اقتصاديون: رغم رخص أسعار هذه الملابس إلا أنها هدر اقتصادي


تحقيق / رجاء عاطف –
> مواطنون : سوق الحراج يناسب حالتنا الاقتصادية

أخطار صحية تحملها الملابس والأدوات المستعملة يجهلها البعض ويتجاهلها البعض الآخر وأمراض يشتريها المواطن البسيط بزهيد الثمن من الأسواق المسماة (بالحراج) في ظل إهمال الجهات المعنية التي تسمح بدخولها إلى بلادنا دون معرفة مصدرها أو فحصها ويتم الاكتفاء فقط بتحصيل مبلغ الجمارك وبدأت عملية استيراد الملابس والأدوات المستعملة إلى اليمن مطلع التسعينات من القرن الماضي والتي تأتي من مختلف دول العالم وهكذا انتشرت هذه التجارة في جميع الأسواق اليمنية التي أصبحت ملجأٍ لكثير من ذوي الدخل المحدود والتي لا تسمح حالتهم المادية بشراء الملابس والأدوات الجديدة حيث أصبح الكثير منهم عرضة للإصابة بالعدوى جراء إعادة استعمالها وجهلهم بالأمراض التي قد تحدث بسببها.
مخاطر صحية وبيئية تواجه المستهلك اليمني البسيط دون النظر لأسبابها كل هذا في التحقيق التالي :
سوق الملابس المستخدمة والتي يْروج لها عبر ميكرفونات ويتجمع حولها المشترون وأي قطعة بـ 200 ريال هكذا وجدنا الباعة يصرخون بهذه الكلمات وهم يملأون أرصفة الشوارع والمحلات التي فتحت خصيصاٍ لهذه التجارة التي وجدوا أنها تدر عليهم أرباحاٍ كبيرة من بيع هذه الملابس المستخدمة كون هناك نسبة كبيرة من المواطنين لا تساعدهم حالتهم الاقتصادية على شراء متطلباتهم من الملابس الجديدة خصوصاٍ من لديهم أبناء كثيرين ويحتاجون إلى أن يلبوا احتياجاتهم من ملابس الشتاء والصيف فلا يجدون أمامهم إلا أسواق ( الحراج ) التي تلبي كل متطلباتهم وبأسعار تتناسب وحالتهم .
تعدد المصادر
عبدالرحيم سلام أحد تجار السلع المستخدمة يقول: أصبحت هذه التجارة مصدر رزق لنا ونحن نقوم بشراء كميات كبيرة والتي تحوي الكثير من قطع الملابس المختلفة الأحجام والأنواع ونقوم بغسلها وكيها وترتيبها وفرزها في المحلات أو توزيعها لبعض بائعي البسطة في الأسواق حيث يقبل عليها الكثير من المواطنين الذين يجدون كل ما يحتاجونه لدينا.
وعن مصدر هذه الملابس يشير سلام إلى أنهم يأخذونها من تجار أكبر منهم يأتون بها عبر المنافذ قد تكون البعض من هذه الملابس مرخصة أو ندخلها بطرق أخرى من عدة دول مجاورة ويتم بيعها للباعة المتجولين في الطرقات وهكذا انتشرت في اليمن خاصة في السنوات الأخيرة وما شجع على ذلك أنها لا تخضع للرقابة والفحص .
سوق الفقير
“الحراج سوق الفقير” بهذه الكلمات بدأ يحيى غلاب- أب لأربعة أطفال حديثه بالقول: من لديه أطفال كثير لا يستطيع شراء بدلة واحدة بمبلغ3000 ريال أو أكثر ولن يكفي راتبي الذي يعول أسرة لشراء أربع بدلات جديدة لأطفالي وهذا المبلغ قد يعتبر لدى المحلات التي تبيع الملابس الجديدة أرخص سعراٍ ولكن نستطيع بمبلغ الـ3000 الريال شراء الكثير من القطع المتنوعة من الملابس المستخدمة من سوق الحراج تكفي جميع أبنائي ولفترة طويلة وأنا أعاني من ضغط طلبات شراء العديد من الملابس خلال السنة .
وهذا مواطن آخر يقول: الملابس والأدوات المستعملة رخيصة وتفي بالغرض ونعتقد أنه يتم تعقيمها وتنظيفها وكيها لبيعها ونحن بدورنا لا نرتديها إلا وقد قمنا بتنظيفها وتعريضها للشمس كي تقتل البكتيريا وفي الأخير ليس لنا سواها لأن الأولاد كثير والدخل محدود والظروف صعبة وليس لدينا القدرة على شراء ملابس جديدة فلذلك نشتري مستعملة رخيصة وقطع كثيرة .
أدهشتني الأخت (أحلام . ج) بردة فعلها حين سألتها: أتعلمين من أين مصدر هذه الملابس المستعملة¿ أجابتني : لا أبالي من أين تأتي هذه الملابس كل ما يهمني أن أسعارها تناسبنا نحن الفقراء وتكسوا أطفالنا بدلاٍ من أن يظلوا دون ملابس وعراة.
عدوى أمراض الجلد
أضرار صحية كثيرة بانتظار المستهلك الذي يستخدم هذه الأغراض يقول الدكتور محمد درهم زايد – أخصائي أمراض الجلد: إن للملابس أهمية كبيرة في حياة الناس وقد تطورت صناعتها وموادها بتطور الإنسان لأنها تقي جلد الإنسان من عوامل البيئة المحيطة به (الشمس والبرد والوقاية من الخدوش والجروح ولدغات الحشرات) وقد تكون في بعض الأحيان مسببة لبعض أمراض الجلد لأنها مكونة من بعض المشتقات الكيميائية كملابس النايلون وهذه المادة ومادة البلوستر والأصبغة لبعض الملابس قد تكون مسببة للأمراض الجلدية الارجية التماسية والتي تظهر على الجلد بأعراض الحكة والاحمرار والتورم وبدورها تسبب انزعاجاٍ كبيراٍ للمريض وتؤثر في التركيبة النسيجية لطبقات الجلد .
وأضاف الدكتور زايد: في اليمن ونتيجة للفقر أصبحت الملابس المستخدمة (الحراج) والمستوردة من عدة بلدان تجارة مربحة جمعت فئات مختلفة من الناس الذين يستخدمونها وقد يكون بعضهم مصاباٍ بأمراض جلدية معدية قد تنتقل إلى من يستخدمها مثل الأمراض الجلدية الناتجة عن البكتيريا والجراثيم التي تهاجم الجلد وتتلف طبقاته وتسبب حكة شديدة وقيحاٍ وتحززاٍ وتصبغاٍ في الجلد إضافة إلى التسبب في حدوث أمراض جلدية طفيلية أمثال مرض الجرب الحاك حيث يتواجد هذا الطفيل في هذه الملابس وينتقل إلى الجلد السليم ويسبب حكة شديدة مع اندفاعات حطاطية نزفية ملتهبة بشدة تصيب الأطفال والكبار وجميع الفئات العمرية ونحن أطباء الجلدية نجد نسبة كبيرة من المرضى المصابين بمرض( الجرب).
أمراض منقولة
وأكد أخصائي أمراض الجلد أن هذه الملابس تنقل أيضاٍ الأمراض الفطرية والتي تصيب الشعر والجلد ومنطقة العانة وثنيات الجلد وتسبب حكة شديدة وتعطن وكلف في طبقات الجلد بل يصل إلى حد التشوه بفقدان طبقة جلدية خاصة إذا كانت العدوى في الجلد المكشوف والمرئي وأن الأمراض الجرثومية والفطرية والطفيلية توجد بويضاتها في الملابس المستخدمة (الحراج) والتي تنتقل إلى الأصحاء وتسبب لهم أمراضاٍ جلدية خطيرة وهذا ما نصادفه في الكثير من المرضى المصابين وحين التحدث مع المريض عن حالته نكتشف أن بعض الحالات قد استخدمت ملابس الحراج .
وينصح الدكتور زايد المواطنين المستهلكين لهذه السلع باقتناء الملابس الجديدة ولو كانت مكلفة بعض الشيء لأنها أفضل من أن يدفع مبالغ كبيرة في علاج أمراض الجلد المنتقلة من ملابس الحراج ..
قرارات تمنع..لكن
على الواقع.. هناك قرارات كثيرة بشأن منع استيراد الأثاث والملابس المستعملة القرار رقم (200) لعام 2002 الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة يمنع استيراد الأثاث والمفروشات والقرار رقم (50) لسنة 2001 الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة الذي يمنع استيراد الملابس المستعملة عن طريق البر ويسمح بها عن طريق البحر وفق شروط صحية وأن تكون خالية من الجراثيم لكن هذا لا يطبق اليوم.
يتم دخول معظم السلع المستخدمة إلى اليمن التي تقدر نسبتها بـ70 % خارج إطار المنافذ الجمركية مما يعني أن معظم القرارات التي اتخذت بهذا الشأن لن تطبق ما لم يتم ضبط المهربين أولاٍ ومن ثم محاسبة المخالفين.
الرقابة صامتة
فيما أشار المهندس صالح غيلان – الأمين العام للجمعية اليمنية لحماية المستهلك إلى أنه في بداية التسعينات تم استيراد وانتشار الملابس المعادة المستعملة بعد قرار مجلس الوزراء بالسماح باستيراد الملابس المكونة من قطعتين والتي تتمثل بالجاكت أو (الكوت) والبنطلون.
وقال: بدأ العمل بالقرار والسماح باستيرادها من جميع دول العالم لكن دون رقابة من الجهات المعنية حيث كانت تصل تلك الشاحنات المربوطة إلى الموانئ ويتم إدخالها بتصاريح رسمية على أنها ملابس من قطعتين بحسب القرار دون تفتيش واستمر هذا الأمر فترة وجيزة وبسبب تدني وضعف الرقابة قام المستوردون لهذه الملابس باستيراد جميع أنواع الملابس بما فيها الملابس الملاصقة للجسم مثل الملابس الداخلية وملابس الأطفال والأحذية وحتى الجوارب النسائية بعد غسلها واستخدام مواد التنظيف والتطهير والتعقيم ومواد كيميائية ذات أثر متبقي عالي وضار صحياٍ.
ويؤكد غيلان أنه وبسبب تدني الرقابة وصمت الجهات المعنية التي لا تهتم بالموضوع إلا من باب رسوم الجمارك فقط مع إهمال النواحي الصحية والبيئية الناتجة عن هذه الملابس الأمر الذي شجع المستوردين على استيراد هذه الملابس مع ما تحمله من مشكلات لعدم الغسل أو التعقيم وانتشرت محلات بيعها في الأسواق العامة والمحلات والأرصفة والعربيات. ولفت إلى أن هذه النوعية من الملابس تحمل أخطاراٍ صحية وبيئية واقتصادية لم تنتبه الجهات المعنية لها وأن هذا الأمر استرعى انتباه الجمعية اليمنية لحماية المستهلك لتقوم بمخاطبة الجهات المعنية مثل وزارة الصحة العامة والسكان – وصحة البيئة – ووزارة الصناعة والتجارة- وحتى مجلس النواب ونظراٍ لعدم تجاوب هذه الجهات قامت الجمعية بشراء نوعيات مختلفة من هذه الملابس ومن عدة محلات تجارية وإرسالها للفحص في كل من هيئة المواصفات والمقاييس والهيئة العليا للأدوية ومصنع الغزل والنسيج ومخاطبة هذه الجهات رسمياٍ وطلب فحصها للتأكد من سلامتها وخلوها من مسببات الأمراض ومدى نظافتها وسلامتها للاستخدام الآدمي وأيضاٍ فحص وتحديد مستوى الأثر المتبقي من مواد التعقيم والتطهير وتحديد نوعيتها وتفاجأت الجمعية بردود الجهات المعنية حيث اعتذرت الهيئة العليا للأدوية بسبب عدم توفر الإمكانيات لديها لفحص هذه المواد رغم أنها من الجهات المعنية والمسئولة .
نتائج الفحوصات
وأوضح أمين عام جمعية حماية المستهلك أنه تم الاكتفاء بنتائج الفحوصات التي تمت في مختبرات مصنع الغزل والنسيج والتي أشارت إلى ضعف ترابط النسيج لهذه الملابس بسبب تكرار استخدامها وغسلها وسرعة تمزقها إضافة إلى احتوائها على أثر متبقي عالي لمواد التنظيف والتعقيم مثل الصودا والكلور حيث تعتبر هذه المواد مهيجة للجلد وتسبب تحسس الجلد إضافة إلى حساسية المجاري التنفسية وأيضاٍ احتواء بعض هذه الملابس وخاصة الداخلية على جراثيم وفطريات تسبب التهابات جلدية وتشكل روائح كريهة عند التعرق خاصة في منطقة الأبطين وبين الفخذين والرجلين وعلى ضوء هذه النتائج قامت الجمعية بتحذير عموم المستهلكين من شراء أو استخدام هذه الملابس لعدة أسباب منها الاقتصادية وأرجع الأسباب الاقتصادية إلى أن هذه النوعية من الملابس رغم رخص ثمنها إلا أنها تعتبر هدراٍ اقتصادياٍ حيث إن أغلب الأسر الفقيرة تقوم بشرائها نظراٍ لتدني ثمنها إلا أنه ورغم تدني سعرها لا يمكن استخدامها في أحسن الأحوال سوى مرة أو مرتين حيث أصبحت غير متماسكة ولا تتحمل الغسيل وسريعة التمزيق الأمر الذي يترتب عليه ضياع الأموال المدفوعة ثمناٍ لهذه الملابس .
وحذر غيلان من أضرارها الصحية التي يتعرض لها المستهلك عند استخدامها كأمراض تحسس الجلد واحمراره بتأثير متبقي مواد التنظيف والتطهير وكذلك التعرض للأمراض السارية والمعدية وحتى الخطيرة وخاصة من الملابس الداخلية إلى جانب الأمراض التنفسية والحساسية في المجاري التنفسية والأمراض الناتجة عن الميكروبات والفطريات وحويصلات الطفيليات المتبقية في الملابس وخاصة الداخلية .
ونبه باسم الجمعية اليمنية لحماية المستهلك عموم المستهلكين إلى خطورة شراء أي سلع أو منتجات معروضة بأسعار زهيدة وخاصة المستخدمة والتأكد دائماٍ من شراء المنتجات الحديثة (والشيء بثمنه) تجنباٍ للأضرار الصحية والاقتصادية وعدم الانجرار وراء ما هو رخيص وغير معروف مصدره كما تضمن كل ذلك في نشرات الجمعية ومطبوعاتها التوعوية التي توزع على عموم المستهلكين وخاصة طلاب المدارس وربات البيوت والتي يجب الأخذ بها.

تصوير/مراد مبروك

قد يعجبك ايضا