في سنوات الانفلات.. كل شيء أصبح مباحا ولا حرمات للموتى في عدن
أبناء عدن يتهمون قيادات الانتقالي بنهب الأراضي والاستيلاء على الشواطئ
الثورة / عادل محمد باسهيل
مثلت الصراعات المسلحة والانفلات والفوضى الأمنية والعبث وعمليات النهب والسطو الممنهج على الأراضي العامة والخاصة والاستيلاء على مؤسسات الدولة والشوارع والمتنفسات العامة، والمعالم الأثرية والتاريخية، أبرز الملفات التي أثقلت وتثقل كاهل المواطنين في مدينة عدن المحتلة منذ عدة سنوات.
ومؤخرا اتسعت أعمال النهب والسطو على الأراضي في مدينة عدن لتشمل الكثير من المعالم السياحية والتاريخية للمدينة، وفي مقدمتها ساعة بيغ بن وبرج الصمت “مهلكة الفرس” وصهاريج عدن والمتحف الحربي، الذي حوّله نافذون إلى محلات تجارية، والمقابر القديمة، وغيرها من المعالم.
سطو مستمر
وأكد أهالي مدينة عدن استمرار عمليات البسط والاعتداءات على المتنفسات والسواحل والحدائق العامة في المدينة من قبل متنفذين أمام مرأى ومسمع السلطات المحلية والأجهزة الأمنية التي تقوم بحماية ودعم مثل هذه الأعمال.
ونفذ أهالي عدن العديد من الوقفات الاحتجاجية تنديداً بالاعتداءات المتكررة على المتنفسات الطبيعية في المدينة كانت آخرها وقفة احتجاجية نفذها أهالي مديرية صيرة الأسبوع الفائت أمام متنفس «أبو دست» تنديداً بالاعتداءات المتكررة على المتنفسات الطبيعية في المديرية.
وأكد المحتجون، أن المتنفذين يواصلون السطو على المتنفسات الطبيعية في عدن منها أراضي متنفس «أبو دست»، محمِّلين السلطات المحلية مسؤولية تلك الاعتداءات التي ينفذها مسئولون ونافذون بتواطؤ الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية.
وأشاروا -في بيان صادر عن الوقفة- إلى أنهم نفذوا 16 وقفة احتجاجية كان أولها في 7 ديسمبر 2020م، للمطالبة بإيقاف الاعتداءات والاستهداف الممنهج للممتلكات العامة والخاصة والمعالم التاريخية والسياحية والمتنفسات الطبيعية، إلا أن تلك المطالبات قوبلت بالتجاهل من الجهات المعنية.
ورفع المحتجون لافتات وشعارات كتبوا عليها «لا تحرمونا من آخر متنفس في كريتر»، وغيرها من الشعارات المنددة بالاعتداءات المتكررة التي طالت وتطال المتنفسات الطبيعية والمعالم الأثرية.
وتشهد مدينة عدن المحتلة منذ وقوعها تحت سيطرة تحالف العدوان عمليات بسط ونهب للأراضي، العامة والخاصة، وارتفعت وتيرتها بعد سيطرة الانتقالي -المدعوم إماراتياً- عليها في أغسطس 2020م، لتصل إلى كل ما يتعلق بتاريخ عدن ووجهها الحضاري ومتنفساتها.
سماسرة ونافذون
أواخر العام 2020م فوجئ سكان عدن بقيام سماسرة في تجارة الأراضي -يعملون لصالح نافذين- بعرض ساحل «كود النمر» الشهير في منطقة البريقة، للبيع من خلال إعلانات قاموا بنشرها على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومثل نشر مثل تلك الإعلانات صدمة لأهالي عدن، الذين عبّروا عن استيائهم واستنكارهم لما يحدث للمدينة، مؤكدين أن تجرؤ سماسرة بيع الأراضي على عرض ساحل كود النمر، الذي يعتبر من أهم متنفسات مدينة عدن يشير إلى وقوف نافذين في المجلس الانتقالي التابع للإمارات، وراء العملية.
وحذر أهالي مديرية البريقة، من استمرار استهداف الشواطئ والمتنفسات السياحية، معبرين عن استيائهم جراء الاستحداثات وعمليات «البسط» التي يتعرض لها شاطئ «كود النمر» وفي مقدمتها تحويل المكان المخصص للعائلات على امتداد الشاطئ، إلى مواقف للسيارات.
وأكدوا أن نافذين يقومون باستحداث الأبنية بشكل مستمر على أراضي شاطئ كود النمر، في ظل غياب دور الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية في حماية الشواطئ والسواحل، التي تتعرض لعمليات بسط وسطو منذ العام 2015م.
لصوص الشواطئ
وفي سياق متصل، تداول ناشطون، على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً تُظهر عملية بسط يتعرض لها متنفس «الغدير» بمديرية البريقة والذي يعد من أشهر شواطئ مدينة عدن.
وبحسب الأهالي فإن عملية البسط التي طالت متنفس الغدير من قبل متنفذ يدعى «السعدي» والذي قام باستحداث الأبنية دون أن تحرك الجهات المختصة ساكناً، مشيرين إلى أن المتنفِّذ السعدي سيقوم فور الانتهاء من بناء السور بمنع الدخول إلى المتنفس المجاني إلا بمقابل مادي.
وأدانت رئيسة مجلس إنقاذ عدن، ذكرى المصفري الصبيحي، عملية البسط على ساحل الغدير.. واصفة العملية بـ«سرقة» أهم وأشهر معالم مدينة عدن.
وقالت المصفري: إن ساحل الغدير أصبح محتلاً وتحت ملكية خاصة لتاجر يافعي من بيت السعدي.. مطالبة شرفاء قبيلة السعدي ويافع بالتدخل الفوري لمنع فتنة لن ينجو منها أحد، معتبرة ما يحدث في ساحل الغدير عملاً جباناً لا يشرّف أحداً ويدخل ضمن سرقة الأراضي والمتنفسات في عدن.
السطو يطال الجبال
عمليات البسط والسطو والاستيلاء على الأراضي والسواحل والحدائق العامة لم تتوقف عند هذا الحد بل طالت الجبال حيث سطا نافذون، على أراضٍ في جبل شمسان بمديرية صيرة، والذين قاموا بالبناء في عدة مناطق من الجبل، ووصلت عمليات البناء العشوائي إلى محيط جولة بوابة عدن التاريخية.
كما قام نافذون بالبسط والاستيلاء على مساحات كبيرة، في منطقة “الدروب السبعة” الأثرية في جبل شمسان، والتي تحتوي على سبعة سدود وحواجز مائية قديمة، مهمتها تخفيف اندفاع السيول المتدفقة من الجبل باتجاه مدينة كريتر، وتهدئتها حتى تصب في الصهاريج.
ومنتصف العام 2020م تعرضت جزيرة العمال في مديرية خور مكسر، لعملية سطو طالت أجزاء واسعة من أراضيها من قبل جماعات مسلحة تتبع نافذين، وقامت باستحداث الأبنية العشوائية في جبل الجزيرة، الأمر الذي أثار استياء السكان، الذين اتهموا الأجهزة الأمنية بالتواطؤ مع منفذي تلك العمليات.
وجاءت عملية الاستيلاء على جبل جزيرة العمال بعد أشهر على قيام نافذين باستحداث، الأبنية العشوائية على الشارع العام في الجزيرة، بتواطؤ من السلطات المحلية والأمنية التي لم تحرك ساكناً.
وفي سياق متصل، قام نافذون بالاستيلاء على متنفس مجمع العرب في مديرية خور مكسر، بذريعة إنشاء مستشفى ميداني لمواجهة الأوبئة والحميات، الأمر الذي جعل الأهالي يتساءلون: لماذا لم تتم إعادة افتتاح مستشفى عدن بدلاً من البسط على متنفس مجمع العرب؟!
مصادرة أراضي الموتى
لم تتوقف عمليات البسط على الأراضي الخاصة بالمواطنين الأحياء، أو عند حدود الشواطئ والحدائق والمعالم التاريخية, بل وصلت للبسط على الشوارع والأرصفة المخصصة للمشاة والمقابر القديمة وكذلك المقابر التي لا تزال في طور الانشاء، حيث سطت عصابة مسلحة تابعة الانتقالي، على مقبرة اليهود في مديرية المعلا، وقامت بنبش القبور بواسطة الجرافات، والاستيلاء على مساحات كبيرة من المقبرة.
وفي واقعة مماثلة، استولى نافذون في الانتقالي، ترافقهم أطقم أمنية، يوليو الماضي، على أراضٍ تابعة للأوقاف مخصصة لبناء مقبرة عدن الكبرى في مديرية الشيخ عثمان، وشرعوا في تقسيمها والبناء عليها.
وقوبلت عمليات السطو بردة فعل شعبية ومبادرات مجتمعية لحماية معالم عدن، أبرزها مبادرة “هويتي” لحماية التراث الثقافي في عدن والتي دعت –أواخر أكتوبر الماضي- الجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني إلى التصدي لعملية السطو والدفاع عن معالم عدن التاريخية.
وأشارت مبادرة “هويتي” إلى أن المعتدين لم يكتفوا بالاعتداء على «مقبرة جوهر» في مديرية صيرة والتهجم على حقوق الوقف وحرمة الموتى، بل وصل بهم الأمر إلى ادعاء ملكية المقبرة والمطالبة بإخراج الموتى منها.
كما دعت المبادرة إلى ضرورة وقف الاعتداءات المتكررة من قِبل من وصفتهم بـ«ضعفاء النفوس” على حرمات المقابر والموتى.. مطالبة الهيئة العامة لحماية الآثار ومكتب الأوقاف والجهات ذات العلاقة بالقيام بمسؤوليتها في حماية معالم عدن التاريخية وإيقاف الاعتداءات والأحكام القضائية ضد مقبرة جوهر التاريخية وردع المعتدين.
وندد أبناء مدينة عدن بعمليات السطو التي طالت عدداً من المقابر، ومنها مقبرتا القطيع في مديرية صيرة ومقبرة اليهود في مديرية المعلا، بالإضافة إلى السطو على المعالم التاريخية والأثرية والمساحات الخاصة بالمباني الحكومية وغيرها من الأراضي العامة والخاصة، وسط تواطؤ الجهات المعنية بحماية تلك الممتلكات.
نهب الأرصفة
وبعد أن تحولت عمليات البسط والاستيلاء على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة التي تشهدها مدينة عدن، إلى ظاهرة تعكس حجم ما تشهده المدينة من انفلات، أظهرت صور تم تداولها -مؤخرا- على منصات التواصل الاجتماعي، رصيفاً وعمود كهرباء في أحد شوارع عدن، بعد أن تم البسط والاستيلاء عليهما وإدخالهما ضمن ملكية أحد المنازل، ما يشير على أن الظاهرة أصبحت واقعاً تعيشه المدينة.
وأثارت عملية البسط والاستيلاء على الرصيف سخطاً واسعاً في صفوف المواطنين والناشطين ومرتادي منصات التواصل الاجتماعي، الذين أكدوا أن البسط على رصيف مخصص للمشاة وضمه لملكية خاصة مؤشر خطير إلى مدى ما وصلت إليه تلك الظاهرة التي تتورط فيها قيادات أمنية ونافذون في الانتقالي، وتدفع إلى توسعها وجعل أرصفة الشوارع في مرمى الكثير من الناهبين.
كما تعرض سطح مبنى البلدية في مديرية صيرة، ومحيط نفق المعلا للبسط ولاستيلاء من قبل نافذين.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لمبانٍ مشيدة حديثاً فوق مبنى بلدية كريتر ونفق المعلا، شبيهة بتلك التي يشيدها الناهبون في عشوائيات عدن.
وأثار التصرف موجة غضب وسخرية ضد المجلس الانتقالي المسيطر على عدن، بعد أن أصبحت المدينة تحت حكمه عرضة للنهب والسلب من قبل عناصر متنفذة في المجلس.
وقال الناشطون، بسخرية، إن الانتقالي، الذي يدّعي أنه جاء ليحرر الجنوبيين من “الاحتلال الشمالي”، ظهر بأنه جاء ليحرّر عدن من تاريخها وحضارتها ومتنفساتها وأراضيها، لافتين إلى أن أعمال البسط والنهب التي يقوم بها هوامير الأراضي التابعون للانتقالي، لم يفعلها كل من سبقوهم، وهو ما أكده نائب قائد ما تسمى قوات الحزام الأمني في عدن “جلال الربيعي” الذي اعترف -في نوفمبر الفائت- بتورط قيادات أمنية موالية للانتقالي ووقوفها وراء عمليات نهب الأراضي في المدينة.
أرقام وإحصائيات
وفي سياق متصل كشف محافظ محافظة عدن «طارق مصطفى سلام» عن قيام مرتزقة وأدوات العدوان المتمثلة في «مليشيات الفار هادي ومليشيات ما يسمى بـ« المجلس الانتقالي » بالاستيلاء على أراض في مدينة عدن المحتلة تقدر قيمتها 120 مليار ريال.
وقال سلام: إن مليشيات أدوات العدوان نهبت مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت مخصصة للاستثمار في المحافظة وتم إدراجها ضمن مخطط المنطقة الحرة وعدن الكبرى والتي تشمل ضواحي عدن في بير أحمد وبير ناصر ومنطقة الرباط وغرب البريقة والمناطق الواسعة باتجاه محافظة لحج.
وأكد سلاّم أن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والأراضي المخصصة للاستثمار وتنمية عدن تعرضت للنهب من قبل أدوات تحالف العدوان بقوة السلاح، مشيرا إلى أنّ عمليات البسط والنهب من قبل أدوات ومليشيات العدوان طالت الشواطئ والمتنفسات والحدائق العامة والأماكن الأثرية والسياحية، منوها إلى أن سماسرة أدوات العدوان حولوا عدن إلى مدينة مستباحة ولم يتورعوا في عرض شواطئها وسواحلها للبيع.
وفي السياق كشفت إحصائيات لمنظمات حقوقية في عدن، عن قيام نافذين عسكريين وأمنيين بنهب أكثر من 11 ألف قطعة أرض تابعة لمواطنين وجمعيات سكنية حكومية وخاصة خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى تعرض أرشيف هيئة أراضي وعقارات الدولة في مدينة عدن للإحراق المتعمد، ما يؤكد ضلوع نافذين وراء عمليات السطو المنظم للأراضي ويكشف عن شرعنة النهب والسطو من خلال إحراق الوثائق التي تثبت ملكيتها لأشخاص آخرين.
وبحسب مراقبين، فإن ما تشهده معالم عدن السياحية والتاريخية وحدائقها العامة من سطو وعبث واعتداءات وعرض سواحلها ومتنفساتها للبيع، يعكس الصورة العامة للسياسة التي يسير عليها كلٌّ من الانتقالي وحكومة الفار هادي، والمتمثلة في بيع الوطن وتحويله إلى لقمة سائغة للطامعين.