تتسارعُ خُطَى عمليات تحرير مَارب بشكل غير متوقع، لتبدو مَاربُ حرةً قابَ قوسين أَو أدنى، هذا ما يقولُه الميدانُ العسكري، ومن خلال رصد العمليات العسكرية السابقة للجيش واللجان، منذ عملية نصر من الله، والبنيان المرصوص، وأمكن منهم، وما تلاها من عمليات في البيضاء وشبوة ومَارب، وُصُـولاً إلى ربيع النصر2، نلاحظ أن الانتصارات على الأرض تتجاوزُ الانتصاراتِ المعلَنة بمراحلَ كبيرة، وتحتفظُ القواتُ المسلحة بالإعلان عنها لصالح العمليات العسكرية والأمنية والاستخباراتية، والجaهود القبَلية والاجتماعية، وهذا يعني أن ما أُعلن بالأمس في إحاطة القوات المسلحة من العميد يحيى سريع، أقلُّ بكثير من حجم الإنجاز على الأرض، والأيّامُ القادمةُ ستكشفُ حقيقةَ التموضع الجديد للقوات المسلحة.
هذا بالنسبة للميدان، والحالُ لا يختلفُ كَثيراً إذَا ما حاولنا أخذَ المعطيات والتوقعات، التي تكاد تكونُ قناعاتٍ كبيرةً لدى مرتزِقة العدوان، بحتمية تحرير مَارب، أَو حسب تعبيرهم سقوط مَارب، وأن المسألة لا تعدو مُجَـرّد الإعلان عن ذلك رسميًّا، بما يعكسُه ذلك من انهيار معنويات عناصر العدوان، وتسليمهم بالأمر الواقع المنتظَر، وربما كان للعناصر المنهزمة في فرضة نهم، وبعدها كوفل وماس، ومؤخّراً من العبدية وماهلية ورحبة وجبل مراد والجوبة، ستزيدُ من طين انهيارهم بلةً من الهزيمة التي حملوها على ظهورهم إلى مدينة مَارب، وانعكست على تصريحات وتلميحات قيادات الارتزاق وأبواقها الإعلامية التي بدأت تتحدثُ عن خطورة (سقوط مَارب) على بقية الجغرافيا، ولا يتوقفون عند جغرافيا اليمن المحتلّة في الجنوب فحسب، بل يتحدثون عن الجزيرة العربية والمنطقة ككل، وهذه المبالغاتُ في التهويل تستجرُّ في طياتها دفعاً للرياض إلى مزيد من رمي الثقل في هذه المعارك، وهي التي لم تدخر جُهداً في الدعم العسكري لا سِـيَّـما الجوي، ومئات الغارات لمنع وكبح جماح التقدم العسكري على الأرض دون جدوى، ومع ذلك خرجت قوى الارتزاق ببيانٍ منسوبٍ للأحزاب المؤيدة للعدوان، تنعَي مَاربَ على وَقْــــعِ الانتصارات الأخيرة، وتحمِّلُ التحالُفَ وما تسميه الشرعية مسؤولية الخذلان.
أهميّةُ مَارب بالنسبة لليمن سياسية وعسكرية واقتصادية، سياسيًّا، هي جزء محتلٌّ من البلاد ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال تركها في يد الغزاة والمحتلّين، ويجب إعادتها إلى حُضنِ الوطن وفرض السيادة الوطنية كاملة واستعادتها من أيدي الغزاة والمرتزِقة.
عسكريًّا، لطالما كانت مَاربُ بؤرةً وخنجراً في خاصِرة اليمن، واستخدمتها قوى العدوان كمعسكر جمعت فيه المتردية والنطيحة وما أكل السبع، من عناصر القاعدة وداعش والتكفيريين وبقايا حزب الإصلاح وحفنة من المرتزِقة الباحثين عن فُتات الرياض وما خلفته موائدُ نهب النفط والغاز، وهذه البؤرةُ الخطيرةُ التي هدّدت كُـلَّ المناطق المجاورة لها، الجوف شمالاً، وصنعاء غرباً، والبيضاء جنوباً، لا يجوزُ أن تبقى مصدرًا للتهديد، ومرتعا لعناصر القاعدة وداعش.
اقتصاديًّا، استخدمت الرياض مَاربَ كوسيلة حصار، بما يمثله من قطع إمدَادات النفط والغاز والكهرباء وهي خدماتٌ أكثرُ حيوية، وتنعكسُ على كُـلّ الجوانب الحياتية والمعيشية لقطاعٍ كبيرٍ من الشعب اليمني، وبتحريرها يتكسر جزءٌ من أسوار الحصار الظالم، وتتحطَّمُ عليها مخطّطاتُ العدوان وآمالهم في كسر إرادَة الشعب وتركيعه.
بالحديث عن النتائج، داخليًّا، فَـإنَّ إفشالَ العدوان ومخطّطاته، لا سِـيَّـما مخطّط التقسيم والأقلمة، وانتزاع واحدة من أهم أوراقه من يده، يعتبر إنجازاً مهماً، الأمر الذي سيجلبُ المعتدين إلى طاولة المفاوضات بدون أجنحة الكِبر والغرور والابتزاز السياسي والإنساني، ويفقدُها المناورة السياسية والمقامرة الخطيرة التي كان يقومُ بها على حسابِ الشعب اليمني، وحاضره ومستقبله وحتى على مصادر عيشه.
النتيجةُ الثانيةُ، تخُصُّ أبناء مَارب الذين سيعودون إلى منازلهم ومزارعهم ومصالحهم، بعد تشريدهم لسنواتٍ، هذا من جهة، ومن جهة يعود الهدوءُ والأمنُ لبلادهم، وتتراجعُ أسعارُ الريال وأسعار السلع والمواد الضرورية، كما تحقّقت هذه الأمورُ في المديريات المحرّرة جنوبي المحافظة مؤخّراً، أما أبناءُ مَارب من الطرف الآخر، فلا تزالُ أمامهم مبادرةُ السيد عبدالملك الحوثي، وعليهم اليوم أن يتلقفوها؛ لأَنَّها المخرجُ الوحيدُ أمامهم، قبل أن يتجاوزها الميدانُ والواقعُ على الأرض.
النتيجةُ الثالثة إقليمية، تتمثل بفقدان ابن سلمان واحدةً من أهمِّ أوراقه التي يذهبُ لمقايضتها هنا وهناك، ليبيعَ من كيس غيره، ويشتريَ إلى كيسه، أَيْـضاً فهو يفقدُ ما كان يتخيَّلُه من موقع إقليمي من موضع القوة والاستناد إلى نفوذه وسلطاته العابرة للحدود، الآن سيبدو فاقداً لكل هذه الأوراق، ويتوقفُ عن العبث والمقايضات الجائرة. إن ما تحقّق إلى اليوم يُعَبِّرُ بوضوح عن تجاوز اليمنيين -بفضل الله- عقباتٍ استراتيجيةً ليصلواَ إلى موقع فرض الشروط على العدوّ، بكل ثقة واقتدار، مستندين إلى حقائق الميدان، وقبله حقائق التاريخ والجغرافيا، ولله المِنَّةُ من قبلُ ومن بعدُ.