الدراجات الناريـة.. قيامة الحديـدة التي لا ترحم


تحقيق مصور/ محمد إبراهيم –
كانت الساعة تتجاوز الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.. بينما أنا منكبَ على قراءة كتاب عشقت صحبته لكن أصوات الدراجات التي قضتú مضاجع المدينة ازدادت ضجِةٍ وتعالت تدريجياٍ وكما لو أنها تحاول إيقاظ السقوف من المنازل تزايد الضجيج حتى ظننته هجوم عارم أو تسونامي يغازل الساحل بطلائع الزحف القادم من جوف البحر.. سارعت إلى الشرفة -في الطابق الرابع – وبيدي الكاميرا علي أجد شيئاٍ غير الدراجات فقد أنكر سمعي أن هذا الضجيج هو محشرها.. كان المنظر مدهشاٍ لكنـه أوجع عاطفة التهاني لعريس ينتظر عروسه التي تْزِف كأطرش تحفها الدراجات فتمر بلا آذانُ تطرب لعود أيوب طارش عبسي أو أحمد فتحي أو أي لون من ألوان الزفاف اليمني هكذا وسط هذه القيامة تْزِفْ العروس إلى عريسها تحت بهجة الليل في الحديدة.. أكثر من (100) أو (150) دراجة على حد التقريب تمتشق الليل استعراضاٍ محموماٍ يتوسطه مجموعة سيارات مزينة (برادو فارهة – صالون لاند كروزر آخر موديل – وأربعة باصات تقل نساء وأطفال).. هذه هي قيامة الحديدة التي لا تنام وضجيجها الذي لا يرحم أحال يوم الحديدة عقاب وليلها حساب لتنهض هذه المادة الاستطلاعية المصورة من ركام
مآسي الدراجات..

* الصورة تنقل بدقة مأساة المجتمع المتمسك بسبب واضح من أسباب الموت السريع والفناء التدريجي وتحت يافطة : “دراجة تعول أسرة … ” ولم تلتفت جهات الاختصاص والمجتمع نفسه إلى ضرورة اكمال العبارة الناقصة..: “… وتيتم أْسِر”.. ومن عذاب يعيش أصحابه بالحلال على فرص عمل تقي أسرهم البرد والجوع وآخر اجتمع أصحابه على غواية السقوط القيمي فجعلوا من الدراجات أداة القتل والسلب ونشر الذعر في المجتمع المسالم وغيرها.. ووسط مفارقات هذه القيم ندرك أن الأكثر إيلاماٍ هو أن المجتمع استسلم لعاطفة الإعالة مؤكداٍ أن هذا المحشر من الدراجات فرص عمل قسرية في ظل وضع معيشي صعب لكن هذه الفائدة لم تقارن بتاتاٍ بالمخاطر المترتبة على اتساع ظاهرة الدراجات في محافظة الحديدة..
* قصة الحديدة والدراجات مزمنة في هذه المحافظة وتحتاج إلى دراسة تستند على خلفية من التاريخ المعاصر كونها مدينة ساحلية وطبيعة مفتوحة ومجتمع مسالم لكن المقام هنا لا يتسع لأكثر من تفاصيل رقم وصورة لظاهرة صارت واقعاٍ مفروضاٍ.. واختصاراٍ لمسألة البحث يؤكد العميد علي حسين علي العياني مدير عام شرطة السير في محافظة الحديدة.. أنها المحافظة الأولى في المحافظات اليمنية على المستوى التاريخي إذ دخلتها الدراجات منذ مطلع السبعينيات نظراٍ لطبيعتها الساحلية ومساحتها المفتوحة مبيناٍ أن الاستخدامات الخاصة بالدراجات تطورت كثيراٍ وأصبحت جزء من حياة المجتمع.. وتطورت أشكالها وألوانها مثلاٍ لم نعد نشهد الموتورات التي كنا نشاهدها في السبعينيات ذات الخزان الكبير ومن انتاج هونداي بل تعددت الماركات وبدأت تغزو السوق دون أي ضوابط كما أن الموظفين في السبعينيات والثمانينيات كانوا هم من يملكون الدرجات من ماركة سزوكي وكانوا معروفين ودراجاتهم مرقمة وكان العدد حينها قليلاٍ.. لكن اليوم اختلط الحابل بالنابل وأصبحت الدراجات مصدراٍ من مصادر الرزق للمجتمع الفقير وفي نفس الوقت صارت أداة للقتل والنهب والسرقة.. لا مبالغة في ذلك فالدراجات التي تم تسجيلها-حسب إحصائية الإدارة العامة للسير بمحافظة الحديدة- تجاوز عددها (125) ألف درِاجة نارية تجوب المحافظة.. مظاهر الدراجات التي انتشرت بمواكب الزفاف لم تكن ثقافة كما خلتها لدى المجتمع بل عصابات تستعرض في هذه المواكب فقد نفى العياني أن يكون لهذا المظهر علاقة برضى أصحاب الحفلات وإنما من مساوئ أصحاب الدراجات.. مشيراٍ إلى أنهم يتجمعون ويمضون مع الموكب لاستعراض قدراتهم وكثرتهم أمام الناس ويستغلون ذلك في المعاكسات لمواكب الزفاف الذي دائماٍ ما تكون فيها نساء وقد حدثت الكثير من الإشكالات التي تعكس الاستخدام السيئ للدراجات من قبل عصابات السرقات…
* الأرقام وحدها تحكي حجم كارثة الدراجات.. فمخالفات هذا الكم من الدراجات تجاوزت فالأرشيف الأمني يحكي ضحايا حرب إبادة تمضي بلا مسؤولية على نيران هادئة من أسباب الموت.. فعشر سنوات كافية لأن تذهل المجتمع حيث شهدت الفترة (2004م حتى نهاية 2013م ) وفاة 2020 حالة في حوادث الدراجات في محافظة الحديدة وإصابة 9177 حالة بإصابات معظمها إعاقة بفقدان أحد الأطراف كما بلغت الخسائر المادية التي خلفتها حوادث الدراجات خلال هذه الفترة ما يزيد عن مليار و(111) مليوناٍ و(343) ألف ريال … الأرقام تؤكد أيضاٍ أن هذا الرقم المهول حصيلة لـ(10.676) حادثاٍ مرورياٍ منها (6912) حادثة اصطدام بسيارة حصدت نحو (1042) حالة وفاة و(6128) إصابة.. كما سجلت أرقام الحوادث حسب النوعية نحو (2160) حادثة دهس دراجة خطفت (567) نفساٍ وأصابت نحو (1633) بإصابات بليغة أما حوادث انقلاب الدراجات فبلغ بين الاعوام (2004-2013م) نحو (468) انقلاب دراجة قتلت نحو (112) شخصاٍ وأصابت نحو (393) آخرين.. وبلغت حوادث اصطدام دراجتين ببعض نحو (960) حادثة تصادم خلفت (232) قتيلاٍ و(864) مْصِاباٍ.. فيما بلغت حوادث سقوط الدراجات من الإجمالي العام لحوادثها نحو (104) حادثة سقوط قتلت (43) شخصاٍ وأصابت نحو (76) شخصاٍ آخرين وبلغت حوادث اصطدام الدراجات بأجسام ثابتة نحو(72) حادثاٍ قتلت(12) شخصاٍ وخلفت (83) إصابة.. هذا بالنسبة للحوادث أما الجرائم فلا حصر لها والتي تتوزع بين قتل وسرقات ونهب في وضح النهار ويكفي الإشارة إلى جداول العام 2012م بالنسبة للسرقة فقط حيث سجل الأمن wنحو (54) جريمة خطف ونهب حقائب نسائية وهواتف ونقود وغيرها..

تصوير: ناجي السماوي

قد يعجبك ايضا