الحياة بقعة ضوء

حين تتحول الدنيا إلى بقعة ضوء تراها من زاوية واحدة تعج بالظلمة تتخيل من نفق واحد يشبه لا أحد تنظر في جدرانه الضيقة إلا من نقطة واحدة عندها يتجمع النظر ومنه ترى الأشياء بلون موحد لا يختلف عن بقية الألوان..!
كنت يوما تسقط الأنوار من حولك وتصبها على ما حولك تزحف نحوك الدنيا تطلب منك مشاركتها الإبحار في ثناياها في صمتها / سخطها تحلم على أريكتها تتدفأ بمعطفها تأكل من موائدها تشكو منها تأسى عليها كنت تخطو خطواتك دون قلق يتبعك أو خوف يلاحقك لم يمر من أمامك مشهد الفقدان ولم تتوقع مجيئه نحوك مسرعا رغم صغر سنك لكنه أسرع نحوك مخترقا جدار العمر ملتويا كالشبح الخانق متوسدا مقلتيك يغطيهما بنعاس طويل بطول عمرك المتبقي من فتات الضوء المهتز.
يكابدك البؤس وأنت وحيد بين الظلمات تبحث عن بقعة ضوء منسية تستعيد معها بصيص ولو للحظة تسترجع معها ألوان الدنيا لا تأتي تعجز لتعود أدراجك مقيما في وحدتك منفردا بلونك متفردا بمحنتك.
تسمع أصوات القريبين / البعيدين عنك لا تحرك قدميك حتى عينيك تصلبتا لا يريدان البحث في أرجاء المكان سأما البحث أو تعبا في ظله لم تتجاوز زوايا المكان لتعلق ذاكرتك نحو جهة معينة تنظر إليها فتمعن النظر متجها بذاكرتك في الأرجاء تسترجع معها قصصا وحكايات تدوس من يعبث بمقعدها حيث يسكن البريق الذي لا نراه إلا عندما نفقد بصرنا وإبصارنا معا .
تقيم في الدنيا ضريرا بعد أن كنت مبصرا تشعر بوحشة قاتمة تقتل ساعات عمرك وهي تمر أمامك في ظلمة دائمة تتفقد الأشياء من حولك ويطغى عليها البؤس بعد أن كانت تزهر في عينيك وترى بريقها اليوم كل ما كان صار حلما تتمنى لو عاد إليك وقبضته بيديك فلا تدعه يفلت منك تقيده بقيد أبدي فيبقى كما عهدته وفيا مشرقا كضوء الشمس يمسح الظلمة عن الدنيا فيسكب الروح من معبدها ويحميك من فاجعة قد تحل بمقربة منك .
كم نحن محظوظون بهذه النعمة العظيمة ولا نقدر حجمها إلا عند فقدانها وأحيانا نعبث بها دون أن ندري نهملها ولا نشعر بضرورتها إلا عند غيابها وحرماننا منها .
ولو سألنا أشخاصا فقدوا أبصارهم عن هذه النعمة لفاضت أعينهم بماء منهمر تسكبه مآقيهم عاجزة عن وصف البلاء ولنصحونا باستغلالها استغلالا كبيرا نسعد معها بدنيانا ونكتشف في معيتها قدراتنا في صنع المعجزات واكتشاف المهارات.
ليس من السهل أن تفقد الإشراق في ظل وجوده ولا من الممتع العيش بملحق لا ترى فيه ما حولك ولكنك تسمعه فقط والأكثر أسى أنك كنت مبصرا واليوم أنت بصير تجد نفسك في كومة من الأضواء تجهل في أيها تسلك ومن أيها تهرب فقط عليك أن ترضى بمصابك وتغلق نافذة الحلم ليراودك حلما من نوع آخر تكمل معه مشوار حياتك وتبدأ من نقطة البداية ولكن بطريقة مختلفة ونفق جديد بكل تراكيبه يتحد مع حاجتك للانطلاق.
ويفتح أسراره وقواعده فتدخل من باب آخر لا يدخله إلا أنت ولا يصل إلى حلاوته إلا عزمك الذي سيقضي على صورة التشاؤم بداخلك ويسقي عروقك بماء الإصرار والنجاح وربما الشهرة التي يعجز المبصر عن الوصول إليها والوقوف عندها وهذا بالفعل ما نكتشفه في هذه الشريحة من المعاقين الذين يدهشك فيهم براعتهم وتقديرهم للأمور واهتمامهم بكل الصغائر وإلمامهم بكل محتوى رغم عاهتهم لكنها لا تقف حجر عثرة في طريقهم لأنهم اكتشفوا من خلالها كيف ينهضون ويعبرون الطريق بمهارة تفوق مهارة المبصرين الغارقين بصغائر الأمور المتجاهلين لقيمة الأشياء من حولهم .

قد يعجبك ايضا