واحدية الثورة

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

 

الثورة هي الثورة، يجب أن نتعاطى معها كفعل يسعى إلى التغيير وإحداث نقلة نوعية في حياة المجتمع الذي يتبنى الفعل ، وعلى هذا الأساس يجب أن نتحدث عن أي ثورة لا بقصد المحاكمة وتحويل الأمر إلى وسيلة للاستهداف المباشر وغير المباشر ، كما هو حال البعض اليوم عندما يتحدثون عن ثورة 26سبتمبر 1962م وتضيق صدورهم عند الحديث عن ثورة 21سبتمبر 2014م .
كما قلنا، هنا يظهر القصور الذهني وعدم الفهم المستوطن في عقول البعض ، وإلا فإن كل واقعة لا بد أن يكون الحديث عنها بحسب التغيير الذي أحدثته في نفس الواقع ، وتبعاً للمعطيات التي قدمتها كفعل تحولي سقطت من أجله الرؤوس وسالت من أجله الدماء ، وهنا لا بد أن يتوقف الجميع ليحاسب نفسه ، فنحن نعرف أن الكثيرين بعد ثورة 26سبتمبر صالوا وجالوا وشطحوا وتمادوا كثيراً بعد أن تضخم الأنا لديهم وأصبحوا لا يرون إلا أنفسهم فتحولوا إلى أئمة متنقلين ،بحيث تخلصوا من أفكارهم القديمة ولم تعد تشغلهم مشاكل البسطاء وهمومهم ، ولا تشغل بالهم وقلوبهم تلك المآسي التي عانوها في مكتب الأيتام ، بل إن مكتب الأيتام تحول إلى عقدة خطيرة جعلتهم يتهافتون على المال بأي وسيلة وعلى حساب أي شيء، بما في ذلك الأخلاق والقيم والمبادئ ، ناهيك عن بعض الذين انغمسوا في الملذات وتحولوا إلى بؤر خطيرة للفساد والإفساد ، كلهم انحازوا إلى شيء واحد اسمه المكاسب والمصالح ، وفي هذا الخضم توالت الزعامات الهلامية التي حاولت سحق الشخصية اليمنية ومحق إرادة الفعل الذاتية بوسائل مملة ومستسلمة للغير وتابعة له تنفذ أغراضه كيفما شاء ومتى شاء ، أي أن الأهواء قادت البعض إلى سلوكيات شاذة على حساب الفضيلة وقيم الثورة وتحولت أهداف الثورة إلى مجرد يافطات تعلق في الشوارع أو تحتل مكانة بارزة في ترويسة الصحف الرسمية ، وكل ما سنحت الفرصة تتعالى الأصوات للاحتفاء بالثورة وحالة الناس في كرب وضيق وملل ، الكل يضيق ذرعاً بصعوبة الحياة ، إذاً ما جدوى الاحتفال إذا لم يجد المواطن من هذه الثورة أشياء ملموسة.
وهنا يمكن أن نعرف الفرق بين الثورة الأولى والثورة الثانية ، صحيح أن الثورة الأولى فتحت المجال أمام الحركات التي تلتها وبالذات ثورة 14أكتوبر الظافرة التي أشعلت وقود المقاومة ضد المحتل الانجليزي لجنوب الوطن الغالي ، لكنها مع ذلك أشاعت الحالة الانفرادية والعقلية الجامدة غير القابلة للنصح على قاعدة قوى التطرف والإرهاب (من ليس معنا فهو ضدنا) من أتباع وحملة الفكر الوهابي الإقصائي البغيظ، ومع الثورة الثانية لا نزال نأمل أن تتجنب مثل هذه المزالق وتستمر على نفس المنوال الذي تم الإعلان عنه منذ أول وهلة ، خاصة أنها تحمل شعار المسيرة القرآنية، وهذا يجعلها مُلزمة بأن تُترجم هذا النهج قولاً وعملاً ، وفي المقدمة الاحتكام إلى القبول بثقافة الآخر المخالف ، وأن لا يكون كل واحد منهم فظاً غليظ القلب، كما جاء في وصف القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم دل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم على كيفية الاهتداء إلى الحوار الراقي الكفيل بإيصال الرسالة إلى الطرف الآخر المعارض أو المخالف بأسلوب حضاري يجعله يتقبل القول، وإن كان هو يعاني من الفظاظة وغلظة القلب ، فإن الأسلوب اللين والعقلي والمنطقي يفكك- كما يُقال- الحجارة ، وهذا ما دل عليه القرآن الكريم في قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) صدق الله العظيم .. وقوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) صدق الله العظيم ” آل عمران” والأخيرة أكثر تعبيراً عن المضمون لأنها جاءت بعد واقعة أحد والهزيمة التي تعرض لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه، مع ذلك أمره الله بعدم الغلظة والاستمرار في المشاورة باعتبار الشورى منهجاً وأسلوباً يجب أن يحتكم إليه كل مسلم حيثما كان موقعه في أعلى المسؤولية أو في أدنى السلم وحتى مع أولاده، كي تستقيم الحياة ويصبح الجميع شركاء في المسؤولية ، وهذا ما نأمل أن تسير عليه ثورة الـ21 من سبتمبر كي تكتمل صفات الثورة وتصبح هي الأرقى والأعظم في تاريخ اليمن ، وهو ما يتطلب الالتزام بمنهج القرآن الكريم الذي علمنا كل شيء يخص حياتنا وفيه كل ما يدُلنا على الخير ويحثنا عليه ويحذرنا من الشر .
إذاً لدينا الآليات موجودة في كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فعلينا أن نحتكم إليه ونسير على نهجه لكي نحقق ما نصبوا إليه ، وهذا هو ما حث عليه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رائد الثورة الأول في ملازمه ، بالذات أن القائد الشاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي جاء ليُكمل المسيرة وهو على فهم كامل ودراية بنهج القرآن ولن يحيد عنه ويجب أن يقتدي به كل من يدعي الانتماء إلى هذه الثورة كي لا تنحرف عن المسار الطبيعي ويصبح الأنا هو الحاكم للبعض فيسقطوا كما سقط الأولون في مزالق الملذات والمكاسب والمصالح على حساب الثورة، لا سمح الله ، وهذا هو المعيار الذي يجب أن نحتكم إليه عندما نُقيم الفعل ، ليس الشعارات الرنانة والأعلام البراقة بل أن نقيس الأمور من خلال ما يحققه الفعل في الواقع وما يلمسه المواطن من تحولات في حياته بعيداً عن تزييف الحقائق أو تنميق الكلام، كما يحاول البعض عندما يتحدث عن الثورات وهو مملؤ حقداً وبغظاً وكراهية للآخرين .
ستظل الثورة 21سبتمبر ، 26سبتمبر ، 14 أكتوبر ، 30 نوفمبر، كلها امتداد لبعضها ومحطات يجب أن نفخر بها كأفعال لا أن تتحول إلى أصنام تُعبد ، أفعال تدلنا على ما نقوم به وما نحققه في الواقع ، من هنا يبرز التفاضل وتزال الشبهات التي يحاول البعض إلصاقها بهذا الفعل أو ذاك ، بالذات أولئك الذين حاولوا إيقاد شعلة 26سبتمبر 1962م في عقر دار النظام الذي حاربها 7سنوات حتى أسقطها وأصبح المتحكم فيها ، فلا عزاء لهؤلاء ولا ثورة ، بل الخزي والعار والذل والمهانة ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا