” يا عيال عدن ” .. هكذا يبدأ الناشط العدني عبدالفتاح جماجم منشوراته الموجهة لجمهوره أو متابعيه على صفحات التواصل الاجتماعي ، وهو بذلك يحاول استنهاض العدنيين لمقاومة سيطرة الميليشيات التي ينحدر معظم عناصرها من المناطق الجبلية في يافع والضالع، ويطلق عليهم جماجم بـ ” القرود ” ويرى أنهم متخلفون مقارنة بأبناء مدينة عدن المستبعدين من المشاركة في سلطة ما تسمى زوراً بـ ” الشرعية ” أو ” الانتقالي ” .
عبدالفتاح صالح ثابت، المشهور بعبدالفتاح جماجم، وبحسب بيانات عائلته ـ تم اعتقاله قبل أسبوع في حضرموت من قبل عناصر ” النخبة الحضرمية ” بتوجيهات من ضباط إماراتيين خلال استقباله للسياسي حسن باعوم القادم من سلطنة عمان والذي تم احتجازه ومنعه من دخول المكلا .
قبل يومين، عرض تلفزيون حضرموت مقاطع مما سماها : اعترافات جماجم بعمالته لإيران وعلاقته بأنصار الله . وهي تهم كيدية يدركها كل من يعرف جماجم أو يتابع منشوراته ومواقفه في مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات. فهو أقرب إلى المهرج منه إلى السياسي، يمارس السياسة ببراءة الأطفال، وفي هيئته ومواقفه يجمع المتناقضات : لحية كثة وشارب مقصوص على طريقة السلف، وقبعة حمراء تخفي صلعته وتُذكِر بماضيه الاشتراكي .
كان ناشطاً في الحراك الجنوبي، ثم من دعاة الانفصال عن الشمال ، وشارك في المواجهات العسكرية ضد الجيش واللجان الشعبية في عدن عام 2015، وبسبب الأوضاع التي آلت إليها المدينة لا يتورع جماجم – مدفوعاً بشجاعته أو براءته بعض الأحيان – عن إطلاق الصرخة في أسواق عدن .
ما من شك أن اعترافات جماجم التي بثها تليفزيون حضرموت الممول سعودياً، تمت تحت الضغط والتهديد، فمنذ اعتقاله تعمدت أدوات الاحتلال إذلاله وإهانته ونشرت له صورة بدا فيها مكتَّفاً بينما يقوم شخص ” من عيال الاحتلال ” بشد أذنه بطريقة مهينة .
إهانة السياسي حسن باعوم بمنعه من دخول حضرموت لا تقل مرارة عن إهانة جماجم، فهو الذي كان يوصف في الجنوب بـ ” الزعيم” يُحتجز ويُمنع من الوصول إلى مسقط رأسه، مع أنه لم يبدل مواقفه الانفصالية ودعواته “لاستعادة دولة الجنوب ” .
مشكلة البعض من اليمنيين ـ شماليين وجنوبيين ـ هو النظر إلى سلطات الميليشيات التي تسيطر على المحافظات المحتلة بأنها سلطات ” شرعية ” أو منافسة ” للشرعية ” أو نواة لها ، ويعتقدون أنها سلطات مسؤولة ، تحكمها قوانين وأنظمة وأخلاقيات … والغريب أن هذا الاعتقاد والثقة العمياء لا تقتصر على بعض العوام الذين يقعون في فخ هذه العصابات كالمغتربين والمسافرين عبر تلك المناطق، بل إن الثقة بسلطة الميليشيات يتورط بسببها سياسيون ومثقفون أمثال الأستاذ عبدالباري طاهر الذي تعرض للاحتجاز والإهانة في نقطة ميليشوية بين محافظتي أبين وعدن في أغسطس الماضي.
ما حدث لطاهر أمر متوقع وليس غريباً بالنسبة لمن يدرك حقيقة الأوضاع التي تعيشها المحافظات المحتلة، والغريب هو: كيف غاب مثل هذا الاحتمال عن بال طاهر ليقوم بمثل هذه المغامرة بالتجوال في أدغال المحافظات المحتلة وهو الأستاذ في السياسة والصحافة والمحلل والمنظر والأديب ؟! هل هو مع توصيف تلك المحافظات بـ ” المحررة ” ؟ كارثة إن كان يعتقد ذلك .
السفر والتنقل عبر المحافظات المحتلة، مغامرة محفوفة بالمخاطر، لقد أرادها العدوان ” مناطق ميليشوية مغلقة ” والمناطق الميليشوية أسوأ وأخطر بكثير من المناطق التي يُطلق عليها ” مناطق عسكرية ” لأن الثانية يسيطر عليها عسكر ، جيش نظامي ، له أنظمة ومرجعيات وقيادات وعناويين ، لكن الميليشيا تمارس نشاطها بلا ضوابط وتدار من الكواليس . هي مجرد أدوات قذرة لتحقيق أهداف من يدعمها ويمولها.
هذا الوضع هو ما عملت قوى العدوان والاحتلال على ترسيخه في المحافظات المحتلة، وحتى تتجنب دول العدوان المسؤولية المباشرة عما ترتكبه الميليشيات من جرائم وانتهاكات في تلك المحافظات، أوعزت للقيادات والمسؤولين التابعين لما يسمى ” الشرعية ” البقاء بعيداً، وخلقت لهم المبررات، بانعدام الأمن وغيره . وهي تعتقد أنها بذلك تنأى بنفسها عن كل الجرائم التي تُرتكب، والمعاناة التي يعيشها الناس الذين لا يجدون سلطة يثورون عليها أو يطالبون بتغييرها، فيما يعمل تحالف العدوان على خلق أوضاع جديدة من رحم هذه الفوضى الممنهجة والمدروسة .
تستطيع دول العدوان توفير الحماية لكافة قيادات وحكومة ما تسمى زوراً بـ ” الشرعية ” والقابعين في الفنادق، ليمارسوا مهامهم من مواقعهم في تلك المحافظات، لكنها لا تريد إحراق الشرعية ” التي تستمد منها الشرعية “، وتستخدمها كأوراق حمام مثالية، وبدونها ستفوح رائحة المؤامرة القذرة أكثر، ولن يقوى أحد على تحمُّلها .