البنية النفسية والعقلية البدوية، تقوم على عنصر الهدم والخراب، ولذلك قال ابن خلدون «إن البدوي إذا وجد بناءً قائماً هدمه حتى يأخذ حجارته أثافي وخشبه وقودا للنار»، ولذلك ليس بمستغرب على دول العدوان ما تقوم به من حركة تدمير شامل في اليمن منذ بدء العدوان إلى اليوم المشهود، فقد تواترت الأخبار من سقطرى عن قيام الإمارات بتدمير البيئة الطبيعية هناك واقتلاع أشجار دم الأخوين وغيرها من الأشجار النادرة من الجذور.. وقالوا «لم تبق شبرا إلا وعاثت فيه فسادا».
على ذات الطريق تسير السعودية، فقد شاع في سنوات العدوان هذا السلوك فيها، حتى الناس في اليمن يألفون هذا الطريق منها، ولذلك لم يستغرب الناس غاراتها الأخيرة على الأحياء السكنية في صنعاء، وعلى الشواهد الحضرية والتاريخية في عموم اليمن، وقد تمادى بعضهم وتمطى وزفر وقال في غرور: إن اليمن جزء من المملكة العربية السعودية، ودعا اليمنيين إلى التواصل مع سفارات السعودية حتى يأخذوا حقهم المدني وجواز سفرهم، فقد آن – حسب قوله – أن يعود الفرع لأصله، ويبدو أن الرجل كان مخمورا وإلا لما قال ما قاله لأنه يدعي أنه يحمل شهادة الدكتوراه في التاريخ، وقد نسي في لحظة سكره أن عمر دولة بني سعود لم يتجاوز التسعين عاما بعد، وأن الدولة اليمنية القديمة كانت تمتد من شرق جغرافيا جزيرة العرب إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بل إن بعض المصادر تقول إنها تجاوزت جغرافيا العرب ووصل الحال بِتُبّع – الذي كسا الكعبة – إلى مناطق في أقصى الشمال، ومن المؤسف أن تكون حدود المعرفة- عند رجل يدعي معرفة التاريخ وبلوغ أقصى الدرجات العلمية فيه – مسافة الظل الذي هو عليه في رابعة النهار، نحن في اليمن لا يعيبنا شيء لأننا نعرف من نحن في حركة التاريخ وقد تحدث عنا العرب والعجم والكتب السماوية المقدسة، لكن العيب الكبير أن تكون الطاقات المعرفية بهذا الوعي التدميري الذي ظهر عليه وعي عرب نجد والصحراء، ذلك هو متعلمهم.. فماذا سيكون عليه حال جاهلهم ؟.
لقد كان من الملفت للنظر توقف مشروع الشرق الأوسط الجديد عام 2007م بعد حرب تموز 2006م في لبنان، وتلك محطة يجب الوقوف أمامها، واشتغل بعدها الإعلام على فكرة حركة الإسلام المعتدل وتنامت مشروعات التنمية البشرية، وتلك المشاريع أفضت إلى فكرة تدمير النظام العام والطبيعي تمهيدا للوصول إلى واقع جديد، فالهدم ونفي أسس القديم يجعل المستعمر قادرا على إعادة البناء بما يتسق ومصالحه، وقد تم له ذلك فحركة التطبيع والتواصل مع الصهيونية وتنفيذ مشاريع مشتركة أصبح أمرا واقعا ومن الظواهر الجديدة في الواقع العربي، ومثل ذلك يعد من نتائج المقدمات التي بدأت عام 2007م وفق محددات استراتيجية راند في إنشاء شبكة إسلام معتدل واستبدال فكرة الشرق الجديد بالخلافة الإسلامية .
صناعة وعي زائف وفصل الإنسان عن تاريخه و حضارته وثقافته، وتفكيك الهويات الكلية وتجزئتها على أسس عرقية وطائفية وثقافية وجغرافية، وخلق مساحات توتر، وتعويم المفاهيم والمصطلحات، وإحداث حالة الانحراف في وعي المجتمع من خلال استهداف بنيته الأخلاقية ببرامج وتطبيقات ومهرجانات عالمية، سياسة بدأت منذ وقت مبكر ولم يكن العدوان إلا أداة من أدوات تلك السياسة، بدليل أن العدوان أعلن عن نفسه من أمريكا ولم يعلن عن نفسه من الرياض، ومن محاسن الصدف أن هادي قال في لقاء متلفز أنه لم يعلم بالعدوان على اليمن إلا وهو في سلطنة عمان، الأمر الذي يعني أن هادي لم يطلب من دول التحالف تعاونا عسكريا يعيده إلى القصر الجمهوري بصنعاء، كما كان يزعم خطاب التحالف أن هدفه إعادة السلطة الشرعية وليس له من أهداف أخرى .
اليوم اتضح للعالم وللناس وللجاهل قبل المتعلم ماذا يريد التحالف من اليمن، فقد أفصح عن أهدافه بعد أن سعى جاهدا إلى تدمير التاريخ والمفاهيم وتجزئة الهويات الثقافية والحضارية وبعد أن أحدث تبدلات في العلاقات الديموغرافية والجيوسياسية في المجتمع اليمني، وبعد أن قام بتدمير النظام العام والطبيعي من خلال حركة المجتمع ومن خلال الفوضى العارمة التي عاثت في الأرض فسادا .
نحن في اليمن أدركنا جملة من الحقائق فكانت ثورة 21سبتمبر 2014م تهديدا لتلك السياسات، ولذلك سارعوا إلى محاولة وأد الثورة من خلال حرب كونية لم تبق ولم تذر، لكن إرادة الله فوق إرادة البشر، إذ ظل المسار في تنامٍ مستمر ولم يزل العدو في انحسار وانكسار وهو اليوم كالطائر المذبوح في رقصته الأخيرة يحاول أن يشعرنا بوجوده من خلال قصف الأحياء السكنية والمصانع والأماكن الأثرية، وقد كان توقف عن قصفها حيث اقتصر نشاطه على الجبهات المشتعلة .
ماذا جنت السعودية من عدوانها على اليمن ؟
بمعيار الربح والخسارة، خسرت السعودية سمعتها ومكانتها وفقدت رمزيتها الثقافية والدينية وقداستها التي كان العالم يتحدث عنها، ولم تجن من عدوانها إلا الهزائم العسكرية التي سوف تلاحقها، راسمة الذل والهوان في الصورة النمطية الجديدة التي تكونت في الأذهان زمن العدوان على اليمن، ففقدت المكانة في نفوس المسلمين، ولم يكن هناك من مستفيد من هذا العدوان سوى أمريكا وإسرائيل، وهما دولتان شاركتا في العدوان لكنهما بذكاء كانتا في مربعات الربح ولم تشاركا السعودية في الخسارة، في مستوياتها المتعددة العسكرية والثقافية والنفسية والسياسية والاقتصادية .
ولذلك أصبحنا لا نستغرب أي بوق من الأبواق يخرج على شبكات التواصل الاجتماعي ليقول كلاماً زائفاً، لأننا نرى ذلك بوادر هزيمة عسكرية ونفسية وثقافية، وهي هرطقات لا تعدو عن كونها تعويضا نفسيا من هزائم الواقع السياسية والثقافية والعسكرية، ومثل ذلك من علامات الغروب للدول الأسرية في التاريخ، ويبدو وفق معطيات الواقع أن دولة بني سعود آيلة للسقوط – كمثيلاتها في التاريخ – في الأمد القريب، والله غالب على أمره ولو كرهوا .