"خلع ملابسه واعطانا ظهره وطلب مِنّا القصاص منه فقبّلنا رأسه"
عشرة أسرى يلتقون جلادهم “أبو عياش” في يوم من أيام الله
للأسير في ديننا الإسلامي الحنيف، وفي القانون الدولي، أخلاق وقوانين يجب العمل بها، فلا يجوز الاعتداء على الأسير أو الإجهاز على الجريح.
أخلاق المسيرة في هذا الجانب تجسدت في ذاك المشهد الأشبه بالخيال.. مجموعة من أسرى الجيش واللجان المحررين يلتقون بجلادهم الذي صار أسيراً بين يديّ الجيش واللجان، وقد كان يسومهم سوء العذاب دون مراعاة لأخلاق الأسر أو العمل بمبادئ الإنسانية التي ماتت في ضمائرهم.
التقوا به، جلادهم المدعو “أبوعياش”، ودار بينهم حديث عن ذكريات تلك الفترة التي لقوا فيها على يديه الكثير من الآلام والعذاب الوحشي، في ما يسمى بسجن الصالح والأمن السياسي بمارب، وكان أشبه بسجن أبو غريب بل وأبشع منه.
صحيفة “الثورة “تمكنت من الوصول الى عدد من هؤلاء الأسرى ونقلت من خلالهم شيئاً من تفاصيل ذلك اللقاء الذي جمعهم بأبو عياش وفترة الاسر.الثورة / زين العابدين بن علي الحلوى
يقول الدكتور أمير الدين جحاف: كان لأبوعياش أساليب كثيرة في الضرب منها الصعق بالكهرباء والضرب بالكابلات والعصي والدحرجة، كنا نتدحرج مثل (اسطوانات الغاز)، كنا نتعرض للشتم والكلام البذيئ.. أبو عياش كان يقوم بتقييد بعض الأسرى بالسلاسل في أيديهم وأرجلهم ويقوم بضربهم بـ(المواصير) وبالسلاسل، وأذكر أنه ذات مرة ضربني بسلسلة فيها مفاتيح، لم يكن يميز في ممارسته للعنف مع الأسرى، ويضرب في أي مكان وبأي شيء يجده.
لقاء أشبه بالخيال
عن لقائهم بـ(أبو عياش) يقول جحاف: لقاؤنا به كان أشبه بالخيال، عندما تلتقي بمن كان يضربك ويعذبك ويضطهدك ويهينك ويتكلم عليك بألفاظ نابية، ويدور الزمن ويصير جلادك في موضع الأسر لديك.. شيء لا يصدق لكنها قدرة الله سبحانه وتعالى.. وقف أبو عياش ضعيفا يرتجف ويهتز وتسيل الدموع من عينيه ويطأطئ رأسه خوفا وخجلا منك.. فأي فعل يمكن اللجوء اليه.. لا شيء وإنما تسامحه وتقبل رأسه، هكذا علمنا ديننا الحنيف، وهكذا هي مسيرتنا السمحة، وقدوتنا رسول الله، فعندما دخل مكة ووجد هند بنت عتبة- التي أكلت كبد عمه الحمزة- قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء، فتعاملنا مع الأسير أبو عياش تعاملاً قرآنياً، فالانتقام لا وجود له في قاموسنا.
معاملته معنا مختلفة جدا
الأسير محمد سلبة يوصف معاملة أبوعياش قائلا: كان يجبرنا على التدحرج وأن نخرج أيدينا من النافذة ليقوم بجلدها ويأخذ الكابل ويضرب عشر ضربات متفرقة وأحيانا متواصلة ويأمرنا بالزحف على الرمل ويسمعنا أنواعاً من السب البذيئ (ياصعلوك يامجوسي) وكان يمنعنا من التجمع ويفرّق في معاملتنا عن بقية المساجين معنا من الدواعش والقاعدة، فهناك مسجونون من القاعدة ومن ضمنهم من قاموا بالتفجير في السبعين، كانوا يحظون بمعاملة خاصة فلا يعذبونهم كما يعذبوننا ولا يضايقوهم كما يضايقونا.
ظننته أبو قعشة
ويقول في حديثه أثناء زيارته لأبوعياش: اتصلوا بي وانا في الحديدة وقالوا لي تعال تعرف على أبوقعشة وطلعت صنعاء ودخلت السجن ونادوا للعسكري وقالوا له استدعي وبمجرد ما دخل رأيت واحد قصير القامة فقلت هذا ليس أبو قعشة وعقلي كان يحدثني إني أعرفه وكأنه أبو عياش، وأثناء حديثه مع الضابط أشرت للضابط يسأله ما هي كنيته، فسأله الضابط عن كنيته فأجاب “ابوعياش” وايضا في مارب كنيتي ابوعياش فكلمته يا ابوعياش كيف حالك فقال الحمدلله، فقلت له انا واحد من الذين كنت تعذبهم في مارب.. قلت له هل تذكر يوم ما جلدتني وانا أتمشى في الطارود وانا اقول حسبنا الله ونعم الوكيل واشتكيت عند ابومحمد من جلدك لي وقلت للشاوش الداخلي يعطينا علاج حق الأملاح فقلت لي قل لأبو محمد يعطيك العلاج، وذكّرته حين كان يمنعنا من دخول الحمام.. قلت له أنا محمد سلبة فقال كيف انت يا استاذ محمد، فقلت له انا محمد سلبة ولست أستاذاً.. لكنه كان يرتعش من الخوف، قلت له لا تخف لا يمكن أن نفعل بك مثلما كنت تفعل بنا، فقام يخلع ملابسه من أجل أن (نستقضي) ونقتص منه لكننا ولله الحمد لا تسمح لنا أخلاقنا أن نفعل ذلك.
مواقفه الخبيثة طغت على مواقفه الطيبة
من جانبه يؤكد الأسير المحرر إبراهيم علي سلبة: مكثت ١٨يوماً في السجن ثم اقتادوني الى ما يسمى بسجن الصالح، ولا يخفى على أحد سجن الصالح وكذلك على الأسرى، ففيه أنواع وأشكال من العذاب، وقد تلقينا فيه جميع أنواع العذاب، واستشهد فيه كثير من الأسرى أثناء التعذيب، كما توفي فيه عدة أشخاص بسبب الكوليرا.
أما بالنسبة لأبوعياش بعد أن انتقلنا الى سجن الصالح الى سجن الأمن السياسي استقبلنا، وكنا نعتقد انه يعاني من انفصام في الشخصية فبعض الأحيان تجده جلاداً من الطراز الأول وبعض الأحيان ترى فيه مواقف طيبة ولكن مواقفه الخبيثة طغت على مواقفه الطيبة.
عند زيارته، تم استدعائي ذاك الصباح من قبل الدكتور أمير الدين جحاف وقال معي لك مفاجأة فتحركت وخطر على بالي شيئان أولا من خلال أصراره عليّ إما أنه أخرج أحد الأسراء العزيزين عليّ أو أحد الجلادين من الذين كانوا يعذبونا، وفعلا عندما ذهبنا للسجن أخبرونا أن هناك أسيراً من الجلادين، فأدخلوه وهو مغطى على عيونه فطلبت منهم أن يكشفوا الغطاء عنه لأنه ليس من أخلاقنا الحديث اليه وهو لا يرانا كما كانوا يفعلون هم، وبالرغم أنه ليس أسيراً أمسكوه من معركة وإنما جاء متخفياً فألقوا القبض عليه، بعدها تعرف على وليد القطواني ومحمد الشرفي، وسألته هل عرفتني فذكرته بإسمي وقلت له معك إبراهيم سلبة ونظر إلي وقال (ليش تغيرت قدك سمين) قلت له أنا في خير ونعمة وكيف لا أسمن ونحن بعيدون عن تعذيبكم لنا.. تذكرنا جميعا وطأطأ رأسه خجلا، وقال اجلدوني فسامحته وقلت له إنني سامحتك لوجه الله بمجرد خروجي من السجن.
كان يتفنن في تعذيبنا
الأسير المحرر زيد الوادعي، من جانبه ذكر أن المدعو أبو عياش كان يتفنن في تعذيبهم ويتربص لحظات الفرح رغم ندرتها حتى يحولها الى بؤس ونكد، وننتظر لحظات الهدوء والسكون حتى يحولها الى فزع وقلق، ومتى ما شعر أننا ننتظر الوقت للإفطار في رمضان لنشرب شربة ماء قد وضعناها أمام فتحة صغيرة حتى يمر منها تيار هواء من أجل أن تبرد قليلا فيقوم أبو عياش بإلقاء القوارير الماء خارج السجن والسجناء ينظرون اليه وهم عطشى ينظرون اليه في ذهول.. ومن لحظات الفرح التي كنا نتشوق اليها هي عندما كنا نلتقي الأسرى جميعا يوم الجمعة لسماع الخطبة، كان أبو عياش يفسدها علينا بضربنا جميعا وقت الدخول والخروج من الزنزانة الى مكان الاجتماع وكأنه يريد أن يقول لهم جمعة مباركة، وفي نفس الشهر كان الأسير يصوم مع شدة حرارة الصيف في زنزانة مساحتها مترين طولا وعرضا ومعه خمسة أسرى حتى يكاد الهواء أن ينقطع ومع ذلك لم يحترموا شهر الرحمة ولم يرض ابو عياش أن يفتح لنا باب الزنزانة ليدخل علينا قليل من الهواء نستنشقه ولم يسلم حتى كبار السن من الإذلال والامتهان.
الجلاد في ضيافة الأسير
يواصل الوادعي بالقول: بعد مرور ٤سنوات دارت الأيام ليصبح الجلاد أبوعياش ضيفا كريما عند من كان يعذبهم من الأسرى، اذ تم استدعائي إلى مكان احتجازه وعند لقائي به اقشعر بدني من عدل وإنصاف الله الملك القهار، شعرت بعزة وجبروت الله العزيز القدير، تذكرت في تلك اللحظة سنوات القهر والظلم والعذاب التي انطوت بفضل الله وكرمه وكيف كانت حالتي فيها بين الحياة والموت وكيف اخرجني الله من زنزانة قد حكم على من فيها بالموت من شدة المرض وفعلا مات من فيها بعد خروجي منها بأسابيع، وتذكرت حالي اليوم بعد أن انعم الله عليّ بالحرية والعزة والكرامة، حقا لقد كان يوما من أيام الله… بدأنا الحديث انا وبعض زملائي الأسرى مع ابو عياش الذي كان خائفا قلقا حينها وبعد أن ذكرناه بما عانينا منه من ضرب وعطش وجوع ورعب ومرض حتى الموت قلنا له قد عفونا عنك لوجه الله، فتحنا له غشاوة عينيه ففزع إلينا فسملنا عليه ونصحناه بأن يصلح نفسه ويرجع إلى الله بتوبة خالصة فقال لنا هذا ظهري لكل من جلدته فليقتص مني ، ووصينا القائمين عليه بأن يحسنوا معاملته فرد علينا ابو عياش قائلا لم يلمسني أحد منهم ابدا قلنا له هذا ما يحتم علينا ديننا وقيم المسيرة التي ننتمي إليها وتوجيهات أعلام الهدى الذين نقتدي بهم من آل محمد بدءا من الإمام علي( عليه السلام ) الذي قال: ” إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه ” انتهاءا بالسيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي أعطى توجيهات صريحة بحسن معاملة الأسرى والمعتقلين ومنع اي اعتداء عليهم منعا باتا.
أساليب أبو عياش لا ترحم
اما الأسير نصر الرغواني فيقول: الأساليب التي كانت تمارس ضدي من قبل ابوعياش هي الركل والدهس والدق على الراس بيده والتعليق والإهانة والسخرية وجميع أنواع التعذيب، وكان يجلدني كلما أذكر أخي الذي كان مسجوناً في غرفة جوارنا وأطلب منه زيارته إلا أنه كان يضربني ضربا عنيفا على ذلك، وكان أبوعياش “أخطر واحد” في حفظ الأسماء.
ويضيف الرغواني: سامحناه عند زيارتنا له ودعينا له بالهداية وقبلنا رأسه، ووعدناه بأن نبذل قصارى جهدنا لمتابعة خروجه وساعدناه بمبلغ مالي، وطلب خلوة شرعية بزوجته فتحدثنا إلى مدير السجن.
مواقف التعذيب كثيرة
من جانبه يشرح الأسير محمد الشرفي معاناته وما لمسه من وحشية ابوعياش وظلمه للمساجين وعنجهيته للأسرى.. يقول محمد الشرفي: كان يعذبنا في الماء ، وبالضرب في كل الأماكن دون رحمة، وكان يحرمنا من المأكل، يعذبنا على كل دخله وخرجه حتى ضقت.. وأذكر مرة أني مسكت الكيبل اثناء ما كان يجلدني به وقلت له لو “أنت راجل سير الجبهة انا هنا اسير”، فأقسم انه قد ذهب الجبهة فقلت له لا يمكن ان تكون ذهبت الجبهة.. ومن حينها خف التعذيب عليّ، وكان يجازيني بشكل مختلف عن البقية، ومن ضمن المجازاة الزحف على التراب، كما انه كان يعتدي على كبار السن ويهينهم.
أحرجتني يا بن الشرفي
يضيف الشرفي: قمنا بزيارته ومعنا الهدايا فعرف بعض منا ولم يعرف الآخرين.. سلم عليّ واحتضنني بخوف.. فقلت له: لا تقلق أنت بين أهلك وتحدثنا معه بلطف وأدب وأخلاق وسلَّم على وليد وأمير الدين، وأنا عرفني زيادة لأنه كان مركزاً عليّ زيادة.. وحين خلع ملابسه وطلب مني الانتقام، قلت له: قد أهنتني وجلدتني ولكن لا أستطيع أن أقولك إلاَّ “الله يسامحك”، قدمت له العصير والبسكويت وقلت له هذا الذي أستطيع عليه فقال أحرجتني يابن الشرفي، صحيح أنه كان يتظاهر بالمسكنة، لكن هذه أخلاقنا وسألته عن معاملته في السجن فقال “موقف مؤثر” وهذه هي أخلاقنا وسألته عن الفرق بين السجن الذي هو فيه والسجن حقه فصمت.
ليس له وقت محدد للتعذيب
ويقول الأسير وليد القطواني: كانت أساليب تعذيبه وحشية وغير إنسانية، عذّب حتى كبار السن، وكان سجاناً مزاجياً يأمرنا بالنوم في غير حينه واذا سمع همس أو ضحك لبعض الأسرى يقوم بتعذيبهم، كان يحرمنا حتى من فتح باب الزنزانة لدخول الهواء في فصل الصيف رغم شدة حرارة الجو، وكان لا يسمح لنا بالخروج الى الحمام سوى ثلاث مرات في اليوم.
يضيف وليد القطواني هناك الكثير من القصص ومن أساليب التعذيب التي كان يمارسها وتحتاج لأيام لسردها فقد كان سجاناً علينا لمده أربع سنين.
واليوم أين ابو عياش وأين غطرسته التي كان يبرزها على الأسرى؟!.. تفاجأت باتصال بأن لدينا زيارة لأحد المساجين يدعى ابوعياش.. ذهبنا والزملاء لرؤيته ونحن نفكر كيف سيكون هذا اللقاء معه، حقيقة كان يوماً من أيام الله، جعلتني أزداد ثقة بالله، بأنه ناصرنا.
وصلنا الى السجن للقاء أبوعياش وحين وصل رأيت وجهه تغير وبدأ بالارتجاف، بدأ يتعرف علينا.. قلت له: هل عرفتني قال: نعم انت وليد القطواني وعرف زملائي. وأثناء الحديث معه عن الأيام التي عشناها معه رأينا الندم والحسرة على وجهه.. أعطيناه بعض من العصائر والكيك وبعض المال، وأخبرناه بأن هذه أخلاقنا ومبادئنا التي علمتنا إياها المسيرة القرانية، وغادرنا المكان وقد ترسخ في نفوسنا قول الله تعالى (وتلك الايام نداولها بين الناس).