مارب .. حربٌ في سبيل السلام

علي المؤيد

 

 

انطلاقا من الحق الإنساني والديني و القانوني ومشروعية التحرك الوطني للدفاع عن حرية واستقلال و سيادة البلد وفي ظل حتمية مواجهة المشروع العدواني التدميري الغاشم بكل السبل والإمكانيات المتاحة، وفقاً لمعطيات وضرورات الواقع الميداني، كانت معركة الشعب اليمني مع قوى الهيمنة والتسلط العالمي وأدواتها الإقليمية والمحلية في مارب المحتلة معركة مصيرية، للكثير من الأسباب والنتائج المرتبطة بالأهمية الجيوسياسية ونوعية المرحلة ومخاطر استمرار العدو في احتلالها ..
وفيما يلي يمكن إيجاز أبرز النقاط المرتبطة بكل تلك المفردات للوقوف على أبعاد ومتغيرات خارطة الصراع وتجلياتهاَ في ضوء النقاط الـ9 الواردة التي تضمنتها مبادرة السيد القائد- يحفظه الله- والتي أخذت في الاعتبار جوانب الأهمية الجيوسياسية والتأثير العسكري والاقتصادي للمحافظة، وبناءً على ذلك وضعت الأسس الكفيلة بتحقيق السلام العادل الذي يحفظ لليمن واليمنيين كرامتهم ويضمن توجيه الإمكانيات المتاحة بما يحقق المصلحة العامة وبما يضع الاحتياجات الخدمية والمتطلبات الأساسية العامة في محلها الصحيح ضمن إطار متوازن يحفظ للبلد موارده السيادية ولمارب حقوقها وخصوصيتها دون التفريط في سيادة و استقلال وكرامة وحرية اليمن واليمنيين، وقد تجلى كل ذلك في نقاط المبادرة المقدمة التي نصت على تشكيل إدارة مشتركة من أبناء مارب لقيادة المحافظة وإدارة كل شؤونها بمعزل عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي بما في ذلك تشكيل قوة أمنية مشتركة بقيادة مشتركة من أبناء المحافظة تتبع قيادة المحافظة لإدارة كل الشؤون الأمنية وإخراج كل القوات الأجنبية من مارب وكذا اخلاءها من عناصر داعش والقاعدة بشكل كامل والالتزام بحصص المحافظات الأخرى من الغاز والنفط وضمان ايصالها وتوزيعها وفقا لمعايير صحيحة وكذا تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة الجوانب الفنية المتعلقة بإصلاح أنبوب صافر-رأس عيسى واستئناف ضخ النفط وإصلاح محطة مارب الغازية مع إيداع إيرادات النفط والغاز بحساب بنكي خاص لصرف الرواتب ودعم الجوانب الإنسانية على أن تكون الأولوية في ذلك لمارب كما تضمنت المبادرة ضمان حرية تنقل المسافرين والإفراج عن كل المختطفين من الطرقات والافراج عن المختطفين من أبناء مارب وضمان أمن وحرية المواطنين من أبناء مارب وعدم الاعتداء عليهم وتعويض المتضررين منهم وعودة المهجرين والنازحين من أبناء مارب الى مناطقهم، وبما يحقق السلام الحقيقي لأبناء المحافظة ويخفف عن الشعب المظلوم شيئا من ويلات الحرب والحصار الغاشم منذ سبع سنوات.
ويلحظ في المبادرة المقدمة، الحرص الشديد على تحقيق السلام والعدالة المجتمعية هذا ليس حديثا للمزايدة بدليل أن المبادرة كانت قد قدمت مطلع أغسطس الماضي وحينها كان الوضع الميداني قويا لكنه كان أقل قوة مما صار عليه لاحقا خلال الشهرين الماضيين بعد سيطرة الجيش واللجان على سبع مديريات كاملة من محافظتي مارب وشبوة وتطهير كامل للمديريات الواقعة جنوب مدينة مارب، ومع ذلك فقد ظلت تلك المبادرة مطروحة وسارية طوال الفترة الماضية رغم تعزيز مستوى الأفضلية القتالية وتحقيق عدد من المكاسب الاستراتيجية الهامة إلا أن البنود المطروحة ظلت على حالها ولم تتغير وهذا بحد ذاته يمثل دليلا ساطعا على مدى حرص القيادة الثورية والسياسية في صنعاء على حقن الدماء وتحقيق السلام الحقيقي والعادل بعيدا عن نوعية السلام الذي ينشده العدو المحتل الحقود وأسياده وهو ما وصفه السيد القائد بـ السلام على الطريقة الإسرائيلية.. السلام الإسرائيلي الذي يدوس على التاريخ والأرض والهوية ويستعبد الجميع ليهيمن على أهم موارد ومكتسبات البلد ويُسخِّر الدماء والحقوق وقودا لحروب الباطل وفي سبيل الخسران ربما لعشرات السنين على أقل تقدير وكل هذا مقابل لا شيء .. لا شيء !!!
وفي سياق إيضاح مدى ارتباط نقاط المبادرة المقدمة بركائز تحقيق السلام الحقيقي –أولا- وبمفردات حرب الضرورة -ثانيا- فإن من المهم تسليط الضوء على بعض الجوانب التي تبرز شيئا من أهمية مارب بالنسبة لقوى العدوان ومدى تأثيرها في إذكاء عدوانه الشامل وفي سبيل ذلك يكفي أن نقرأ عدة سطور من أرشيف بدايات العدوان البائس على بلادنا وتحديدا عقب تمكن حزب النفاق والعمالة الجماعية من إحكام سيطرته عليها خدمةً للطغاة وللغزاة المحتلين ، فهذا علي محسن في لقاء جمعه بقادة الارتزاق وبحضور قائد تحالف العدوان في مارب يصفها بـ»عاصمة الجميع وحاضنة الجميع فهي من الكل إلى الكل و»حنانها» يصل إلى الجميع»، وكلامه لم يحمل أي مبالغة إطلاقا حيث كان تحالف العدوان الأمريكي السعودي قد عمل على تأسيس جيش الارتزاق في مارب في العام 2015م بهدف الاستيلاء على العاصمة صنعاء وجميع المناطق الحرة خدمة لقوى الغزو والاحتلال التي وصلت إلى مارب منذ وقت مبكر وبدأت بتأسيس مقرات لقيادة عمليات تحالف العدوان وغرف العمليات المشتركة ومرابض لطائرات الاباتشي وبطاريات الباتريوت، مرورا بإشرافها على تنفيذ كل مراحل القمع المجتمعي من خلال وسائل الترغيب والترهيب بالتوازي مع استخدام الموارد السيادية في تمويل عمليات بناء وتجهيز جيش ارتزاق نظامي تابع لها – بالأحرى كان هناك أكثر من جيش لاختلاف التوجهات الفرعية للأدوات الإقليمية التي كانت في نفس الوقت حريصة على ضرورة تحقيق الأهداف الرئيسة لقوى الهيمنة العالمية – بدءا بالاستقطاب والتحشيد واستقبال المغرر بهم ثم التدريب والتأهيل والتعبئة النفسية المغلوطة والتسليح والتوزيع لمئات الآلاف من المقاتلين النظاميين، يضاف اليهم عشرات الآلاف من المقاتلين المغرر بهم من غير النظاميين ممن تم استيعابهم في ظروف مختلفة ولغايات محددة مع توفير الإمكانيات اللازمة للدفع بهم الى جبهات القتال صوب العاصمة صنعاء من عدة اتجاهات، ومع اتساع منطقة العمليات تواصلت في مارب وبوتيرة عالية عمليات، اعداد واستيعاب أعداد جديدة من المغرر بهم بالتركيز على ضباط وأفراد الجيش القاطنين في المناطق الحرة خصوصا بعد انقطاع رواتب الجنود والموظفين كافة بعد أن قام تحالف العدوان بنقل البنك المركزي إلى عدن، وعموما سقط الكثير من أولئك العسكريين في فخ الراتب ( ثمن بخس لم تنتظم عملية صرفه على الاطلاق حتى انقطع تماما) .
وبصورة عامة كانت الوحدات المستحدثة آنذاك في مارب قد توزعت على مقرات ألوية عسكرية كانت موجودة وتم تفكيكها أو بعثرتها أو شراء ولاءات من تبقى منها بعد تدميرها، كمعسكر اللواء 23 ميكا في العبر (وهو اللواء الذي قامت طائرات تحالف العدوان في 7يوليو2015م باستهدافه ما أدى إلى مقتل 90 من قياداته وضباطه وأفراده وفي مقدمتهم قائد اللواء العميد أحمد الأبارة)، إضافة إلى مقر ما كان يسمى باللواء الثاني مشاة جبلي (اللواء14حرس جمهوري) الذي كان متمركزا في معسكر صحن الجن شمال المدينة بقيادة المدعو محسن الداعري (أصبح معسكرا للاستقبال والتدريب إضافة إلى تلك التشكيلات ذات المهام القتالية)، وكذلك معسكر الرويك الذي كان حينها مقرا للواء 107 واصبح إضافة إلى ذلك معسكرا تدريبيا، فضلا عن مدرسة القوات الخاصة كما تم استحداث ما يسمى بـ معسكر «الميل» التدريبي غرب المدينة، كما تحول مقر اللواء117 في الخشينة بالجوبة.. إلى معسكر استقبال لتجميع وتدريب المغرر بهم من ابناء محافظة البيضاء وكذلك كان الحال لفترة غير طويلة بالنسبة لمقر اللواء26 مشاة في «أم ريش» بالجوبة وفي العام 2017 – 2018 زاد عدد المعسكرات والمقرات التدريبية (معسكر ماس في مديرية رغوان ومعسكر اللواء312 بـ كوفل في مديرية صرواح ومعسكر المهام والحماية في نجد المجمعة بـ مديرية رحبة، إضافة إلى معسكرات أخرى في محافظة الجوف كـ اللبنات وحام واللواء29 مشاة أو ما يطلق عليه معسكر «الإسرائيلي» على تخوم مدينة الحزم، فضلا عن عشرات الأولوية التي تمركزت في جبال نهم ) واستمرت قوى العمالة في استخدام موارد مارب لضمان استمرار التجنيد وضخ المغرر بهم صوب مختلف الجبهات الداخلية والحدودية ما شكل تهديدا حقيقيا على العاصمة صنعاء والمدن الرئيسة في المناطق المستقلة ، وفضلا عن احتضانها لوزارة دفاع حكومة الفنادق ورئاسة أركانها كانت المحافظة مقرا لقيادات وتشكيلات تتبع ثلاث مناطق عسكرية وهي الثالثة (مارب -شبوة) والسابعة (صنعاء-ذمار-البيضاء) والسادسة (الجوف -صعدة)، إضافة إلى كونها منطلقا رئيسا لخلايا العمل الخاص التي عملت طوال السنوات الماضية على تنفيذ جرائم التفجيرات والاغتيالات وإقلاق الأمن والسلم الاجتماعي في المناطق الحرة جنبا الى جنب مع دعم واحتضان مقاتلي تنظيم القاعدة وداعش التكفيرييّن في مارب وقيفة ويكلا وذي ناعم والزاهر والصومعة وغيرها وأيضا دعم وتمويل الوحدات الأخرى المسلحة التابعة لحزب الإصلاح والمتمركزة بمارب وهي تمثل ما يسمى بالمقاومة الشعبية لمحافظات صنعاء وذمار والبيضاء وتتبع عددا من قيادات الإصلاح مع التزام الأدوات المحلية المتسلطة على مارب بتقديم كل ما يلزم من الإمدادات والدعم اللوجستي لكل تلك المناطق العسكرية والتشكيلات الارتزاقية وحتى مناطق العمليات والمواجهات البعيدة عن مارب، كما هو الحال بالنسبة لمعظم جبهات محافظة تعز وكذلك الدعم الكبير لـ بؤر النشاط التخريبي التي اشتعلت في أوقات مختلفة في عمق المناطق المستقلة تبعا لإملاءات تحالف العدوان (مثل الشرم العالي والسافل بـ مديرية عتمة م. ذمار وبعض عزل العدين في محافظة إب وقبلها ما حدث بـ مديرية القفر، فضلا عن الجبهة التي تم تحريكها في منطقة حجور وغيرها من الجبهات المحيطة بالمناطق المستقلة في تعز وميدي والجوف والتي تم رفدها بعشرات الالاف من المقاتلين مع استمرار دعمها بعشرات الملايين من الدولارات، اضافة الى المخصصات الدورية واليومية المنصرفة لكيان حزب الإصلاح وقياداته الذين يمثلون الأداة المحلية الممسكة بزمام السلطة في المحافظة وعلى رأسهم المدعو سلطان العرادة ومبخوت بن عبود الشريف وحمد بن وهيط وغيرهم من قيادات الصف الثاني والثالث من غير المتسلطين الآخرين من قيادات العمالة والخيانة الجماعية الوافدين على مارب، وهم من كان لهم الدور الأبرز في امتهان الهوية والأعراف القبلية والقيم النبيلة نزولا عند رغبة المحتلين من أدوات قوى الهيمنة من خلال تأديتهم أدوار التمزيق الديني والاجتماعي المتطرفة ضمن سلوكيات دخيلة على المجتمع اليمني عموما والماربي خصوصا ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما جرى لآل سبيعيان بوادي عبيدة وما حدث في منين الأشراف والاستهداف المستمر للدماشقة والقتل في الطرقات والشوارع دون وجود أدنى شبهة، ومنهجية اختطاف المسافرين واستدعاء النساء للتحقيق في ساعات متأخرة من الليل والاضطهاد والقمع الدائمين لكل أصوات العقل والمنطق على امتداد خارطة النفوذ الإخونجي في محافظة مارب، مع الإشارة إلى أن ايصال الخدمات والسلع الأساسية كالغاز إلى المناطق الحرة كان يخضع لتوجهات العدوان المرتبطة بـ مفردات الحرب الاقتصادية على الشعب اليمني، سواء بمنع وصولها أو بفرض الأتاوات الكبيرة عليها في النقاط العشوائية المتعددة على طول الطريق الالتفافية الوعرة أو من خلال التلاعب بالحصص الضرورية لتغطية الاحتياجات الُملّحة خاصة في ظل ارتفاع الكثافة السكانية بتلك المناطق التي عانت الأمرين من المنع التعسفي المستمر وزيادة تكلفة المواد بسبب الجبايات المفروضة بالقوة في الطرقات، وصولا إلى عدم وجود معايير صحيحة وواقعية لتوزيع الحصص والكميات.

 

قد يعجبك ايضا