الوعد المشؤوم "أعطى من لا يملك لمن لا يستحق"

فلسطين تنكَّس أعلامها في ذكرى وعد بلفور

الجهادالإسلامي: الصراع مع الكيان الصهيوني سيستمر حتى زواله

يصادف اليوم الثاني من نوفمبر الذكرى الـ104 لوعد بلفور المشؤوم الذي بموجبه منحت بريطانيا الحق في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق أرض فلسطين، أصدرته حكومة بريطانيا آنذاك، والذي بدوره أدى إلى تعميق مآسي الشعب الفلسطيني الذي لم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936م.
وبحلول هذه الذكرى لا تزال القضية الفلسطينية تمر بمنعطفات كثيرة على الصعد السياسية، من استمرار الاستيطان والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وترحيلهم، إلى معاناة الأسرى وانتهاكات متصاعدة ضد البشر والشجر والحجر.
الثورة / قاسم الشاوش

“إعلان بلفور” كان بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وجاء على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا -آنذاك- آرثر جيمس بلفور في حكومة ديفيد لويد جورج في الثاني من تشرين الثاني عام 1917، إلى اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا عام 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان.
وفي 25 ابريل عام 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر “سان ريمو” على أن يعهد إلى بريطانيا الانتداب على فلسطين، وأن يوضع إعلان بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن بلفور كان إعلانا غربيا وليس بريطانيا فحسب.
في المقابل، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها اعلان بلفور، أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين، إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.
من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الإعلان مستندا قانونيا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية، بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وتبدو الإشارة إلى بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام دولة إسرائيل، دليلا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: “الانبعاث القومي في بلد اعترف به إعلان بلفور”.
وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تغطرس في المنطقة، وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفا من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الإعلان المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.

وفيما يلي نص إعلان بلفور:
وزارة الخارجية البريطانية
2 نوفمبر 1917م
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحب الجلالة التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهوما بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علما بهذا التصريح.

المخلص آرثر بلفور
نهاية الانتداب وبداية الاحتلال
وفي 15من مايو1948م أعلنت بريطانيا نهاية انتدابها ليعلن اليهود قيام الكيان الصهيوني ليصبح هذا التاريخ يوماً لنكبة الفلسطينيين وتهجيرهم فلم يقتصر الاحتلال الصهيوني على اغتصاب الأرض، بل قام بتهجير 70 % من السكان الأصليين ناهيك عن ارتكابه بحق الشعب الفلسطيني مئآت المجازر الجماعية الذي ارتكبها الاحتلال حتى اليوم .

تنكيس الإعلام
ورفضا لهذا الوعد المشؤوم قررت فلسطين تنكيس علمها، في جميع مؤسساتها وسفاراتها في الخارج، يوم الثاني من نوفمبر من كل عام بالتزامن مع وعد بلفور.
جاء ذلك وفق ما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قال في قراره: “تنكيس العلم على مؤسسات الدولة وسفاراتها وممثلياتها كافة، في اليوم الثاني من تشرين الثاني من كل عام، وذلك تنديدا “بإعلان بلفور”، وما تمخض عنه من تشريد لشعبنا الفلسطيني وسلب لحقوقه المشروعة”.
كما أوضح القرار أن ذلك يأتي: “تذكيرا للعالم أجمع، وبالذات المملكة المتحدة، بضرورة تحمل المسؤولية لتمكين شعبنا من حقوقه المشروعة المتمثلة في الاستقلال والحرية والعودة”

عودة كل فلسطين لشعبها
إلى ذلك أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الشيخ خضر حبيب، أن الصراع مع الكيان الصهيوني سيستمر حتى زواله، وعودة كل فلسطين لشعبها، لافتاً إلى أن مقاومة شعبنا المستمرة ورفضه لإعطاء الشرعية للكيان الصهيوني كفيلة لعودة الأمور إلى نصابها، وتحرير فلسطين كل فلسطين.
وأوضح الشيخ حبيب في تصريح صحفي، أن وعد بلفور ذكرى وعد مشؤوم أعطى الاحتلال البريطاني الذي لا يملك لمن لا يستحق، فأعطى اليهود حق قيام وطن قومي لليهود.
وأشار الشيخ حبيب، إلى أن كل الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية رفضوا هذا الوعد، وتصدى الشعب الفلسطيني بمساعدة العرب والمسلمين، لإحباط إقامة الكيان الصهيوني، معرباً عن أسفه أنه في ظل معادلة دولية ظالمة، وانحياز كبير من قبل الغرب المجرم، تم إقامة الكيان على أنقاض شعبنا والقرى والمدن والأراضي الفلسطينية.
وبيّن، أن الكيان الصهيوني لم يكتف بما تم في ظل قرار التقسيم، بل واصل عدوانه ليسيطر الآن على كل فلسطين التاريخية، ويمنع فكرة إقامة وطن للفلسطينيين، وهو الأمر الذي يؤكد على الطبيعة العدوانية للكيان الصهيوني بالتوسع الذي يتعدى فلسطين التاريخية للدول العربية المجاورة.
وأكد القيادي حبيب على أن هذا الكيان غير شرعي، رغم انزلاق البعض أصحاب مشروع أوسلو التي تعتبر خطيئة كبرى، فيمن وَقعَ على شرعية الكيان على 78% من الأرض الفلسطينية.
وشدد القيادي حبيب، على أن الشعب الفلسطيني متمسك بحقه في فلسطين كل فلسطين، وأن الكيان الصهيوني هو رأس حربة ولا يملك شرعية على هذه الأرض، وأن الصراع سيستمر حتى زوال الكيان الاحتلال وعودة كل فلسطين لشعبنا وجزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية. مشيرا إلى “إن الكيان الصهيوني زرع لزلزلة المنطقة، ونحن الضحية الكبرى لزرع هذا الكيان على المنطقة، لذلك ما يقوم به العدو الصهيوني من جرائم، يؤكد على الطبيعة العدوانية للكيان”.
ونوّه الشيخ حبيب إلى أن الكيان سيستمر في ارتكاب مزيد من الجرائم في ظل حالة متشظية للساحة الفلسطينية، وعجز كبير للنظام العربي، فالكيان يجد فرصته للتمدد وارتكاب مزيد من الجرائم بحق شعبنا. وأضاف: “نحن نعول على وحدة شعبنا الفلسطيني وتصديه لهذه الجرائم، واستمرار هذا الصراع حتى زوال الكيان الصهيوني، العدو في ظل اختلال في موازين القوى لصالحه يستطيع الآن أن يفرض ما يشاء”.
وشدد القيادي حبيب على أن مقاومة الشعب المستمرة والرافضة لإعطاء الشرعية للكيان الصهيوني كفيلة بعودة الأمور إلى نصابها، وتحرير فلسطين كل فلسطين.
من جهتها قالت جبهة النضال الشعبي الفلسطينية: “تمر الذكرى الـ 104 لوعد بلفور المشؤوم التي تصادف اليوم و الشعب الفلسطيني يواجه ظروفا بالغة الخطورة والتعقيد تتعرض فيها القضية الفلسطينية والمشروع الوطني برمته لتحديات جسام سيما في ظل استمرار حالة الانقسام الداخلي الذي ألقى بظلاله القاتمة على كافة جوانب الحياة في المجتمع الفلسطيني وفي ظل تواصل السياسة العدوانية للاحتلال من اغتيال واعتقال وحصار ودمار ونهب للأرض وتجريف للمزارعين هدم للبيوت وتهجير للسكان، واستمراره في تهويد مدينة القدس والاعتداء على المقدسات الدينية”.
وأضافت: “تأتي ذكرى وعد بلفور لهذا العام والشعب الفلسطيني يعيش أقسى وأخطر الظروف وأكثرها دقة بفعل إمعان حكومة الاحتلال العنصرية والفاشية بتنفيذ مخططاتها الاحتلالية، وإجراءات تهويد القدس والاستمرار في تكثيف الاستيطان ومصادرة الأراضي ضمن خطة الضم التدريجي والقوانين العنصرية التي تنذر بتفجير وتدهور الأوضاع وبخاصة مع تصاعد الحملة المسعورة والمسارات التطبيعية الخيانية من بعض الأنظمة العربية والتي تستهدف الشعب الفلسطيني وثوابته وقيادته الوطنية”.
وأشارت “إن شعب فلسطين وهو يستذكر هذا الوعد المشؤوم ليلعن اليوم انه أكثر استعدادا وإصرارا للصمود والتحدي حتى نيل حريته واستقلاله وتحقيق مشروعه الوطني القائم على حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس”.
وقالت الجبهة إن على المجتمع الدولي حكومات وشعوب ومنظمات مجتمع مدني بالتحرك الفاعل من أجل وقف هذا العدوان المدمر لشعبنا ووطننا ووضع حد لممارسات الاحتلال وبتأمين الحماية الدولية لشعبنا وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ومعاقبة الاحتلال على جرائمه.
وأوضحت أن إرهاب الاحتلال المنظم ومستوطنيه يتصاعد في القدس وفي كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ضمن توجهات حكومة الإرهاب والعنصرية التي تترجم سياساتها على ارض الواقع بأبشع أنواع الإرهاب والعربدة، دون أي رادع من العالم أجمع مما ينذر بتفجير الأوضاع في المنطقة.

التآمر السعودي
فمن وعد بلفور (1917م) إلى صفقة القرن (2017 – 2020) تاريخ سعودي حافل بالتآمر على القضية الفلسطينية والقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية خدمةً للاستراتيجية الصهيو أمريكية ، إنما يمتد عميقاً في التاريخ منذ مطلع القرن العشرين ، واستمر منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اللحظة الراهنة ، وفي الذاكرة دور آل سعود في التآمر على الوحدة المصرية السورية (1958 – 1960) وفي التآمر على الدور المصري الداعم الثورة اليمنية عام 1962، ودورهم التآمري الحالي على سورية العروبة منذ عام 2011، واندماجهم الهائل في المشروع الصهيو أميركي لتغيير النظام القومي في سورية، واعتبارهم الكيان الصهيوني صديقاً وحليفاً استراتيجيا ودورهم العدواني المجرم ضد الشعب اليمني الشقيق والمدعوم أمريكياً منذ عام 2015 وحتى اللحظة الراهنة ، وأخيراً وليس آخراً دورهم المركزي في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية. مسلسل التآمر السعودي على القضايا العربية ، طويل جداً ويحتاج لدراسة معمقة، وتجمع وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن العلاقات السرية بين الحكم السعودي و (إسرائيل) تعود إلى عقود بعيدة، في حين بات مؤكداً أن الانفتاح التطبيعي بين بقية دول الخليج – باستثناء الكويت – وبين الكيان الصهيوني ، تم بضوء أخضر سعودي.
ما تقدم يشكل غيضاً من فيض من تاريخ تآمر حكم آل سعود على القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع العربي- الصهيوني، ومن ثم فإن تآمر هذا النظام على سورية العروبة وعلى اليمن ، يأتي في هذا السياق خدمة للكيان الصهيوني، وللمشروع الصهيوأميركي الرجعي في المنطقة.

قد يعجبك ايضا