في العلاقة الملتبسة بين القاضي والمحامي ! 3- (الدفوع)
يكتبها اليوم / عبدالعزيز البغدادي
في معرض الحديث عن طول أمد النزاعات يشكو كثير من القضاة من كثير من المحامين بأن من أهم أسباب ذلك تعمد المحامين إمطار المحكمة بسيل من الدفوع قبل الدخول في موضوع النزاع وأن أغلبها دفوع كيدية حسب القضاة ، ومعلوم أن بطء العدالة شكل من أشكال الظلم ناهيك عن كونه سببا من أسباب تحويل بعض القضايا من مدنية إلى جنائية تصل إلى القتل أحيانا وبعضهم يتخذ الدفوع وسيلة لإعاقة حركة القضايا سواء كانت دفوعاً شكلية أو موضوعية أو بعدم القبول، وهذه مصطلحات قانونية وقضائية بعيدة إلى حد كبير عن فهم القارئ العادي واهتمامه ، ولكنها تتصل بموضوع العدالة المتصل بحياة كل مواطن لارتباطه بمختلف جوانب الحياة لهذا أجده من المواضيع الواجب طرحها من وقت لآخر لاتصالها بفلسفة القانون وعلاقتها بحياة المواطن ، والحرص على ترسيخ أسس تحقيق العدالة كأهم منطلق لبناء الدولة المدنية العادلة دولة المواطنة المتساوية التي لا مفر منها ولا بديل عنها لقيام مجتمع مدني آمن متعايش يحترم أفراده وجماعاته حقوق بعضهم البعض ، وأداة حراسة هذه الدولة الحُلم وجود مؤسسة فاعلة للقضاء تدرك مسؤوليتها في تطبيق مبدأ سيادة القانون وإنهاء أي مظهر من مظاهر المزاجية والعشوائية في تحقيق ذلك ما يتوجب أن لا تبقى مثل هذه المسائل رهن مزاج القاضي أو المحامي أو أي عامل في مجال العدالة ، فمبدأ سيادة القانون وصحوة القاضي حجر رحى العدالة ؛
وبالعودة إلى موضوع الدفوع وفي مقابل شكوى القضاة يشكو كثير من المحامين من كثير من القضاة وقوفهم من الدفوع موقفاً سلبياً بعدم إعطائها حقها من الإنصات والفحص والتدقيق لمعرفة وتبين الجاد من الكيدي ، والأهم من المهم منها ، ويرون أن أسباب ذلك عديدة منها تزاحم القضايا ، وضعف خبرة القاضي وكفاءته وكثيراً ما يتخذ القضاة من الدفوع المقدَّمة ذريعة لإهمال القضايا وتحميل مقدميها من المحامين تبعات التأخير مع أنه باب مشروع ومهم ووو… ، ويؤدي سوء استخدام الدفوع أو إهمالها سواء من المحامي أو القاضي إلى عكس العلة من وجودها أي إلى إطالة أمد النزاع بدلاً من اختصار طريق الوصول إلى الحقيقة ، فكثيراً ما يلجأ القاضي إلى ضم الدفع إلى الموضوع مع كونه من الدفوع التي يتعين عليه وجوباً سرعة البت فيها و هي دفوع يحق للمحامي التمسك بإبدائها والتأكيد عليها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى كما يحق للمحكمة الفصل فيها ولو من ذات نفسها لأنها من الدفوع التي لا تحتمل التأجيل والضم للموضوع ، وإلا فما الداعي لإدراجها ضمن القانون ومن أبوابه الرئيسة، وقد يكون بسبب المحامي الذي لا يتقن تقنية استعمال الحق في تقديم الدفوع من حيث اختيار الوقت والسبب ودراسة ما قد يترتب على تقديمها وكيفية معالجة كل ذلك بتمعن !
ولبعد هذا الموضوع عن اهتمام وفهم كثير من القراء الأعزاء ولأهمية تحويل الثقافة الحقوقية إلى مادة متصلة بالثقافة العامة أحاول بعجالة وبما تسمح به اليوميات كموضع للثقافة العامة له علاقة بالوجدان ومتصل بمعضلة طول أمد النزاعات أمام المحاكم وليس دراسة قانونية متعمقة، لذا أحاول تبسيط وتقريب مفهوم الدفوع اعتماداً على تعريف المادة (179) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني( الدفع دعوى يبديها المدعى عليه والطاعن اعتراضاً على موضوع الدعوى أو الطعن أو شروط قبولهما أو أي إجراء من إجراءاتهما ) أي أنها ذخيرة خط الدفاع الأمامي للمدعى عليه لمواجهة دعوى كيدية تجنباً للغوص في بحر النزاع إذا حالفه التوفيق بمن يجيد استخدام هذا الحق من المحامين وبمن يحكم بالعدل من القضاة وحين أقول خط الدفاع الأمامي فلأني أشبه النزاع القضائي بمعركة ذخيرتها القانون أكانت ادعاءً أو دفاعا وسواءً كانت الدعوى صحيحة ومحقة أو كيدية باطلة ، علة الدفوع مواجهة الدعاوى الكيدية ، وحسن التعامل معها له نتائج إيجابية في مصلحة من وجهت الدعوى الكيدية ضده ولهذا فهو باب لا يمكن إهماله ، ومن المضحك المحزن أنه قبل سنوات طرح موضوع الدفوع أمام الرئيس السابق على أنه مشكلة فوجه بإلغاء الدفوع كحل جذري للمشكلة دون أن يعرف معنى الدفع !!!؛
إن وجود الدفوع ضرورة إجرائية وموضوعية، والمشكلة تكمن في كيفية التعامل معها وهذه الكيفية إنما تعالج بالفهم ودراسة المشكلة بتعمق وليس بالإلغاء والعشوائية وبصورة أولية أرى أن يطرح للنقاش مقترح للحل عبر وسيلتين:
الأولى: حسن العلاقة بين القاضي والمحامي كعامل مساعد في إجلاء أي غموض لأن عمل أي منهما مكمل للآخر والبحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة غاية الجميع..
الثانية: البحث عن أي فراغ تشريعي أو لائحي من شأنه إزالة أي غموض متعلق بموضوع الدفوع بكل أشكالها وكيفية التعامل معها.
كل الدروب إلى الله مفتوحةٌ ..
والحقيقة مفتاحها السعي .