا عام 2002 ، وفي ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014 ، وتدخلها القوي في سوريا ، وحاليا في معركة أوكرانيا، لكنها لا تزال غائبة عن مخطط الغرب الشرير في اليمن .
اليمن بالنسبة للأميركيين، مثل غيرها من الدول ، مجرد مربع في رقعة الشطرنج ، ومنذ سبع سنوات، تمارس أميركا هوايتها الشريرة في اليمن عبر تحريك بيادقها وخيولها وبعيرها في المنطقة .
لعبة أميركا في اليمن، ألحقت بشعبنا وأرضنا أضراراً وخسائر لا تُحصى، ومع ذلك فهذا ليس نهاية اللعبة بالنسبة لهم، فهي لعبة طويلة لا تنتهي إلا بمحاصرة الملك أو القيصر في بكين أو موسكو .
منذ سبع سنوات يتصدى اليمنيون لعدوان أميركا وأدواتها، مئات الآلاف من الضحايا سقطوا في هذه المواجهة وهم يدافعون عن شعبهم وأرضهم وبحرهم، ويتصدون لإمبراطورية الغرب الشريرة، الإمبراطورية نفسها التي تستهدف صنعاء، دمشق، بيروت، طهران، وبكين وموسكو. ومع ذلك، أدارت لنا موسكو وبكين ظهريهما طوال سبع سنوات .
لا نريد من الصينيين أو الروس أن يحاربوا « إمبراطورية الشر» في اليمن نيابة عن اليمنيين، فقط عليهم الاعتراف بحق اليمنيين في تقرير مصيرهم وحقهم في مواجهة هذا العدوان الظالم بشتى السُّبل، وعدم غض الطرف عن كل ما يجري من جرائم وانتهاكات، أو التواطؤ في تمرير قرارات تشرعن جرائم أميركا وأدواتها في اليمن . فمن لوّحوا أمس بإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل، هم من يعملون للسيطرة على مضيق ملقا ، وهم من يسعون للسيطرة على مضيق باب المندب .