زبيد .. مدينة العلم وقبة العلماء

 

الثورة /أمين العبيدي

كانت مدينة زبيد في الأصل عبارة عن عدد من القرى السكنية لقبيلة الأشاعرة، وقد ساعد وجود وادي زبيد على وفرة المياه التي تعتبر من العوامل اللازمة لأي مجتمع سكاني قبل أن يقوم ” ابن زياد ” بتخطيط المدينة ذاتها بالقرب من جامع الأشاعر في عام ((204 هجرية) – (819 ميلادية))
فعندما سمع اليمنيون بالبعثة النبوية كان أول من لبى الدعوة قبيلة الأشاعرة في العام الثامن للهجرة برئاسة أبى موسى الأشعري وأخويه أبو برده وأبو رهم وجماعة من القبيلة :- حيث قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل اليمن (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة الإيمان يمانِ والحكمة يمانية) ثم بعثه الرسول مع معاذ بن جبل لنشر الإسلام، فقدم أبو موسى الأشعري إلى زبــــيـــد ورفيقه إلى زبيد عن طريق البحر فنزلا ميناء البقعة المسماة حالياً بالفازة، فاستقر أبو موسى الأشعري بزبيد، واتجه معاذ بن جبل إلى الجند، فنشر أبو موسى الأشعري الدعوة بزبيد وبنى مسجد الاشاعر المشهور باسمه بالحمى على بعد أربعة كيلومترات شرقي المدينة ثم عاد إلى المدينة المنورة حيث بعثه الرسول إلى مارب وظل فقهاء القبيلة ينشرون تعاليم الإسلام بزبيد وما جاورها إلى عام 203 هـ.

جامع الاشاعر
امتازت زبيد بالطابع الحضاري الإسلامي في شتى عصورها بالعلم ابتداءً من عصر أبي موسى الاشعري إلى عام 204 هـ وبدأت في النمو عندما قام محمد بن زياد وبرفقته محمد بن هارون التغلبي الذي تولى القضاء والإفتاء فأنجب ذرية حذو حذوه في بناء الفكر الإسلامي، عرفوا لقبا ببني عقامه منهم العلامة الحسن بن محمد عقامة وأبو الفتوح علي بن محمد بن علي بن أبي عقامة التغلبي ، وتعتبر المدرسة العاصمية في العهد النجاحي إحدى مدارس جامعة الاشاعر كان من مدرسيها محمد بن عبدالله بن أبي عقامة الحفائلي ومحمد عبدالله الابار ونصر الله الحضرمي ومن خريجيها عمار بن زهيدان الحكمي اليمني ، ومن ثم ازدهر الفكر الإسلامي في المذاهب الاربعة ومن اشهر العلماء عمر بن عاصم ومحمد بن دحمان، والذين اشتهرت بهم المدرسة الدحمانية والعاصمية في العهد الأيوبي، والعلامة ابن حنكاش في المدرسة المنصورية والعلامة أبو الحسنبن عبدالله بن مبارك الزبيدي مؤلف تجريد صحيح البخاري .

الزراعة
اشتهرت زبيد بواديها الخصيب بالزراعة، حيث اهتم الفلاح الزبيدي بالزراعة بخبرته وتجاربه في الزراعة في مواسمها من خلال زراعة الذرة البيضاء والحمراء والدخن والسمسم والحور والرومي المسمى الهند والقطن والفاكهة كالموز والعنب والعمبا والرمان والليمون والتين… والخضار كالباميا والطماط والحبحب (المسمى دبا) والزهور كالورد والياسمين والفل والكاذي والنرجس ،وكذلك الاهتمام بزراعة النخيل وموسمه المسمى (سبوت النخيل)، ففي موسم جني ثماره تصل إليه الوفود الشعبية والرسمية للاصطياف والتجارة في مناطق النخيل وشجعته الدولة الرسولية… ومصيف آخر في الوادي يسمى مصيف العصيد بالوادي في فصل الشتاء بزراعة الذرة البيضاء (القيرع).

الموانئ فـي زبـيـد
شهدت زبيد حركة تجارية نشطة، إذ كان يوجد بها ميناءان طبيعيان كانا مصدراً كبيراً للتطور التجاري، الأول : ميناء غليفقة، والثاني : ميناء الفازة إلى جانب ميناءي المخا والخوخة.. غير أن ميناء الفازة اهتمت به الدولة الرسولية وخاصة الملك الناصر أحمد الرسولي الذي استقبل الخبراء الصينيين سنة 833 هـ في الفازة لتحسينه وظل مصدراً لمنتجات زبيد المصدرة والبضائع المستوردة إلى عهد قريب، ويعتبر ميناء الفازة ميناءً طبيعياً وجميلاً صالحاً للاصطياف حيث كان ينزل فيه ملوك الدولة الرسولية للاستجمام فيه، وبجواره عين ماء حلو يغتسل فيها المستحم بعد أن يستحم في البحر لكي يزيل عنه ملوحة البحر… وتمتاز زبيد بالتربة الصالحة للزراعة… وساحلها المضيف.
(ا) المدارس الإسلامية في مدارس زبيد:
توجد في مدينة زبيد حوالي (85 مدرسةً) علمية إسلامية كانت تضم كافة المدارس الفكرية والدينية التي تمثل المذاهب الإسلامية المختلفة وتعتبر مدينة زبيد من أشهر المراكز الفكرية العالمية ليس في اليمن فحسب، بل على مستوى العالم الإسلامي ولا تزال بعض تلك المدارس موجودة بمسمياتها الحقيقية، ولا تزال المكتبات الخاصة في زبيد تضم دوراً من المخطوطات النادرة وأمهات الكتب في مختلف العلوم، وعبر تاريخها الطويل أبرزت فطاحلة العلماء أمثال شيخ الإسلام ” إسماعيل بن أبي بكر المقري ” الذي كان مفخرة عصره بعلمه وحجم مؤلفاته الشهيرة واهتمامات الجامعات الأوروبية بمؤلفات علماء زبيد في الطب والزراعة والرياضة والتي تنتسب كلمة جبر المعروفة إلى عالم من زبيد، فارتبطت زبيد بالمدارس الدينية والفكرية والعلمية وبرزت مجموعة من مشاهير علماء الدين والتفسير والحديث واللغة وأصبحت لها قيمتها التاريخية كمزارات لهؤلاء الأئمة الأوائل ومن مزاراتها قبر الزبيدي أحد رواة الحديث المشهورين والفيروزبادي صاحب المحيط وأحد فقهاء اللغة العربية وآخرون ومن هنا اكتسبت أهميتها، وهناك العديد من الأربطة التي ما زالت موجودة في المدينة.
الرباط :
يطلق على الأبنية التي يسكن فيها الطلاب وترتبط بالمساجد التي يتلقون فيها الدروس عن العلماء ـ،
رباط يحيى بن عمر الأهدل، ورباط الجامع الكبير، ورباط الأشاعرة، ورباط البطاح، ورباط علي يوسف، ورباط المهادلة، ورباط الفرحانية، ورباط الخوازم، ورباط الدارة، ورباط الغصينية، وهذه الأربطة وأمثالها من المقاصير التابعة للمساجد كانت مشاعل للفكر الإسلامي، وهناك حقيقة تاريخية عن المدارس في زبيد فقد بلغت في عهد الملك الأشرف الثاني الرسولي سنة 791 هـ مائتين وستة وثلاثين مدرسة ومسجداً.
أهم المساجد :
جامع الأشاعر أسسه أبو موسى الأشعري والجامع الكبير.
السور والأبواب:-
أول من سوَّر مدينة زبيد الحسين بن سلامة في القرن الرابع الهجري فالأمير سرور الفاتكي في منتصف القرن السادس الهجري على اثر غارات علي بن مهدي وحفرت الخنادق وفي سنة 589 هـ جدد عمارته الخليفة طغتكين بن أيوب وفي سنة 791 هـ جدد عمارته ببناء السور الملك الاشرف إسماعيل الرسولي وحفر الخنادق وفي سنة 1222 هـ جدد عمارته حمود بن محمد الخيراتي.
لمدينة زبيد أربعة أبواب هي: الباب الشرقي ويسمى باب الشباريق نسبة إلى قيرة الشباريق الواقعة شرق المدينة، الباب الجنوبي ويسمى باب القرتب نسبة إلى قرية القرتب بوادي زبيد، الباب الغربي ويسمى باب النخل نسبة إلى حدائق النخيل وكان يسمى باب غليفقه، الباب الشمالي ويسمى باب سهام نسبة إلى وادي سهام…. وكان يخرج منه الملك نجاح إلى مدينة الكدراء التي تقع بوادي سهام الذي يبعد عن زبيد بثمانين كيلو متراً والذي يسقي كيلو 16 بالقرب من الحديدة.

الدار الناصري الكبير
يعتبر هذا الدار من أهم المآثر في زبيد حيث كانت بساحته قصور الزياديين والنجاحيين وقصر الأعز الصليحي وفي سنة 822 هـ عمر الملك الناصر احمد الرسولي الدار الكبير الذي عرف باسمه وهو ما يشمل باب النصر والسجن وثكناته العسكرية والباب وبداخله بستان القصر حيث امتدت اليه عين ماء جارية، كما توجد عدة بساتين مثل بستان الراحة وبستان برقوق وعدة قصور مثل قصر السلاح وقصر الملكة علم أم الملك المنصور النجاحي بقرية المزيفرية
قصر شحار :-
يقول ابن المجاور (ص78) في كتابه تاريخ المستفيد :بنى شحار بن جعفر مولى محمد بن عبد الله بن زياد دارا في زبيد ذات طول وعرض بالآجر والجبس بناءً وثيقاً على مقاطع الطريق وكان من تولى زبيد سكنها وكان له باب عالٍ بالمرة ينظرون منه في الطريق على فرسخين وحفر حوله خندق عريض وبقي هذا الباب على حاله إلى أن هدمه المسعود بن يوسف بن أبي بكر الأيوبي سنة 618 هـ ويقال إن الذي سعى في هدمه الأمير أيبك… فلما هدمه أخذ آجره وبنى به داراً وكل ما بني من آجره انقطع ذلك البناء من الأساس أي هدم وقد بقيت إلى الآن آثار ذلك الباب والدرجة شبه الجبل العالي، ثم عُرف هذا الدار بـ«نجاح» وساحته الآن شمال أراضي العرق شرق مقبرة بني عقامة ويعتبر الفاصل بين حدود قبيلة السلامة وقبيلة القراشية وهناك عدة آثار منها مسجد الفازة… على ساحل البحر ومسجد معاذ بن جبل برأس وادي زبيد ومسجد أويس القرني، أو عويس الهتاري بقرية الحمى وبجواره عدة مساجد وكانت بجواره كنيسة قبل الإسلام هدمت في سنة 1358 هـ، وبنيت بجوارها مدرسة الفوز الابتدائية بالمدينة ومن المآثر آبار الملك الظاهر يحيى بن إسماعيل الرسولي قرب جبل الداشر وعدة قصور وجبل قونس به آثار من قبل الإسلام ويوجد آثار قصور للدولة الرسولية بنخل وادي زبيد تسمى بالعذيب وقصور شمال المدينة تسمى ساحتها إلى الآن بالقصر وهناك آثار في قرية النويدرة، تحتاج إلى تنقيب ومحافظة.

قد يعجبك ايضا